كيف نجح نتنياهو في التودد إلى بوتين وأبرم معه تحالفاً هاماً قدَّم لإسرائيل خدمة العمر في سوريا؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/29 الساعة 18:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/29 الساعة 18:50 بتوقيت غرينتش
Russian President Vladimir Putin (R) arrives with Israel's Prime Minister Benjamin Netanyahu to a joint news conference in Moscow's Kremlin November 20, 2013. Putin said after talks that both sides hoped a "mutually acceptable resolution" could soon be found over Iran's nuclear ambitions. REUTERS/Maxim Shemetov (RUSSIA - Tags: POLITICS)

 لا يمكن أن يشكك أحد في قوة العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وأن واشنطن حليف لا يمكن أن يترك تل أبيب في مواجهة خصومها، لكن ليس هكذا يرى الإسرائيليون، الذين حاولوا توطيد علاقاتهم بموسكو، المنافس الشرس لواشنطن.

خلال العامين الماضيين، وصلت العلاقة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مستوٍ كبير ومتميز، كما كشف ذلك نتنياهو نفسه.

وفي عشاءٍ في شهر يونيو/حزيران 2018، بمنزل السفير الروسي في مدينة القدس، عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بعض رؤاه عن الكيفية التي تودد بها إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليكوّن معه أكثر شراكة مثمرة مع أي رئيس غربي، بحسب تقرير لصحيفة The Financial Times البريطانية.

كيف أقنع نتنياهو بوتين؟

في البداية، عبَّر نتنياهو عن إجلاله للأديبين الروسيَّين تولستوى ودوستويفسكي. ثم، شكر الجيش الأحمر السوفييتي على هزيمته النازيين. وتحدث عن المليون يهودي الذين يتكلمون الروسية ويعيشون في إسرائيل حالياً. وشكر بوتين لمحاربته من يعادون السامية. وقال نتنياهو: "أكنُّ احتراماً كبيراً لروسيا. وأقدّر إسهاماتها للبشرية وشجاعة شعبها". وتبيَّن أن مزيج المديح الذي قاله نتنياهو قادرٌ على الإغواء.

وفي حين احتدمت الحرب بسوريا بالقرب من الحدود الإسرائيلية، أبرم تحالفاً بعيد الاحتمال مع بوتين، وهو التحالف الذي أفاد الرئيسين عسكرياً وصمد في مواجهة الولاءات المُتغيِّرة في الحرب الأهلية السورية.

وتبرز علاقتهما الإيجابية بوضوح على الساحة الدولية، في الوقت الذي يتعرض فيه بوتين لهجومٍ من قِبل القادة السياسيين في مكانٍ آخر؛ بسبب اتهام روسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وتورط موسكو المزعوم في حادثة مقتل جاسوس روسي بإنكلترا باستخدام غاز الأعصاب، بحسب الصحيفة البريطانية.

وقال أليكس سيلسكي، المستشار السابق لنتنياهو في ملف العلاقات مع روسيا، إن مثل هذه التلميحات التي أدلى بها نتنياهو في القدس ساعدت على تمهيد الطريق أمامه. لكنه أيضاً جنى ثمار قراره إعلان تعاطفه بشكلٍ علني مع وجهة نظر بوتين العالمية، التي تشمل انزعاجه من الرواية الغربية عن الحرب العالمية الثانية والتي تختزل الإسهامات الروسية في هزيمة ألمانيا النازية.

وقال سيلسكي، الذي يعمل حالياً باحثاً في كلية هداسا الأكاديمية بالقدس: "المصالح المشتركة لها الأولوية المطلقة، لكن هذا النوع من التفاهم يبني ثقةً مفتوحة ويسمح بالحديث عن القضايا الشائكة. نحن الحليف الغربي الوحيد القادر على فهم الروس بعمق مثلما نفهم الأميركيين".

خدمات بوتين الجليلة لإسرائيل في سوريا

في سوريا، أطلق بوتين العنان لنتنياهو لقصف الأهداف الإيرانية قرب الحدود الإسرائيلية، ليكتشف قوةً مضادة للقوات الشيعية الكبيرة الموجودة داخل سوريا، حيث تدعم روسيا نظام بشار الأسد ضمن تحالفٍ صعب مع إيران. وفي ظل سعيه لممارسة ضغوط على القوات الإيرانية، يأمل نتنياهو إيجاد طريقةٍ لإبعاد منافس قوي عن حدوده إسرائيل دون التورط في الصراع السوري المعقد بنفسه.

التقى القائدان 9 مرات منذ بداية عام 2016، من ضمنها حضور نتنياهو العروض العسكرية في عيد النصر بموسكو، ويتحدثان عبر الهاتف كل شهر تقريباً.

في الوقت ذاته، قال سيلسكي إن أفيغدور ليبرمان، وزير الدفاع الإسرائيلي، روسي المولد، والذي كان يعمل حارساً في ملهى ليلي وكان والده يخدم بالجيش الأحمر السوفييتي، ساعد على تنظيم لقاءات دورية بين كبار ضباط الجيشين الروسي والإسرائيلي، والتي يتخللها الحديث عن المعارك الروسية الشهيرة، والأدب والسينما.

وتُسلط علاقة الزعيمين الضوء على الدبلوماسية الروسية الناجحة في الشرق الأوسط، حيث تعمل موسكو مع عدد كبير من الدول التي تتناقض مصالحها غالباً.

وفي ظل غياب القوات الأميركية في جنوب غربي سوريا الممتدة بجوار المستوطنات الإسرائيلية في هضبة الجولان المحتلة، فإن تحوّل نتنياهو صوب روسيا يُظهر بوضوحٍ المصالح الاستراتيجية المشتركة بين الدولتين في سوريا، وفقاً لما قاله دبلوماسيون ومحللون. تخلت إسرائيل، على سبيل المثال، عن معارضتها بقاء نظام الأسد، وهي الحكومة التي تُحارب إسرائيل منذ تأسيسها.

وقال ديمتري ترينين، مدير مركز كارنيغي بموسكو: "أصبحت علاقة الدولتين أكثر قرباً. ترى إسرائيل أن روسيا مسؤولةٌ عن الأمن في سوريا، ويتعاون جيشا الدولتين بشكلٍ لصيق. وأثبت نموذج العمل بينهما فاعليته".

ويشمل التعاون بينهما إنشاء خط ساخن بين مركز قوات الدفاع  الإسرائيلية في تل أبيب والقاعدة الجوية الروسية بسوريا، وإجراء اجتماعات منتظمة مع رئيسي الأركان، وتركيز جهود حثيثة لتجنب حدوث أي مواجهة بين طائراتهما فوق السماء السورية بطريق الخطأ.

وقال فيودور لوكيانوف، رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاع الروسي وهو مركز بحثي، إن علاقتها نجحت لأن بوتين كان متقبلاً للمخاوف الأمنية الإسرائيلية بشأن وجود القوات الإيرانية بالقرب من حدودها. وتابع: "لا يرى بوتين عادةً أن المخاوف الأمنية، التي تعلن عنها الدول الأخرى، مشروعةٌ. لكن في حالة إسرائيل، فهو يعتقد مشروعيتها؛ لأنها تتعلق بأمنها الحقيقي وبقائها على قيد الحياة".

إطراء متبادل

وبحسب الصحيفة البريطانية، يثني الدبلوماسيون الروس على علاقة بلادهم مع إسرائيل، قائلين إنها "غير مؤدلجة"، وهو إطراءٌ يتناقض بشكلٍ مباشر مع الاتهامات التي توجهها موسكو كثيراً للحكومات الغربية. ويكنُّ الكرملين احتراماً كبيراً للحكومة الإسرائيلية؛ لعدم انضمامها إلى العقوبات الغربية المفروضة على روسيا.

ويحذر تسفي ماجين، سفير إسرائيلي سابق لدى روسيا وأوكرانيا، من المبالغة في تأويل العلاقة الشخصية بين بوتين الكتوم قاسي القلب ونتنياهو صاحب الحديث الناعم. وقال ماجين إن إسرائيل أيضاً قدمت خدمةً لروسيا، بصفتها قوة مضادة للإيرانيين، الذين لا يثق بهم بوتين تماماً.

كما أن القوة العسكرية الإسرائيلية، التي تتجاوز تعداد القوات الروسية المنتشرة في سوريا، فرضت ضرورة التعاون مع الدولة اليهودية بدلاً من جعلها عدواً لها.

وتابع ماجين، الذي يرى أن أفعال روسيا تعكس وعيها بقدرة إسرائيل على تهديد مصالح موسكو: "بالنسبة للروس، تعد إسرائيل دولةً خطيرة للغاية. إنه وضعٌ فريدٌ. تحدث هذه الشراكة، ليس لأن روسيا تحب إسرائيل؛ بل لأنها تخشاها".

علامات:
تحميل المزيد