ساهمت القيود التي فُرضت بسبب أزمة كورونا في زيادة صعوبة ممارسة التمرينات الرياضية بنفس الانتظام (أو الكثافة) الذي اعتاده بعض الناس في السابق.
مع نمط حياة أقل حركة وأكثر جلوساً وطعاماً، اكتسب ملايين الناس الوزن على مدار العام الماضي.
لكن في ظل تخفيف تلك القيود شيئاً فشيئاً، آن الوقت لاعتماد نهج لخسارة الوزن وممارسة التمرينات الرياضية بطريقة صحية ومدروسة.
دراسة جديدة نشرت في دورية Nutrients العلمية تسعى إلى جعل تلك المهمة أسهل، عبر إيجاد علاقة بين النشاط البدني وآثاره على طريقة الأكل ونوعيته.
تُقدم نتائج تلك الدراسة بعض المعلومات المثيرة الخاصة بعلاقتنا مع الرشاقة والطعام، وربما تساعد في رسم خارطة طريق أوضح للباحثين عن تغييرات في نمط حياتهم.
تأثير الرياضة على الطعام
باحثون في جامعة ميونخ التقنية وجامعة نبراسكا استعانوا بـ41 شخصاً يتمتعون بصحة جيدة: 23 امرأة و18 رجلاً، تتراوح أعمارهم بين 19 و29 عاماً.
وكان متوسط مؤشر كتلة الجسم (BMI) بين المشاركين 23.7، ويُعد هذا المؤشر تقديراً لدهون الجسم بالاعتماد على حساب الطول والوزن.
وعادةً ما تُشير زيادة المؤشر عن 25 إلى البدانة.
قُسِّم المشاركون عشوائياً، وأثناء زيارتهم الأولى للباحثين، طُلب من بعضهم أداء حصة من التدريبات الرياضية مدتها 45 دقيقة، وأُعطي الآخرون فترة من الراحة لنفس المدة.
ثم تبادلت المجموعات المهمة خلال الزيارة التالية.
وفي كل زيارة، طُلب من المجموعة التي تمارس التدريبات ملء استبيان إلكتروني قبل بدء النشاط البدني، وركزت الأسئلة على درجة شعورهم بالجوع أو الشبع، ومقدار الطعام الذي يفضلونه، واختيارات بين أنواع الأطعمة التي تختلف في الوقت الذي يتطلبه الانتهاء من تناولها.
وكان المشاركون يُخبرون الباحثين بكميات الطعام التي يفضلون الحصول عليها من خلال تسجيل حجم الحصة التي يودون تناولها من كل نوع من أنواع الأطعمة.
ودوّن الباحثون تلك البيانات، سواء الخاصة بالطعام الذي سيتناولونه على الفور أو بعد 4 ساعات.
وبعد انتهاء المشاركين من ملء الاستبيان، طُلب منهم إتمام 45 دقيقة من التمرينات على الدراجة الثابتة. وفور الانتهاء من التمرينات، طُلب منهم ملء الاستبيان مُجدداً، ثم مرة ثالثة بعد أخذ استراحة لـ30 دقيقة.
في المقابل، طُلب من المجموعة الأخرى التي لا تمارس التدريبات ملء الاستبيانات نفسها ثلاث مرات. ولكن بدلاً من التدريب لـ45 دقيقة، حصلوا على فترة استراحة.
فكيف جاءت النتائج؟
خلص الباحثون إلى أن ممارسة التدريبات أدت إلى اختيار المشاركين كميات أكبر من الطعام، وذلك فور الانتهاء من التدريبات، ثم بعدها بـ30 دقيقة.
ووجدوا أيضاً أن التدريبات زادت رغبة المشاركين في تناول الطعام على الفور بعد الانتهاء منها، وأيضاً بعد أخذ راحة لـ30 دقيقة.
بدوره قال أستاذ التمرينات الرياضية والتغذية في جامعة ميونخ التقنية كارستن كوهلر، لموقع Healthline: "أكثر ما أدهشنا هو أن الزيادة -الافتراضية- في الكميات المُفضلة في الطعام والاستهلاك المباشر ظهرت بالفعل فور الانتهاء من حصة التدريبات الرياضية، على الرغم من أنها لم تكن بنفس القوة".
وقال كوهلر أيضاً إن فريقه البحثي توقع أن تكون الزيادة ملحوظة بعد فترة الراحة التي أعقبت التدريبات الرياضية، لكنهم لم يتوقعوا الزيادة بعد الانتهاء من الرياضة مباشرة.
وأضاف أن السبب في هذا هو ما يُعرف بـ"فقدان الشهية الرياضي"، أو تراجع إحساس المرء بالجوع أو فقدان الشهية أثناء ممارسة التمرينات الرياضية وبعد الانتهاء منها مباشرة.
وتحدث هذه الظاهرة بفعل "الهرمونات المفقدة للشهية"، وحدوث تفاعلات في الهرمونات المحفزة للشهية نتيجة لممارسة التمرينات.
أضاف كوهلر: "تلك الزيادة كانت أقل حدة عقب الانتهاء من التمرينات مباشرة، مقارنةً بما بعد 30 دقيقة من الراحة، تؤكد افتراضاتنا الأولية نوعاً ما".
وعندما سئل كوهلر لماذا قد يُفرط شخص في تناول الطعام أو يتناول كميات أكبر من المعتاد بعد ممارسة التمرينات الرياضية؟ قال إننا نعرف عموماً أن الجسد يستجيب للإشارات النفسية والجسدية التي تُرسل عند ممارسة التمرينات.
وتشمل الإشارات النفسية، البحث عن "مكافأة" على إتمام حصة من التدريبات، بينما تُستمد الإشارات الجسدية من عملية التمثيل الغذائي والغدة الدرقية في الجسم، وهي عوامل "تحفز على تناول الطعام لتعويض الطاقة الإضافية المبذولة في التدريب".
التحكم في الطعام مع التدريبات صعب، لماذا؟
لا شك أن الدراسة التي أجراها كوهلر وفريقه جاءت في وقتها.
إذ تُفيد منظمة الصحة العالمية بأن السمنة -وتعريفها هو زيادة مؤشرة كتلة الجسم عن 30- تضاعفت ثلاث مرات في العالم منذ عام 1975. كما أن 39% من البالغين -الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاماً- تزيد أوزانهم عن المعدل الصحي وفقاً لإحصائيات عام 2016.
وتفيد كذلك بإصابة 13% من هؤلاء البالغين بالسمنة.
لكن القلق بشأن زيادة الوزن، وما إن كان هؤلاء الأشخاص يمارسون نشاطاً بدنياً كافياً، لم يتفاقم إلا خلال الجائحة.
حيث أظهرت دراسة أخرى أجريت مؤخراً أن 61% من البالغين في الولايات المتحدة اكتسبوا وزناً زائداً خلال الأزمة الصحية الحالية، وقد أفادوا بأن الأسباب الرئيسية لذلك هي إصابتهم بالتوتر وقلة النشاط البدني والتحول إلى عادات غذائية ضارة.
تغييرات صحية
خلصت الدراسة إلى أن التخطيط مسبقاً للوجبات أو الوجبات الخفيفة التي تتناولها بعد التمرينات ربما يكون حلاً مناسباً، بدلاً من اللجوء بتهور إلى تناول الكعك.
وقال كوهلر: "ثانياً، وجدنا اختلافات فردية كبيرة. فبعض المشاركين أرادوا كميات أكبر بكثير، بينما رغب آخرون في كميات أقل من الطعام. وهكذا، ليس على الجميع اتباع نصيحتي الأولى. لكن بناءً على ما نعرفه من الأبحاث ومن بعض التحليلات المبدئية أيضاً لمجموعة بياناتنا؛ يميل هؤلاء الذين يُفرطون في تناول الطعام بعد ممارسة التمرينات الرياضية إلى امتلاك مؤشر أعلى لكتلة الجسم، أو وزن أكبر".
كما يجب تناول الوجبات في الوقت نفسه كل يوم. إذ يساعد ذلك في أن "يعرف" جسمك موعد وصول الطعام، مما قد يكون له تأثير الدومينو، بحيث يساعد في ضبط الشهية وعملية الهضم ومعدل معالجة الجسم للدهون والسكر والكوليسترول.
وينصح الخبراء من يحاول خسارة الوزن ويُضطر فعلاً لتناول وجبة غير صحية غنية بالسعرات الحرارية، أن يتناول تلك الوجبة في الإفطار. ما يُعطي الجسم فرصة لاستهلاك تلك السعرات على مدار اليوم وأثناء وقت التمرينات.
ما هي الأطعمة الموصى بها؟
يجب تناول وجبة خفيفة ما في غضون 30 إلى 45 دقيقة بعد الانتهاء من ممارسة التمرينات، وذلك لمد العضلات بالوقود بعد التمرينات.
ومن المقترحات:
التفاح مع زبدة مكسرات طبيعية
الحمص مع الجزر والبروكلي
الزبادي اليوناني العادي مع التوت
اللوز مع البطاطا الحلوة
من الجدير ذكره أن الأمر يختلف من شخص لآخر بناء على الحاجات الغذائية لكل شخص ونوع التمرينات التي يمارسها.
فحصة تدريبية في الصالة الرياضية تشمل جولة طويلة على الدراجة، تحتاج إلى نوع مختلف تماماً من الوقود قبل التمرين وبعده.
اعثر على خطة مريحة ومناسبة لك
إن الجائحة التي نعيشها زادت تعقيدات الحياة بلا شك، خاصةً فيما يتعلق بالصحة العامة والتمرينات الرياضية والتغذية.
ومن هذه العوامل الأكل المرتبط بالتوتر، وزيادة الخمول، وانعدام النشاط نظراً للعجز عن ممارسة الأنشطة البدنية كما في السابق. أُغلقت الصالات الرياضية، وألغيت صفوف التمارين الجماعية، إلى جانب الحث على التباعد الاجتماعي الذي صعّب على الناس ممارسة القدر الموصى به من النشاط البدني.
لذا لا بد من العثور على نشاط بدني تستمتع به والبدء في ممارسته في أسرع فرصة ممكنة.