انتشر على الشبكات الاجتماعية فيديو يظهر اعتقال شاب ليبي من قبل شرطيين ألمانيين، في مشاجرة واشتباك بالأيدي مع شابين آخرين في ساحة "بوست بلاتز" ببلدة باولن بولاية ساكسونيا شرق ألمانيا.
وخلال تنفيذ الشرطيين مذكرة إحضار للشاب الليبي (23 عاماً) أمام المحكمة الابتدائية، ووضعهما إياه داخل سيارة الدورية، طلب شرطي من شاب مقدوني كان يصور بهاتفه المحمول هويته، وعندما لم يستجب سحب الهاتف من يده، فاندلع اشتباك.
وعندما حضر الشرطي الآخر لمساعدة زميله انقض عليه شاب كرواتي وضربه أيضاً. واستخدمت الشرطة في الاشتباك مع مقدوني (38 عاماً) وليبي (21 عاماً) وكرواتي (16 عاماً) رذاذ الفلفل، بحسب موقع "تاغ 24" المحلي، الذي نقل عن الشرطة توضيحها أن شرطيين والشخص المقدوني تعرضوا لجراح طفيفة.
ويتحدث مصور الفيديو الآخر المنشور على الإنترنت بالعربية، ويواصل القول للشرطة بأنه صور كل شيء، ويمكن رؤية الشاب المعتقل في البداية وهو يخرج من السيارة خلال الاشتباك. ويبدو أحد المتورطين في الشجار جالساً أمام أحد المحال، بعد أن تعرض لرذاذ الفلفل فيما يبدو.
وأكد متحدث باسم الشرطة أنه تم أخذ الليبي (23 عاماً) إلى المحكمة في النهاية.
وقال موقع "بيلد" إن عدة دوريات قدمت للساحة كتعزيز لموقف زملائهم. وبدأ تحقيق ضد الثلاثة الآخرين الليبي والمقدوني والكرواتي بتهمة مقاومة موظفي إنفاذ القانون، إلا أن الأشخاص الثلاثة رأوا أن الشرطة تصرفت بشكل غير قانوني معهم.
وتفاوتت ردات الفعل على الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي بالعربية، بين مستنكر الاعتراض على الشرطة والاعتداء عليها خاصة من قبل أجانب يعدون ضيوفاً في البلد، وبين آخرين رأوا أن سلوك العنف الذي مارستها الشرطة غير مبرر مدافعين عما قام به الشبان الثلاثة.
هل يُسمح للمرء تصوير عمليات الشرطة الأمنية في ألمانيا؟
ذكرت مراسلة صحيفة "تاتز" اليساري في سياق خبر نُشر لها في العام 2016، أنها طُردت من قبل الشرطة في محطة القطارات الرئيسية في ميونيخ خلال اعتقال عنيف لشخص، وبينت أنها بدأت بتصوير الاعتقال بهاتفها بعد ذلك، فجاء شرطي وقال لها إن عليها أن تظهر لها بطاقتها الصحفية وإلا فسيقوم بمصادرة هاتفها، ثم قام بسحبها من كتفها وأخذها قرب سيارة الدورية.
ونقل الموقع عن المحامي ماركو نولي إنه من حيث المبدأ يحق للجميع التقاط صور وفيديو من عمليات الشرطة الأمنية، إلا أنه لا يمكن نشر الصور أو الفيديو هكذا ببساطة.
ويضيف أن على المواطنين أن يلجأوا بشكل أكبر للتصوير عند مراقبة إجراءات الشرطة، موضحاً أنه وإن كانت الشرطة نفسها تصور في غالبية الحالات، إلا أنها تبقى مواد فيلمية خاصة بها تستطيع اقتصاصها.
وأشار إلى وجود حالات سابقة قام خلالها شرطيون بمسح فيديوهات تظهر سوء سلوك زملائهم، متكهناً بأنه يعتقد أن الشرطة تتدخل لذلك بشدة ضد المواطنين الذين يصورون، خائفة من إمكانية انتهاء العصر الذي كانت تقرر بنفسها مواد الفيديو التي ستعرض أمام المحكمة، مع انتشار الهواتف الذكية.
رأي آخر من خلال قصة وقعت بالفعل
المحامي كرستيان سولمكه، ساق من جانبه في فيديو على قناته بموقع يوتيوب رأياً آخر، عندما تحدث عن أسئلة حول السماح بتصوير الشرطة عند قيامهم بعملهم، كشأن تواجدهم في التظاهرات، وفيما إذا كان يحق للشرطي أن يمنع الأناس العاديين من التصوير وانتزاع الكاميرا منهم.
فتحدث عن تناول المحكمة الإدارية الاتحادية في لايبتزغ قضية في هذا السياق متعلقة بعملية أمنية خاصة لوحدات الشرطة الخاصة "كوماندوز"، أراد صحفي في هذه الحالة أن يصورها، فقالت له الشرطة إنه ليس من المسموح التصوير، وقالت المحكمة إنه لا يحق للشرطة منع الصحفي من التقاط الصورة على الأقل دون وجود سبب، إلا أنه وقبل النشر يجب أن يوازن المصور الصحفي بين منح الأولوية لحق الشرطي في عملية أمنية خاصة في الحماية وإخفاء الهوية وحقه في النشر لكونها مهمة لتغطيته الصحفية.
وبين أن ذلك لا ينطبق على الأشخاص العاديين، الذين ينبغي عليهم الحذر خلال تصوير الشرطة.
وتحدث عن حكم آخر أصدرته المحكمة الإدارية العليا في مانهايم، ينص على أنه لا ينبغي تصوير الشرطة إن كانت هناك مؤشرات تدل على أن الصور سوف تُنشر لاحقاً، وبين أن هذه المؤشرات قد تكون قول المصور مثلاً إنه سينشرها على الإنترنت، وهنا يمكن للشرطي منع الشخص من التصوير وحتى مصادرة الكاميرا.
وقال المحامي إن الوضع يختلف عندما يتعلق الأمر بالمظاهرات، فيحق للناس تصوير المظاهرة حتى مع ظهور الشرطة في المشهد، لأنهم يعتبرون جزءاً من التظاهرة على أن يكون التصوير شاملاً للتظاهرة بأكملها، موضحاً أنه يُسمح بتصوير شرطي في حال خرج من الصفوف وقام بضرب المتظاهرين بهراوة، إلا أنه لا يُسمح بتصوير أحدهم على وجه التحديد عندما يكون واقفاً في صف من عناصر الشرطة يقوم بواجبه في حماية مظاهرة أو حفلة موسيقية مثلاً.
هل يحق للمشاركين في تظاهرة الاعتراض على تصويرهم من قبل الصحفيين؟
يأتي هذا في الأسبوع نفسه الذي شهد واقعة في ولاية ساكسونيا نفسها، أصبحت مثار حديث الساسة والصحافة.
إذ ظهر في فيديو نشره صحفي من القناة الألمانية الثانية على تويتر، رجل مشارك في مظاهرة لحركة "بيغيدا" المناهضة للإسلام في دريسدن، وهو يصرخ على طاقم تصوير القناة المذكورة "صحافة كاذبة"، ويتهمها بانتهاك القانون عبر تصويره، قبل أن تحضر الشرطة وتبدو وكأنها تنفذ ما يطلبه المتظاهر وتمنع فريق التصوير التلفزيوني من مواصلة عمله دون أن يستطيعوا التفسير لصحفي من الطاقم سبب اتخاذهم هذه الإجراءات.
وما زاد الموقف تصعيداً، دفاع رئيس وزراء ولاية ساكسونيا ميشائيل كريتشمر عن سلوك الشرطة رداً على تلك التغريدة، وقوله إن الوحيدين الذين يراهم جادين في الفيديو هم الشرطة، وإنه سيتم التحقق من الواقعة، ما أثار غضب الساسة والروابط الصحفية الألمانية التي رأت في ذلك تشجيعاً من قبل رئيس الوزراء للشرطة على منع الصحفيين من القيام بعملهم.
يقول موقع "هانوفرشه ألغماينه تسايتونغ" إنه يتوجب على المشاركين في تجمع سياسي عام تقبل تصويرهم من قبل فريق تلفزيوني، وبالتالي يصبحون جزءاً من برنامج إخباري، خاصة عندما يقف أحدهم بنفسه أمام الكاميرا ويتفاعل معها عوض مواصلة طريقه، الأمر الذي توجب على الشرطة معرفته مسبقاً.
وأضاف أن الضوابط الأساسية الجديدة لحماية البيانات لدى الاتحاد الأوروبي تلزم المصورين بطلب إذن الأشخاص قبل التقاط صورة لهم، إلا أن الصحفيين مستثنون من هذه القاعدة، الذين ينطبق عليهم ما يُسمى "الامتياز الإعلامي"، ويمكنهم وفقاً للفقرة 23 من القانون الناظم لحقوق النشر الفني، تصوير أفراد من تجمعات ومواكب ومناسبات مماثلة دون أخذ إذنهم، لافتة إلى أنه يُسمح بتصوير أجزاء من الجمهور وإذاعتها عندما يتم نشرها كمشاهد تعبيرية عن المجريات.
وبين موقع الصحيفة الألمانية أن التقاط صور "بورتريه" لأشخاص بمفردهم مسموح بها في السياق الصحفي، حتى وإن لم يكونوا موافقين على ذلك، على أن يضمن الصحفيون حماية هذه البيانات.
اقرأ أيضاً
ألمانيا تدفع تعويضات باهظة عن الحرب العالمية لدولة لم تكن موجودة.. والضحايا الحقيقيون يشكون تجاهلهم