سمعنا أن نفوذ طهران يتقلص في سوريا، حسناً.. لكن مهلاً لا يزال كلٌّ من بشار وخامنئي حليفين متعاونين

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/23 الساعة 11:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/23 الساعة 15:30 بتوقيت غرينتش
Syria's President Bashar al-Assad (R) meets with Iranian Foreign Minister Mohammad Javad Zarif in Damascus, Syria, in this handout photograph released by Syria's national news agency SANA on August 12, 2015. REUTERS/SANA/Handout via Reuters ATTENTION EDITORS - THIS PICTURE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. REUTERS IS UNABLE TO INDEPENDENTLY VERIFY THE AUTHENTICITY, CONTENT, LOCATION OR DATE OF THIS IMAGE. FOR EDITORIAL USE ONLY. NOT FOR SALE FOR MARKETING OR ADVERTISING CAMPAIGNS. THIS PICTURE IS DISTRIBUTED EXACTLY AS RECEIVED BY REUTERS, AS A SERVICE TO CLIENTS.

شهد الصراع السوري انخراطاً إيرانياً متدرجاً، بدءاً بالمشورة السياسية وحتى التعاون الاقتصادي والعسكري. ربما أخل اعتماد بشار الأسد على طهران في وقتٍ ما بموازين القوى بين سوريا وإيران، لكنَّ التطورات الأخيرة، وأبرزها انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، قد أكَّدت أهمية التحالف لكلتا الدولتين.

وسلَّطت الحرب الأهلية السورية الضوء على أهمية التحالف مع إيران بالنسبة للحكومة السورية. فقد أُشير مِراراً إلى أنَّ دعم إيران لبشار الأسد، خصوصاً عن طريق وكلائها كحزب الله، هو من العوامل الرئيسية التي أعانت الحكومة السورية على الصمود في الصراع. وفق ما ذهب إليه موقع Global Risk Insights البريطاني

تنوعت أشكال الدعم الإيراني لنظام بشار الأسد

وسواء عن طريق العقود الاقتصادية أو الدعم المباشر للميليشيات الموالية للحكومة، وسَّعت إيران الآن دورها في الحرب وعزَّزت قبضتها على سوريا. فاعتماد بشار الأسد على مساندة الجمهورية الإسلامية أمر لا يمكن إنكاره. إذ يرى الكثيرون أنَّه لولا دعم إيران السياسي والاقتصادي والعسكري، لما ظل الزعيم السوري في الحكم.

وسبق أن كشف مسؤول أميركي رفيع أن استمرار الأزمة في سورية يكبد الخزينة الإيرانية قرابة 100 مليون دولار يومياً للصرف على العمليات العسكرية. وقال مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية جيمس كلابر إن تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن النظام الإيراني ينفق 35 مليار دولار سنوياً من أجل إبقاء بشار الأسد على رأس نظامه في سورية.

وبدأت طهران بإمداد دمشق بالمال والرجال والسلاح منذ عام 2011، وقد برز تدخلها بشكل رئيسي منذ صيف 2012 حين بدأت كتائب المعارضة تطبق على العاصمة دمشق وظهور علامات تضعضع شبكة النظام العسكرية والأمنية، مما استدعى تدخل إيران المباشر في المشهد الميداني في سوريا.

ومن مظاهر الدعم اللوجيستي الإيراني لبشار الأسد

القوات: تدخلت إيران في سوريا بقوات من الحرس الثوري، وبحسب مصادر إعلامية، فقد تراوح عدد عناصر الحرس الثوري (الباسدران) بين 6500 و9200 في أبريل/نيسان 2016.

المستشارون العسكريون: في 19 سبتمبر/أيلول 2012 اعترف القائد العام لقوات الحرس الثوري علي جعفري بأن لبلاده مستشارين عسكريين رفيعي المستوى في سوريا لدعم نظام الأسد.

المليشيات: منذ 2014 أرسل الجيش وجهاز الاستخبارات 18 ألف مقاتل من العراق ولبنان وأفغانستان وباكستان إلى سوريا لمنع سقوط الأسد. وخلصت دراسة أصدرتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان عام 2014 إلى أن أعداد المليشيات الشيعية المقاتلة في سوريا لا تقل عن 35 ألف مقاتل، وينتمي أغلب هؤلاء -بالترتيب- إلى العراق ولبنان وإيران وأفغانستان.

الأسلحة: في سبتمبر/أيلول 2012 انتقد الأعضاء الغربيون في مجلس الأمن الدولي طهران على تقديمها كميات كبيرة من الأسلحة باستخدام الأجواء العراقية، لكن بغداد نفت حينها.

بينما نركز على اعتماد الأسد على إيران، فلا ينبغي أن نهمل أنَّ تحالف إيران مع سوريا هو الآخر ذو أهمية استراتيجية بالنسبة للجمهورية الإسلامية. فقد كانت لسوريا وإيران نفس المخاوف تجاه تطلعات الهيمنة العراقية تحت حكم صدام حسين، ولوجود إسرائيل نفسه، وتعدِّياتها المستمرة في المنطقة.

وكان العامل المشترك الذي يجمعهما هو معارضة الولايات المتحدة الأميركية

وكان الدافع الأكثر استراتيجية التعاون لهاتين الدولتين هو معارضة الولايات المتحدة بشدة لكلٍ منهما. جمعت هذه العوامل بين الدولتين في الثمانينيات، أثناء حرب الخليج الأولى، أي في أوج انعزال إيران الإقليمي والدولي. لذا كان الغرض من حماية بشار الأسد ضد المعارضة هو الحفاظ على الحليف الاستراتيجي لطهران في وجه كل تلك التهديدات الأمنية الإقليمية.

وعلاوةً على ذلك، من الدوافع وراء مشاركة إيران في الصراع ضرورة وقف صعود ما يُسمَّى بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش". ويُبرِز هذا التعقيد والأهمية الاستراتيجية لما يجري تعريفه أحياناً، على نحوٍ قاصِر جداً، بأنَّه تحالف أيديولوجي بين حاكم من الطائفة العلوية وجارته الشيعية.

وتنفق إيران في سبيل دعم النظام السوري نحو 35 مليار دولار سنوياً على شكل مساعدات مالية وأخرى عسكرية حسب صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأميركية، وتفيد المعلومات عن تخصيص طهران ميزانية ثابتة يجري صرفها باسم نظام دمشق.

لذلك فخطوات واشنطن في المنطقة تعضد من تحالف الأسد مع طهران

في ضوء التطورات المذكورة سابقاً، تجعل البيئة الإقليمية التحالف السوري الإيراني أمراً حيوياً من الناحية الاستراتيجية لكلتا الدولتين؛ فالتهديدات الأمنية في محيطيهما، والعزل الاستراتيجي الذي يزيد من خطورة هذه التهديدات، تجعل كلاً من سوريا وإيران معتمدةً على دعم الأخرى.

في السنوات الأولى من الشراكة، بدا أنَّ لسوريا اليد العليا على إيران بسبب قدرتها على إخفاء عزلتها الاستراتيجية عبر التواصل مع بعض الدول العربية، وإن كان محدوداً. إلا أنَّ التطورات الأخيرة، وأبرزها الصراع السوري والاتفاق النووي، قد حسَّنت من موقف إيران الدولي، بينما تعرَّضت سلطة بشار الأسد إلى تهديدات جسيمة من المعارضة.

من ناحية، منحت الحرب الأهلية إيران فرصاً لن تتكرر لتقوية نفوذها في سوريا. وقد عزَّزت مشاركتها في الصراع، التي تُكمِّلها روابطها المهمة مع حزب الله اللبناني، إبراز قوتها في المنطقة كثيراً. وإلى الآن، ومع أنَّ حكم الأسد يبدو في مأمن، لم تغادر إيران وتتحدث علانيةً عن ضم سوريا بصورة كاملة إلى "محور المقاومة" ضد إسرائيل والولايات المتحدة.

وسبق أن قال بشار الأسد إن العلاقات الاستراتيجية التي تجمع بين دمشق وطهران والتعاون والتنسيق الدائم بين الجانبين في مختلف المجالات والدعم الإيراني المستمر للشعب السوري كانت أحد الأسباب الرئيسة في ما أسماه صمود النظام في  وجه الإرهاب.

لذلك، فإنَّ إيران، من خلال دورها في سوريا، قد حسَّنت إمكاناتها الأمنية في المنطقة وعزَّزت موطئ قدمها في الوطن العربي على المدى الطويل. ومن الناحية الأخرى، مكَّن الاتفاق النووي الجمهورية الإسلامية بدرجة كبيرة من الحد من الضغوط الاقتصادية التي فرضتها العقوبات، ومن استعادة علاقاتها مع حلفاء الولايات المتحدة. وهكذا، ثبت أنَّ التطورات الإقليمية والدولية مفيدة للمركز الاستراتيجي والاقتصادي لإيران في الشرق الأوسط.

ولكن من ناحية أخرى تتجه طهران للعزلة الدولية بسبب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي

لكن التطورات الأخيرة أعادت التشكيك في العلاقة المُجدَّدة بين إيران والدول الغربية وكذلك بين إيران وحكومات الشرق الأوسط الموالية للغرب. فحين انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في مايو/أيار الماضي ثُمَّ فرضت عقوبات أخرى على الجمهورية الإسلامية، أحيا هذا شعور إيران بالعزلة الإقليمية والدولية.

ومع أنَّ العواقب السياسية لهذا الانسحاب ما زالت غير واضحة، لأنَّ الاتحاد الأوروبي يبدو مستعداً للحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع إيران، فإنَّ مثل الوحدة الاستراتيجية ستجعل تحالف إيران مع سوريا أكثر أهمية. لذلك، إن كانت الحرب الأهلية قد سمحت لإيران بفرض نفسها طرفاً مهيمناً في التحالف، فإنَّ المشكلات الأخيرة المُتعلِّقة بالاتفاق النووي قدَّمت فرصةً لا تقدر بثمن لبشار الأسد لإثبات قيمة سوريا كشريكٍ استراتيجي لإيران، عوضاً عن كونها مجرد وكيل للجمهورية الإسلامية.

ومنذ ثورة 1979، تُعَد سوريا الشريك الرئيسي لإيران في المنطقة، وقد أثبتت التطورات في الشرق الأوسط، بالأخص حرب الخليج الأولى، أهميتها بالنسبة للجمهورية الإسلامية. وبدا أنَّ الحرب الأهلية السورية، التي هبَّت فيها إيران لإنقاذ بشار الأسد، بدلاً من العكس، قد أخلَّت بالتوازن، وربما أضعفت الأهمية الاستراتيجية للتحالف بالنسبة لإيران. لكنَّ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي قد أبرز حالة التقلب في موازين القوى في الشرق الأوسط وضرورة حماية سوريا وإيران لعلاقتهما.

تحميل المزيد