ظهرت بدائل نباتية متطورة تحاكي المأكولات البحرية في المطاعم ومحلات البقالة في أنحاء العالم. وفي الوقت نفسه، تلوح في الأفق المأكولات البحرية المزروعة، التي تُستنبَّت في المختبرات من خلايا حقيقية، كما يقول تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
قطاع الأسماك النباتية والمأكولات البحرية المزروعة على أعتاب نمو كبير
يُحضِر الشيف تسانغ شوي كينغ تغييراً دقيقاً، لكن مهماً، على قائمته: إذ يستبدل بالأسماك في بعض الأطباق بدائل نباتية. وقال تسانغ للصحيفة الأمريكية: "نكهته خفيفة ولطيفة، وقوامه، مثل الهامور، أصلب قليلاً"، مشيراً إلى أصناف الأسماك البديلة التي اختبرها في مينج كورت، وهو مطعم حائز على نجمة ميشلان في هونغ كونغ. ولتعزيز النكهة، يضيف تسانغ مكونات مثل التمر وتوت غوجي. وأضاف: "قد يمنح هذا عملاءنا تجربة جديدة ومفاجئة، كما أنه يساعد أعمالنا".
ودخلت المنتجات النباتية إلى عالم عشاق الطعام السائد في الولايات المتحدة، بعد سنوات كان فيها البرغر النباتي وبدائل الحليب على هامش السوق. ويرجع ذلك جزئياً إلى أنَّ المزيد من الشركات تستهدف الأشخاص متنوعي الأكل (لحوم ونباتات) الذين يسعون إلى تقليل كمية اللحوم التي يأكلونها، بدلاً من التخلي عنها تماماً.
الآن، مع بدء بدائل الأسماك المتطورة في جذب الاستثمار وأرضية في المطاعم في الولايات المتحدة وخارجها، يقول الأشخاص الذين يتتبعون قطاع الأسماك غير السمكية إنه قد يكون على أعتاب نمو كبير.
وأحد الأسباب، كما يقولون، تتمثل في أنَّ المستهلكين في البلدان الغنية صاروا أكثر وعياً بالمشكلات البيئية لصناعة المأكولات البحرية، بما في ذلك الصيد الجائر والمخاطر الصحية لبعض هذه المأكولات. والسبب الآخر هو أنَّ الشركات الناشئة القائمة على النباتات ازدادت براعة في تقريب نكهة السمك وقوامه أكثر من الشركات السابقة، وهو اعتبار مهم لغير النباتيين.
قال جوشوا كاتز، المحلل في شركة الاستشارات McKinsey، الذي درس صناعة البروتين البديل: "هناك عدد من الأشخاص يبحثون بالفعل عن همبرغر بديل. قد تقول في الواقع، يجب أن أعمل على شيء آخر، ولا تزال المأكولات البحرية سوقاً ضخمة لها أسباب مقنعة للعمل عليها".
المأكولات البحرية "الذكية"
يقول مناصرو الأسماك النباتية إنَّ المأكولات البحرية -مثل اللحوم الحمراء- تأتي مع مشكلات بيئية. فقد أدت ممارسات الصيد غير المستدامة إلى تدمير مصايد الأسماك في العقود الأخيرة؛ ما يمثل مشكلة لكل من التنوع البيولوجي وملايين الأشخاص الذين يعتمدون على البحر للحصول على الدخل والغذاء.
قال ميرت جوسكر، المدير الإداري بالنيابة لمعهد Good Food Institute Asia Pacific، وهي مجموعة غير ربحية تروج للبروتينات البديلة: "إنها ببساطة طريقة أكثر ذكاءً لصنع المأكولات البحرية".
ووفقاً لبيانات المعهد، تلقت مشروعات المأكولات البحرية البديلة في جميع أنحاء العالم 83 مليون دولار على الأقل من المستثمرين في عام 2020، مقارنةً بمليون دولار قبل ثلاث سنوات. واعتباراً من شهر يونيو/حزيران من هذا العام، تصنع 83 شركة منتجات المأكولات البحرية البديلة في جميع أنحاء العالم، بزيادة ثلاثة أضعاف تقريباً منذ عام 2017.
وتركز جميع تلك الشركات البالغ عددها 83، باستثناء 18 شركة، على المنتجات النباتية. وتتخصص 6 أخريات، بما في ذلك شركة فرنسية ناشئة تصنع السلمون المدخن من الطحالب الدقيقة، في البروتينات المشتقة من التخمر. وتعمل عشرات أخريات على تطوير المأكولات البحرية في المختبرات، التي لا تتوفر تجارياً في أي بلد بعد.
تحركات لتطوير البدائل النباتية
تعمل شركة Impossible Foods، وهي قوة مهيمنة في صناعة البروتينات البديلة، على تطوير مشروع الأسماك الخالية من الأسماك منذ سنوات. وقالت جيسيكا أبيل، المتحدثة باسم الشركة، إنها لم تبدأ بعد تصنيع منتجات سمكية بديلة.
تعمل بعض الشركات الناشئة على تطوير بروتين سمكي بديل مصمم محاكاةً للأسماك النيئة. وتبيع إحداها، وهي Kuleana، نسخة نباتية من سمك التونة من فئة السوشي في أسواق لوس أنجلوس، وعلى الصعيد الوطني من خلال سلسلة مطاعم Poké Bar.
وأوضح جاسيك بروس، الرئيس التنفيذي لشركة Kuleana، أنَّ المنتجات المصممة لتقارب الأسماك النيئة ستحتاج إلى مزيد من التحسين إذا أرادت الصناعة جذب غير النباتيين.
وقال: "ما زلنا بالأساس بحاجة إلى تحسين المنتج. هذا هو التحدي الأكبر: كيف تعيد إنشاء البنية بطرق مقنعة حقاً، وبنفس الطعم في الفم؟".
الأسماك النباتية.. الأعين على آسيا
من بين 65 شركة تنتج حالياً بدائل نباتية من المأكولات البحرية، هناك 47 شركة خارج الولايات المتحدة، وفقاً لمعهد Good Food. ويقول العاملون في الصناعة إنَّ منطقة آسيا والمحيط الهادئ هي مكان منطقي لتوقع نمو كبير في القطاع؛ لأنها تستهلك بالفعل أكثر من ثلثي أسماك العالم، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
في هونغ كونغ تطرح شركة Green Monday للأسماك البديلة منتجاتها في عدة أماكن منذ يونيو/حزيران، بما في ذلك مطعم Ming Court، حيث يطهو الشيف تسانغ الهامور المزيف بتوت غوجي.
ويتوقع ديفيد يونغ، الرئيس التنفيذي لشركة Green Monday، أنَّ منتجاتهم من المأكولات البحرية البديلة، OmniSeafood، ستُطرَح في معظم الأسواق نفسها في غضون ستة أشهر، إن لم تكن فيها جميعاً.
زراعة البدائل النباتية في المختبرات
الحدود التالية التي سيخترقها هذا القطاع هي المأكولات البحرية المزروعة في المختبر، حيث ينبت العلماء المنتجات الصالحة للأكل من خلايا حقيقية في المعامل. ولا تزال هذه التكنولوجيا بعيدة عن متناول مبيعات التجزئة والتسويق على نطاق واسع، على الرغم من أنها ربما ليست بعيدة بقدر ما يفترض العديد من المستهلكين.
وحتى الآن، الشركة الوحيدة التي تبيع البروتين المزروع من أي نوع هي Eat Just، وهي شركة ناشئة في سان فرانسيسكو حصلت على تصريح بيع قطع الدجاج المستزرعة في سنغافورة أواخر العام الماضي. وقالت وكالة الغذاء التابعة لسنغافورة، في بيان مقتضب، إنها لم توافق بعد على "أية منتجات لحوم مستنبتة أخرى".
وقال جوسكر من معهد Good Food Institute إنَّ المزيد من الشركات الناشئة التي تطور البروتينيات المزروعة معملياً يمكن أن تحصل على الموافقة التنظيمية في وقت لاحق من هذا العام في الولايات المتحدة. قالت إدارة الغذاء والدواء في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إنَّ المنتجات التي تحتوي على خلايا المأكولات البحرية المُستنبَّتة "قد تدخل قريباً السوق الأمريكية".
من جانبها، قالت فريا ميهتا، العالمة في ألمانيا والمتخصصة في الزراعة الخلوية، إنه من شبه المؤكد أنَّ أياً كان نوع المأكولات البحرية المزروعة الذي سيُطرَح في السوق، فسيكون مزيجاً من التقنيات المعتمدة على النباتات والمختبرات؛ وذلك لأنَّ الشركات ستحتاج إلى تغليف الخلايا في "سقالات" نباتية لمنحها هيكل، على الأقل حتى يتحسن علم الزراعة الخلوية.
وأضافت فريا، التي تعمل في شركة Bluu Biosciences للمأكولات البحرية المزروعة، إنَّ أحد التحديات التي تواجه تطوير منتجات المأكولات البحرية المزروعة في المختبر هو أنَّ العلماء عموماً لا يعرفون الكثير عن الأنواع البحرية مثلما يعرفون عن الثدييات.
وتابعت أنَّ ما يزيد المسألة صعوبة هو أنَّ الحيوانات التي تُعرَّف على أنها "أطعمة بحرية" غالباً ما تكون بعيدة عن بعضها البعض في نظام تصنيف الكائنات الحية؛ وهذا يعني أنه سيكون من الصعب التحول من إنتاج الأسماك القائمة على الخلايا إلى سرطان البحر، على سبيل المثال، وهو من اللافقاريات البحرية.
وأوضحت: "من منظور المطبخ، هذا منطقي. لكنه ليس كذلك على الإطلاق، من منظور بيولوجي؛ لأنَّ هذه الحيوانات تختلف اختلافاً كبيراً جداً عن بعضها".