تل أبيب وصفت الأسد بـ «الجزار»، لكنها عادت للدفاع عنه! The Atlantic: أياً كان الرابح في سوريا فإن إسرائيل ستكون الخاسر

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/30 الساعة 16:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/30 الساعة 16:47 بتوقيت غرينتش
UN soldiers look out on a post at Mount Avital, in the Israeli-occupied Golan Heights near the Israeli Syrian border, Israel February 10, 2018. REUTERS/ Ammar Awad

إذا أردت استيعاب ازدواجية إسرائيل فيما يتعلق بنتيجة الحرب في سوريا، انظر فقط إلى موقف أفيغدور ليبرمان. في عام 2016، ندَّد وزير الدفاع الإسرائيلي المتشدد بما يفعله الرئيس السوري بشار الأسد، واصفاً إياه بـ"الجزار". وأكد على ضرورة التنديد بمجازر الحكومة السورية بناءً على الواجب الأخلاقي الإسرائيلي بالتصدي للإبادة الجماعية، الواجب الذي وُلد من رحم المحرقة النازية. وأضاف المسؤول الإسرائيلي، حسب تقرير لمجلة The Atlantic الأميركية، أنَّه من مصلحة إسرائيل إطاحة الأسد وحلفاءه الإيرانيين من سوريا.

لكن في بداية هذا الشهر، خلال جولته لتفقد وحدات الدفاع الجوي الإسرائيلي، توضح المجلة الأميركية، أن ليبرمان كان يتحدث بتفاؤل عن اكتساب الأسد مزيداً من القوة، قائلاً إنَّ ذلك يعني "أنَّ هناك شخصاً يمكننا مخاطبته، شخصاً مسؤولاً، وحكماً مركزياً" في سوريا.

وعندما سُئل عمَّا إذا كان يعتقد أنَّ ذلك قد يقلل من احتمالية حدوث صدامات على الحدود الشمالية لإسرائيل، قال: "أعتقد ذلك، وأعتقد أنَّه أيضاً في مصلحة الأسد".

يشكل هذان الموقفان أولويات إسرائيل المتعارضة في سوريا

وأضافت المجلة، إذ يُمثل الأسد من ناحية أهم حلفاء إيران في العالم العربي، والدولة التي يحكمها تُقدم لطهران بوابةً إلى الحدود الشمالية لإسرائيل، وتسهل تدفق الأسلحة إلى حزب الله. ومن ناحيةٍ أخرى، بالرغم من الخطاب الحكومي السوري الذي ينتقد إسرائيل انتقاداً لاذعاً، يمثل الرئيس السوري لإسرائيل شخصاً تعرف مواقفه وقدراته، على عكس الشبكة المعقدة من الميليشيات السنية والمنظمات الجهادية التي يمكن أن تحل محله. وحتى وقتٍ قريب، كانت الحدود الإسرائيلية مع سوريا الجبهة الأهدأ لأربعة عقود .

وبالرغم من أنَّ إسرائيل امتنعت عن محاولة تشكيل نتائج الحرب في سوريا ، فقد سعت سعياً محموماً وراء حفنة من الأهداف المصممة لحماية مصالحها. إذ شنَّت إسرائيل حملةً جوية لمنع إيران من إقامة قواعد عسكرية دائمة لها في سوريا أو نقل صواريخ متطورة إلى حزب الله. وموَّلت مسلحين معارضين للأسد في الجنوب وسلَّحتهم لإبعاد إيران وحلفائها عن حدودها، وانتقمت عندما صوَّب أيٌّ من طرفي الحرب قذائف استقرت في الأراضي التي تقع تحت سيطرتها.

وفي نهاية المطاف، تأهَّب الجيش الإسرائيلي لمنع أي تقدم لقوات المعارضة المسلحة نحو المناطق الواقعة جنوبي سوريا التي يسيطر عليها الدروز، وهم جماعة عرقية تدمج أركاناً من الدين الإسلامي مع أركان ديانات أخرى، بسبب الضغوطات من سكانها الدروز، الذين يخشون من عواقب غزو قوات المعارضة للمنطقة.

كما أن المشكل بالنسبة لإسرائيل ليس في الرئيس السوري!

وبالرغم من أنَّ هذه الاستراتيجية عزلت إسرائيل عن إراقة الدماء في سوريا، فإنَّها لم تفعل الكثير لمنع تحقُّق السيناريو الأسوأ لإسرائيل في دمشق. فإن الرئيس السوري يرسخ حكمه في جميع أنحاء البلاد، مدعوماً بدعمٍ غير مسبوق من إيران.

وضباط قوات الحرس الثوري الإيراني ومقاتلو حزب الله في سوريا وسعوا شبكاتهم العسكرية وعززوا قوتها، ويمتلكون الآن صواريخ متطورة طويلة المدى قادرة على إحداث دمارٍ غير مسبوق في المدن الإسرائيلية. ويوم الإثنين، وقعت إيران وسوريا على اتفاقية تقضي بمزيدٍ من التعاون العسكري.

وشنَّت إسرائيل بدورها أكثر من 100 غارة جوية ضد قوافل الأسلحة التابعة لحزب الله، منذ بدء الحرب بهدف مجابهة هذا التهديد. وفي وقتٍ سابق من الشهر الحالي، أشارت تقارير أيضاً إلى أنَّها استخدمت سيارة مفخخة لاغتيال عالم سوري شارك في إدارة برنامج الصواريخ المتطورة في البلاد. وحسب يعقوب عميدرور، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: "يمكننا أن نفعل الكثير. لا يمكننا أن نفعل كل شيء، لكنَّنا قادرون على فعل الكثير لإجبار الإيرانيين على اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانوا على استعداد لدفع الثمن" مقابل تدخلهم في سوريا.

وهذا ما جعل نتنياهو يلتقي بوتين أكثر من أي رئيس في العالم

وقالت المجلة الأميركية، إن نتنياهو استثمر كمَّاً غير معهودٍ من الوقت في علاقته الشخصية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ كي يُبقي على الضغط الذي تمارسه بلاده على إيران وحلفائها. التقى كلاهما وجهاً لوجه تسع مرات منذ بدء التدخل العسكري الروسي في سوريا نيابةً عن الأسد في عام 2015، لتكون لقاءاتهما بذلك أكثر من لقاءات نتنياهو مع أي رئيسٍ في العالم. ونتيجةً لهذه الجهود الدبلوماسية، امتنعت موسكو عن استخدام دفاعاتها الجوية لمهاجمة الطائرات المقاتلة الإسرائيلية عندما تدخل المجال الجوي السوري لاستهداف مقاتلين إيرانيين أو مقاتلي حزب الله.

نتنياهو التقى بوتين 9 مرات هذا العام
نتنياهو التقى بوتين 9 مرات هذا العام

ويأتي اعتماد إسرائيل على روسيا نتيجة الرفض القاطع لدى الرئيس الأميركي دونالد ترمب لأي التزامٍ طويل المدى في سوريا. وأمر ترمب الجيش في وقتٍ سابق من هذا العام أن يستعد لسحب جميع الجنود الأميركيين من البلاد، وفي وقتٍ سابق من الشهر الحالي أعلن أنَّ الولايات المتحدة لن تنفق مبلغ الـ230 مليون دولار الذي خصصته للمساعدة في إعادة بناء البنية التحتية المنهارة للبلاد. وقال إيتامار رابينوفيتش، كبير المفاوضين الإسرائيليين مع سوريا في التسعينات: "إذا كنتَ صانع سياسة إسرائيلياً وتنظر إلى سوريا، سترى أنَّ روسيا هناك وأنَّها بكل وضوح باقية. وسترى الولايات المتحدة؛ فيقول الرئيس في يومٍ ما إنَّه يريد سحب القوات الأميركية البالغ عددها ألفي فرد، وفي اليوم التالي يواجه ضغوطاً فيُبقيهم هناك. لكن هل يمكن الاعتماد على ذلك على المدى البعيد؟ هذا أمرٌ مشكوكٌ فيه".

فإسرائيل في حاجة لروسيا، خاصة عندما يتعلق الأمر بإيران

ينبع تعاون إسرائيل مع روسيا من الحاجة، وليس نابعاً من أي إيمانٍ بأنَّ موسكو وقفت إلى جانبها في مواجهتها الإقليمية مع إيران. إذ إنَّ كلاً من الأسد وحلفائه الإيرانيين كانوا على كل حال يفقدون الأراضي بوتيرةٍ ثابتة في عام 2015، حتى جاء تدخل بوتين العسكري ليغير مسار الحرب. وأبدى المسؤولون الإسرائيليون رفضاً كبيراً لوعود روسيا بالإبقاء على القوات الإيرانية على بعد 53 ميلاً من الحدود الإسرائيلية؛ إذ يقولون إنَّ مثل هذه الوعود لا تعني الكثير عندما يمتلك الإيرانيون صواريخ قادرة على ضرب أهداف على بعد 100 ميل.

وحسب يائير لبيد، وهو وزير مالية إسرائيلي سابق وزعيم معارضة بارز، فإنَّ علاقات إسرائيل مع روسيا تمثل "علاقةً قائمة على المصلحة". وأضاف: "أشك في كون روسيا قادرةً في الوقت الحالي على إخراج إيران من سوريا، أو أنَّ روسيا سوف تضطلع بتلك الجهود فقط من أجل إسرائيل".

لكن هل يستمر بوتين في "كبح جماح" طهران من أجل تل أبيب؟

الشكوك المحيطة برغبة بوتين وقدرته على كبح جماح إيران تتزايد هذه الفترة، إذ حلّل مقالٌ حديث نشره معهد الشرق الأوسط في واشنطن عدداً كبيراً من الإشارات، أوضحت أنَّ روسيا تقلل رويداً رويداً من حضورها العسكري على الأرض في سوريا وهي خطوة لن تؤدي سوى لتقليل تأثير بوتين على إيران والرئيس السوري . وفي غضون ذلك، رسخت إيران وحلفاؤها من وجودهم في المؤسسات الأمنية السورية، ما جعل من المستحيل التمييز بينهم وبين الجيش النظامي للبلاد.

يمكن أن يعني هذا التطور نهاية التعاون الروسي الإسرائيلي في سوريا. وقالت هانا نوتي، وهي محللة وموظفة شؤون سياسية مع مجموعة الاستشارات السياسية Shaikh Group: "يجادل المسؤولون الإسرائيليون كثيراً بأنَّ توقيت نجاح هذا التعاون قد فات. وثمة جدال بأنَّ استهداف إيران وحزب الله من دون قصف الجنود السوريين يزداد صعوبةً، وأنَّ روسيا لن تكون قادرةً على غض الطرف عن ذلك".

وهو ما جعل الإسرائيليين يسعون وراء اعتراف دولي بسيطرتهم على الجولان

وبينما يحاول المسؤولون العسكريون الإسرائيليون مواجهة هذه المعضلة، سعى بعضٌ من قادتها السياسيين لاستخدام الحرب من أجل إحكام قبضة بلادهم على هضبة الجولان. احتلت إسرائيل تلك المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية خلال حرب 1967، وضمَّتها بعد ذلك عام 1981. غير أنَّه لا يوجد أي بلد اعترف بأنَّ الجولان أرضٌ إسرائيلية. ويضغط ساسةٌ إسرائيليون بارزون مثل لبيد ووزير التعليم الحالي نفتالي بينيت من أجل اعتراف الولايات المتحدة بضم هذه الأراضي.

سعى لبيد على وجه الخصوص وراء هذه القضية، وأثارها خلال اجتماعٍ مع مشرعين أميركيين في واشنطن، وألقى خطاباً أمام الكنيست حول المسألة. وقال لبيد: "أي شخص يفهم الوضع بالشرق الأوسط يعرف أنَّ إسرائيل لن تعيد هضبة الجولان إلى الأسد، وهو سفاح أقسم حلفاؤه في إيران وحزب الله على تدميرنا. الاعتراف بسيادة إسرائيل عادل من الناحية التاريخية، وذكي من الناحية الاستراتيجية، وسوف يسمح للعالم باستقطاع الثمن من الرئيس السوري على سلوكه المشين من دون نشر قوات في الأراضي السورية".

لكن إدارة ترمب غير مستعدة للاعتراف بذلك

وألمحت إدارة ترمب بكل وضوح إلى أنَّها ليست لديها رغبة في الاعتراف بالسيطرة الإسرائيلية على الجولان في المدى القريب. وقال مستشار الأمن القومي جون بولتون في الأسبوع الماضي، إنَّه لا يوجد "أي نقاش" حول الموضوع داخل دوائر الإدارة، وإنَّه "ليس هناك تغيّر في الموقف الأميركي الآن". وعندما تقدم الجمهوري رون ديسانتيس، عضو مجلس النواب عن ولاية فلوريدا، بمقترح خلال الصيف للاعتراف بأنَّ الجولان تتبع إسرائيل، أُحبط المقترح بالمثل عن طريق قيادات الحزب الجمهوري في المجلس. بيد أنَّ أنصار الفكرة، مدعومين باعتراف ترمب العام الماضي بالقدس عاصمةً لإسرائيل، يخططون للاستمرار في الضغط من أجل المسألة، ويأملون إحراز تقدم بعد انتخابات التجديد النصفي.

فهل تُجبر إسرائيل على الدخول في سلسلة من "الصراعات المفتوحة"!

ومع تلك التطورات السياسية والعسكرية، أصبحت هناك حقيقة جوهرية شبه أكيدة: إيران وحلفاؤها مستعدون لتحدي إسرائيل على جبهاتٍ عديدة في السنوات القادمة. إذ يتباهى حزب الله في سوريا ولبنان بامتلاكه مقاتلين أكثر وأسلحة أفضل من أي وقتٍ في تاريخه. وفي قطاع غزة خلال وقتٍ سابق من هذا العام، انخرطت إسرائيل وحماس في سلسلة من الاشتباكات المتبادلة لشهور قبل بدء وقفٍ لإطلاق النار. وفي إيران، يوجد خطر متنام من أنَّ إيران قد تعيد تشغيل برنامجها النووي بعد قرار إدارة ترمب بفرض عقوباتٍ على البلاد.

وقال مايكل أيزنستات، وهو ضابط سابق في الجيش الأميركي وزميل حالي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "الهدف تطويق إسرائيل بهؤلاء الوكلاء الذين قد يورطونها في سلسلة من الصراعات المفتوحة دون التقليدية، مما يجعل الحياة هناك لا تطاق. فالهدف هو الشروع في عملية تدهور طويلة المدى".

___________________

اقرأ أيضاََ

لماذا لا تريد موسكو إخراج القوَّات الإيرانية من سوريا وتحقيق ما تتمناه إسرائيل؟

كيف نجح نتنياهو في التودد إلى بوتين وأبرم معه تحالفاً هاماً قدَّم لإسرائيل خدمة العمر في سوريا؟

سمعنا أن نفوذ طهران يتقلص في سوريا، حسناً.. لكن مهلاً لا يزال كلٌّ من بشار وخامنئي حليفين متعاونين

علامات:
تحميل المزيد