رغم تنازل ترمب ، وأنه يريد لقاء روحاني ، إلا أن هناك أسباب تمنع إيران من التجاوب مع واشنطن بسهولة ورغم الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة، وحرفياً إطلاق بعض التهديدات بشن حرب، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه سيسعد الآن بلقاء قادة إيران من دون شروط مسبقة.
وحسبما ذهبت مجلة The National Interest الأميركية فإن اللقاء الذي سيكون الأول من نوعه على غرار قمة ترمب مع الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ-أون التي عُقِدت في سنغافورة في شهر يونيو/حزيران، سيكون كذلك فارغاً.
وقالت الصحيفة إنَّ الإيرانيين ليسوا مهتمين بالتفاوض مع الولايات المتحدة، ولا ينبغي لنا أن نخدع أنفسنا بأن الإدارة الحالية على شفا تحقيق أي شكل من أشكال الإنجاز، فيما يتعلق بقضية إيران والخليج.
تؤمن إدارة ترمب بالعقوبات كسبيل وحيد لإجبار طهران على قبول التفاوض
يبدو أنَّ إدارة ترمب تؤمن بشدة أنه يمكن هزيمة إيران وإجبارها على التفاوض، من خلال فرض عقوبات. فحين تكون هذه العقوبات مقرونة بإعجاب غريب بحركة "مجاهدي خلق إيران" المعارضة المتشددة، ومدعومة بالكثير من ممثلي مجلس التعاون الخليجي لدى واشنطن، الذين يتلقون أجوراً سخية، يصبح هذا الاعتقاد غير واقعي بالمرة.
ومع ذلك فرسمياً، لا تتبنى الإدارة الأميركية سياسة تغيير النظام في إيران أو السعي إلى إسقاطه، حسب ماتيس، لكنها تعمل على تغيير سلوك إيران، ومن ضمنها تهديداتها في المنطقة.
ما قد يعزز هذا الطرح هو ما أبداه ترمب، الإثنين الماضي، من استعداده للقاء روحاني دون شروط مسبقة.
وهو ما رد عليه رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه، بأن طهران تنظر إلى هذه التصريحات بإيجابية، داعياً إلى إنشاء "خط ساخن" بين طهران وواشنطن.
لكن ثمة من يذهب أبعد من تصريحات وزير الدفاع الأميركي، مستدلاً بتصريحات لمستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، ومسؤولين كبار تفيد ضمناً بوجود رغبة حقيقية في إسقاط النظام الإيراني، مع خلافات في وجهات النظر حول الآليات.
لكن الواقع يقول إن العقوبات لا تغير أي دولة للأفضل
إذ يمكن لأميركا من خلال العقوبات الاقتصادية أنَّ تدفع دولة ما للانعزال أو الفقر أو حتى تبني أفكار متشددة، غير أنه ليست هناك أدلة قوية على أنَّ العقوبات يمكن أن تغير دولة معينة للأفضل.
ولفت بيتر بينارت المحلل السياسي الأميركي والمحرر الصحفي والاستاذ المشارك في جامعة الصحافة والعلوم السياسية في نيويورك، إلى أنَّ الدراسات توضح أنَّ العقوبات تغير ميزان القوى لصالح نظام الحكم وتدفع الدولة لأن تصبح أقل ديمقراطية وأكثر قمعاً.
إذ تُمكِّن العقوبات النظام الحاكم من تعزيز نفوذه على الاقتصاد الداخلي، وبالأخص على السوق السوداء. وتضرب العراق مثالاً على ذلك: فبرنامج "النفط مقابل الغذاء" ساعد على تخريب الهيكلين المادي والبشري للاقتصاد العراقي؛ ممهداً لفشل الدولة فور سقوط نظام صدام حسين.
وكتب الصحافي الإيراني، الأميركي الجنسية جاسون رضائيان -برغم أنه كان مسجوناً سابقاً لدى السلطات الإيرانية- في شهر مايو/أيَّار يقول: "حين تُفرض ضغوط اقتصادية على الناس، تصبح احتياجاتهم وتطلعاتهم متعلقة بالصمود أكثر منها بالعمل نحو التغيير".
وتواجه إدارة ترامب واقعاً مزعجاً فما من سبيل سهل لمنع إيران من الزج بأميركيين آخرين في سجونها، وهو الأسلوب الذي استخدمته منذ قيام الثورة الإسلامية في 1979.
في ذلك العام احتجزت إيران 52 أميركياً رهائن في سفارة الولايات المتحدة في طهران. ومن خلال مقابلات ومراجعة لوثائق قضائية وتقارير إخبارية توصلت رويترز إلى أن عدد من احتجزتهم من المواطنين الأميركيين، أو من لهم حق الإقامة في الولايات المتحدة بلغ منذ ذلك الحين 25 فرداً على الأقل.
ويقول الإيرانيون إن الأميركيين محتجزون لأسباب قانونية.
فقد قال علي رضا ميريوسفي المتحدث باسم البعثة الدبلوماسية الإيرانية في الأمم المتحدة "المواطنون الأميركيون الذين احتجزوا في إيران تم القبض عليهم لارتكابهم مخالفات أمنية وغير أمنية جسيمة".
وتحتجز إيران أوروبيين مثلما تحتجز أميركيين. فقد توصل تحقيق أجرته رويترز في 2017 إلى أن الحرس الثوري ألقى القبض على 30 شخصاً على الأقل من ذوي الجنسية المزدوجة خلال عامين.
خاصة أن دولة مثل إيران تتمتع بكبرياء لن يجبرها بالسهولة للجلوس إلى طاولة مفاوضات مع واشنطن
ويمكن للأميركان أنَّ ينظروا على بعد نحو 145 كم من ساحلنا لمعرفة كيف تكون نتيجة فرض العقوبات. إذ تعاني كوبا من الفقر والتفتت، ولكنها تظل متعنتة.
حين كان لدى كوبا راع مهم، كانت عدواً لدوداً للولايات المتحدة، حتى إنها نشرت عشرات الآلاف من جنودها في إفريقيا للقتال ضد وكلاء أميركا. ولكن الآن، عقب 30 عاماً تقريبا من انهيار الاتحاد السوفيتي، لاتزال عائلة كاسترو في الحكم.
وإيران هي على نفس الدرجة من الكبرياء الذي تتمتع به كوبا. فمثلاً، لايزال الإيرانيون يوقرون محمد مصدق، البطل القومي الذي أطاح به انقلاب إنكليزي-أميركي عام 1953، لكبريائه وعناده.
وحتى عقب 8 سنوات استمرت خلالها حرب الخليج الأولى وحصيلة قتلى وصلت لنصف مليون شخص، قال آية الله الخميني إنه "شرب كوباً من السم" حين وافق على اتفاق وقف إطلاق النار مع العراق.
ورغم أنَّ الشباب في إيران يشكلون كتلة سكانية، إلى جانب "أطفال طهران الأثرياء"، يحكم الدولة رجالٌ خاضوا حروباً وعانوا من الحرمان والعزلة.
إذ يجسد مثلاً قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وأحد أكثر الفاعلين نفوذاً في المنطقة، القوميين المتفانين الذين حاربوا لأجل الثورة حين كانوا شباباً والآن يحكمون إيران. وهو من غير المرجح أنَّ تردعه أية صعوبات اقتصادية.
وتمكَّن الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير خارجيته وكبير المفاوضين محمد جواد ظريف من تمرير خطة العمل الشاملة المشتركة بصعوبة وسط معارضة داخلية وشكوك من أميركا.
وفي مقابل جهودهما، كوفئا بفرض حظر سفر على مواطني بلدهم، مثل الإرهابيين، وانسحاب أميركي أحادي الجانب من الاتفاقية النووية في شهر مايو/أيَّار.
من جانبه، قال علي مطهري، نائب رئيس البرلمان الإيراني: "اليوم، أصبحت المفاوضات مع الولايات المتحدة تجلب شعوراً بالإهانة". وإذا قبل روحاني إعادة التفاوض، فسيثير انتقادات داخلية ضده بأنه خائن مثل شاهات قاجار، الذين باعوا بلدهم للبريطانيين والروس منذ قرنٍ مضى.
وحتى إذا كان لايزال روحاني يميل إلى الثقة في الولايات المتحدة لسبب غير مبرر، فهو لم يعد لديه الآن مجال في الداخل للمراوغة.
والانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة، والإصرار على أنَّ هناك اتفاقاً أفضل يمكن الوصول إليه هو ضرب من ضروب الخيال.
فضلاً عن شروط إدارة ترمب تجاه المفاوضات مع طهران
وتعتبر كذلك الشروط الأميركية المسبقة لعقد المفاوضات التي رددها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مؤخراً برغم تصريح ترمب، متشددة.
إذ تعد مطالب بومبيو أشبه بالإنذار النهائي الذي سلمته النمسا لصربيا عام 1914. وهي ليست في حقيقتها شروطاً مسبقة، وإنما دعوة للجمهورية الإسلامية للمبادرة بالاستسلام.
وسيقفز إلى ذهن أي عدو يفكر في التفاوض مع الولايات المتحدة "النموذج الليبي"، حتى من دون تَذْكِرَة من جون بولتون، مستشار الأمن القومي لترمب.
إذ يمكن لأي نظام حاكم أنَّ ينضم لفريق الولايات المتحدة ويُطّبِع العلاقات معها، وحتى يُحتفى به في أميركا وأوروبا، لكن إذا أطلت أية انشقاقات داخلية أو مخاوف حقوقية برأسها، فيمكن أنَّ تتحول الإشادة الأميركية إلى قنابل فعلياً بين ليلة وضحاها.
ويلوح المصيران المتناقضان لحسني مبارك وبشار الأسد أمام أعين جميع قادة الشرق الأوسط.
وفي مواجهة كل هذه التحديات، لدى الأميركان إدارة تبدو وكأنها تتعامل مع الجغرافيا السياسية وكأنها برنامج من الحياة الواقعية؛ إذ لن يترتب على القفز بين أجزاء القصة بادعاء هش أنَّ الرواية متناسقة أية نتائج.
فيمكن اختلاق الدراما ثم تهدئتها، لكن لن يكون هناك أي إنجاز ملموس. إذ جاءت القمم الموجزة التي عُقدت على مدار العام الماضي بصورٍ وجملٍ مُبتذلة وتعهدات، غير أنه برغم العناوين البارزة لم تسفر عن أية تغييرات جدية لدى أعداء أميركا أو حلفائها.
لذلك فتنسيق الجهود مع الصين وروسيا من الممكن أن يدفع إيران للجلوس من أجل المفاوضات
إنَّ تبني واشنطن لسياسة عزل وضغط دائمين ضد إيران، بموافقة روسية وصينية، يمكن أنَّ يؤتي بثمار حقيقية. لكن محاولة التعامل مع حرب تجارية مع الصين، والهلع الداخلي حول روسيا، والخطاب القاسي مع أوروبا، والتهديدات ضد إيران، في نفس الوقت لن تنتهي بالنجاح.
ومن المستحيل تحديد استراتيجية موحدة تبنتها أميركا تجاه الشرق الأوسط خلال العام الماضي، وحتى نزعة "أميركا أولاً" غير المكتملة هي مجرد خطاب أكثر منها واقعاً.
وعموماً، اللجوء إلى الدبلوماسية يكون عادة أفضل من البدائل الأخرى. على غرار مقولة رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل الشهيرة: "المحادثات الطويلة المُرهِقة أفضل في كل الأحوال من خوض الحروب المدمرة".
وكما هو الحال مع كوريا، سنكون أفضل حالاً بكثير مع قمم فارغة عما سنكون مع تهديدات فارغة. ومع ذلك، فمن غير المرجح أنَّ يتشارك حتى الرئيس ترمب في صورة مع الإيرانيين قريباً.
وسبق أن هددت طهران بمنع تصدير النفط من أي دولة إذا مُنعت من تصدير نفطها بموجب العقوبات الأميركية، وذلك بإغلاق مضيق هرمز، الذي يفصلها عن سلطنة عمان، ويمر عبره نحو 18 مليون برميل يومياً من نفط العراق والدول الخليجية.
لكن طهران لا تضع في خياراتها إغلاق المضيق عملياً، إلا في حال دخولها حرباً مفتوحة مع الولايات المتحدة، وتعتمد طهران بنسبة تتعدى 90% على المضيق لتصدير إنتاجها النفطي.
في الوقت نفسه، تتخوف واشنطن من التصعيد مع طهران، التي تهدد بإغلاق مضيق هرمز ومنع تصدير النفط، ما سيؤدي إلى ارتفاع حاد ومتسارع في أسعار النفط.
ومن شأن هذا الارتفاع أن يؤدي إلى أزمات معقدة في اقتصاديات دول كثيرة، منها الولايات المتحدة والدول الأوروبية الحليفة لها.
أول تعليق لنتنياهو على تهديد إيران بإغلاق باب المندب: سنشكل تحالفاً يشمل إسرائيل بأسلحتها