سنة 2010 وجدت في مكتبة أختي كتاباً اسمه (اكتشف نفسك من جديد) لفت نظري أسلوبه ولغته المختلفة وظننت أن موضوعاته سهلة التطبيق. ولكن مع التجربة العملية وجدت أنني أحتاج إلى مساعدة عملية، فأنا أفهم ما يريد الكاتب توضيحه، ولكن لم أستطع تنفيذه على أرض الواقع، فهمت تلك الفجوة بين الفهم والتطبيق من خلال مثال ذكره الكاتب.
يذكر الكاتب أن قيادة أنفسنا تشبه قيادة السيارة؛ يقول: "تعامل مع نفسك بلين وصبر، فالتعامل بعطف وعناية ورعاية لابد من تعلمه، وأن الإيمان الثابت الراسخ في الذات بمثابة مطلق الغاز في السيارة، والشك هو المكابح، وعلينا أن نعلم أن استخدامهما معاً أمر غير علمي".
وقيادة السيارة هو نموذج جميل نستطيع التعلم بواسطته كيف نستغل قدرتنا لتوجيه أنفسنا في الحياة عبر جميع الظروف السعيدة والتعيسة، وقيادتها بانسجام والتحكم بها، والكلمة اليونانية "أوتو" تعني الذات وكلمة "أتومبيل" هي عربة تحرك نفسها بنفسها.
ويؤكد الكاتب: "لا تدع الآخرين يحركون حياتك بعد الآن، بل حرك نفسك بنفسك، ووجهها بذاتك".
فنحن نجعل الأمر صعباً عندما تود تحريك السيارة من الخارج بدفعها من الأمام تارة أو تحريكها من الخلف، لكن يصبح الأمر سهلاً عندما تصعد إلى السيارة وتمسك مقود القيادة وتصبح أنت السائق الوحيد، تأخذ مكانك الصحيح في إدارة حياتك، تصبح متوحداً مع ذاتك، ويختم تلك الفقرة بعبارة (كن أنت ذاتك).
أصدقكم القول إنني لم أفهم هذا الكلام بداية، ولكنه لمس أمنية في قلبي أن أستطيع أن أقود حياتي بمهارة. وينقسم تعلم قيادة السيارة إلى جزأين، جزء نظري نتعلم فيه مميزات السيارة وعيوبها؛ نقاط قوتها وضعفها، نتعلم القواعد النظرية للقيادة وماذا يحدث لها إذا أصابها عطب ما وأردنا إصلاحها، والآخر هو الجزء العملي، الجزء الأهم والأطول وقتاً، أن تختار مدرباً يساعدك في تعلم قيادة سيارتك.
وددت أن أشرح كيفية تطبيق هذا الجزء حيث جاء إليّ عدد من الردود على المقالات السابقة (لقد قرأنا المقالات وفهمناها، ولكن يبدو أن التطبيق صعب)، وأضاف البعض: لقد قرأنا عدة كتب في هذا المجال أو مقالات مهمة على مواقع التواصل لأطباء مشهورين ومعالجين، ولكن ما زلنا "محلك سِرْ"، بل أحياناً يزيد الصراع، فقد تعرفنا على معلومات جديدة أرهقتنا ولم تساعدنا على المضي قدماً وأصابنا بعض الإحباط.
أتفهم ذلك تماماً وأقدره، فربما تجيد الجزء النظري من فن قيادة السيارة وهو جانب هام في رحلة التعافي، لكنك تجد صعوبة في التطبيق وذلك متوقع، فلا تخجل من طلب المساعدة، نحن نظل حوالي 17 سنة أو أكثر في التعليم، نتعلم الحساب واللغة العربية والعلوم وغيرها، نتعلم المهارات بدءاً من إعداد كوب من الشاي وحتى إعداد طعام الغداء، لكننا في المقابل لا نهتم بالعلوم الوجدانية والإنسانية، أن نتعلم عن أنفسنا التي هي الثروة الحقيقية والكنز الحقيقي.
حان الأوان وخصوصاً في هذا العصر المادي الذي تحولت فيه الحياة إلى مصنع وتضاءل الاهتمام بالجانب الوجداني وتزايدت الضغوط ورتم الحياة السريع، لنتعلم.
لا تنتظر كثيراً، لا تنتظر حتى تلك اللحظة التي تكون فيها مريضاً منهك القوى أو تترك نفسك لبراثن القلق والاكتئاب، تعلم عن نفسك، كن مستعداً مبكراً لرحلة الحياة، تزوَّد بالزاد والزواد للرحلة، فعندما تتقن قيادة السيارة، بمعنى تزايد قدرتك على التعامل مع ذاتك، تصبح القيادة أكثر سهولة وكلما كنت أكثر مهارة قلَّ عدد الحوادث والتصادمات في الحياة وكنت أكثر قدرة على تفاديها.
ويختتم الكاتب ذلك الفصل بمقولة مهمة جداً:
"كل الآلام تأتي لأني لا أريد قبول الحياة كما هي، وأهم خطوة يمكن أن يتغير معها كل شيء هو تغيير موقفي، ويبدأ التغيير الحقيقي من قبولي للمكان الذي أقف فيه والذي وصلت إليه بمعلوماتي وخبراتي التي كنت أمتلكها، وأن أسامح نفسي على أخطائها وأقبلها حتى أستطيع تعلم المزيد والمضيّ قدماً".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.