حدة التهديدات تتصاعد بين واشنطن وطهران، فهل تندلع الحرب بينهما؟.. “نيويورك تايمز” تجيب عن السؤال الذي يشغل العالم

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/24 الساعة 11:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/24 الساعة 12:00 بتوقيت غرينتش
June 20, 2018 - Duluth, Minnesota, U.S. - President DONALD J. TRUMP speaks during a Make America Great Again rally at the AMSOIL Arena.(Credit Image: © Brian Cahn via ZUMA Wire)

أثار التراشق المتبادل بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب وقادة إيران، والذي يُذكِّرنا بالإهانات الطنّانة التي تبادلها الرئيس الأميركي مع كوريا الشمالية، المخاوف بشأن مواجهة عسكرية في الخليج العربي -الذي يمثل قناة حيوية لإمدادات النفط العالمية- أو بشيءٍ ربما أكبر من ذلك.

ووفقاً لصحيفة The New York Times الأميركية فإن ترمب حذَّر الرئيس الإيراني حسن روحاني في تغريدة على تويتر في وقت متأخر أمس -بالبنط العريض- من عواقب كارثية إذا ما هدَّدت بلاده الولايات المتحدة، الأمر الذي ينقل التوترات إلى مستوى أعلى جديد. وكتب ترمب: "كن حذراً!". وارتفعت أسعار النفط لفترة وجيزة بسبب المخاوف من تعطُّلاتٍ محتملة للإمدادات.

وقال ترمب في تغريدته: "إلى الرئيس الإيراني روحاني: إيَّاك أن تهدد الولايات المتحدة أبداً، وإلا ستعاني عواقب لم يتكبد مثلها الكثيرون عبر التاريخ. لم نعد دولة تتهاون مع تصريحاتكم المختلة بشأن العنف والموت. كن حذراً!".

تصريحات ترمب جزء من مناورة للترهيب

وينظر الكثير من محللي السياسة الإيرانية إلى رسالة ترمب باعتبارها جزءاً من مناورة للترهيب أكثر من كونها تهديداً حقيقياً. وقال قليلون إنَّهم يتوقعون نشوب حربٍ بين إيران والولايات المتحدة، جزئياً لأنَّ هرم السلطة في إيران يدرك جيداً أنَّ قواته أضعف من الجيش الأميركي الذي سيتمتَّع بهيمنة جوية وبحرية.

مع ذلك، لا يستبعد أحدٌ صداماً مسلحاً أو صورة أخرى من الرد الإيراني، كهجومٍ إلكتروني على سبيل المثال، من أجل إرسال رسالة تحدي إلى ترمب.

وقال كليف كوبشان، رئيس مجموعة أوراسيا، وهي شركة استشارية للمخاطر السياسية في واشنطن: "لا أعتقد أنَّ أي الطرفين يريد الحرب. الإيرانيون يستخدمون أسلوباً جديداً -فهذا الرجل عدواني- وهذا يعني أنَّنا ندخل مرحلة تصعيدٍ محتمل، وهذه مخاطرة حقيقية".

إليكم الإجابات عن بعض الأسئلة الأساسية بشأن المواجهة الأخيرة بين إيران والولايات المتحدة:

ما هدف إدارة ترمب؟

يقول منتقدو ترمب إنَّه أحاط نفسه بمفكرين يمينيين يشبهونه، أبرزهم مستشاره للأمن القومي جون بولتون، ووزير خارجيته مايك بومبيو، وسيرغب هذان في رؤية تغييرٍ للنظام في إيران، وكانا سعيدين في مايو/أيار حين ألغى ترمب مشاركة الولايات المتحدة في الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران الذي تفاوض حوله سلف ترمب، الرئيس باراك أوباما.

ويقول محللون سياسيون إنَّ ترمب يعتقد بأنَّ تهديداته بالتصعيد ضد إيران قد ترغم القادة الإيرانيين على السعي لمفاوضاتٍ معه لمعالجة ما اعتبر أنَّها عيوب قاتلة في الاتفاق النووي، الذي تعهَّدت فيه إيران بعدم حيازة قنابل نووية أبداً.

وهنَّأ ترمب مِراراً نفسه على تنفيذ استراتيجية الضغط هذه بنجاح -من وجهة نظره- ضد الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، واصِفاً ذلك بأنَّه كان حاسِماً بالنسبة لقرار كيم وقف تجارب القنابل والصواريخ النووية والانخراط مع ترمب في لقاء قمة الشهر الماضي يونيو/حزيران بسنغافورة.

كيف وصلنا إلى تلك المرحلة؟

العلاقات مع إيران قابلة للاشتعال منذ الثورة الإسلامية عام 1979، التي أطاحت بالشاه المدعوم أميركياً. لكنَّ أساس التصاعد الحالي في التوترات يكمن جزئياً على الأقل في انتخابات 2016 التي فاز فيها ترمب، والذي تبنّى موقفاً تتبناه إسرائيل والسعودية، أقرب حلفاء أميركا في الشرق الأوسط، يتمثَّل في أنَّ إيران عدوٌ مُتصلِّب المواقف عازمٌ على أن يصبح بلداً مسلَّحاً نووياً.

وأثناء رفضه اتفاق 2015 النووي، أعاد ترمب فرض عقوباتٍ اقتصادية مرتبطة بالبرنامج النووي شدَّدها، وحذَّر الدول الأخرى بالتوقف عن شراء النفط الإيراني، الذي يُعَد أهم صادرات البلاد، أو المخاطرة بالتعرُّض لعقوبات اقتصادية من الولايات المتحدة.

وزير الخارجية الإيراني
وزير الخارجية الإيراني

وأدرج إيران على لائحة لبلدانٍ ذات غالبية مسلمة يخضع مواطنوها لحظر سفرٍ إلى أميركا. وأضاف محافظ البنك المركزي الإيراني إلى لائحةٍ سوداء للإرهاب. ووصفت إدارته سلطة رجال الدين في إيران بأنَّها كليبتوقراطية فاسدة، واحتفت بالإيرانيين الذين احتجوا على القمع السياسي والمشكلات الاقتصادية الشديدة في إيران. (الكليبتوقراطية تعني حكم اللصوص).

طَرَقَ التهديد الأميركي لصادرات إيران النفطية وتراً حساساً لدى القيادة الإيرانية، التي قالت إنَّها قد تغلق مضيق هرمز -وهو ممر مائي ضيق إلى الخليج العربي يمرّ عبره ما يصل إلى 40% من حركة ناقلات النفط- إذا قُيِّدت مبيعات النفط الإيراني.

وأول أمس الأحد 22 يوليو/تموز، قال روحاني للدبلوماسيين الإيرانيين في طهران إنَّ ترمب يخاطر بوقوع "أم الحروب" مع إيران، وحذَّره بعدم "العبث بذيل الأسد"، وهههو ما مثَّل ربما العامل الذي حفَّز شراسة رد ترمب على تويتر بعد ساعات.

هل يمكن أن تنجح استراتيجية ترمب مع إيران؟

الآراء حول العلاقات الأميركية مع إيران استقطابية للغاية لدرجة تجعل التكهُّن أمراً من الصعوبة بمكان. لكنَّ المحللين الذين درسوا إيران طويلاً عبَّروا عن شكوك قوية في أن يرضخ قادتها للضغط الأميركي.

فقال هوشنك حسن ياري، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كوينز والكلية العسكرية الملكية في أونتاريو بكندا: "لا يمكن لنظامٍ يقول على مدار الأعوام الأربعين الماضية (الموت لأميركا) أن يتراجع في سياق سياسات الرئيس ترمب العدوانية. إنَّهم مضطرون للوقوف في وجه الموقف الأميركي".

وقال آخرون إنَّ إدارة ترمب ربما تُقلِّل من شأن مثابرة النظام الإيراني، الذي يمتلك جهازاً واسعاً لإخماد التهديدات السياسية الداخلية. ولا توجد إشارات تُذكَر على أنَّ المعارضين في إيران بمقدورهم عمل ما هو أكثر من القيام باحتجاجاتٍ متناثرة.

إذ يتمتع الحرس الثوري الإيراني، القوة شبه العسكرية الموالية بشدة للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، بنفوذٍ اقتصادي وسياسي هائل.

ماذا إن نشبت حربٌ بين إيران والولايات المتحدة؟

ما من شكٍ يُذكَر في أنَّ الولايات المتحدة ستهيمن في أي حربٍ تقليدية، وهي نتيجة لم تكن غائبة عن الإيرانيين حين أطاحت الولايات المتحدة سريعاً الرئيس العراقي صدام حسين وطردت حركة طالبان من السلطة في أفغانستان.

وإذا قيَّمنا من خلال الإحصاءات، فإنَّ القوات الأميركية التقليدية تُقزِّم إيران في كل شيء. فهناك نحو 1.3 مليون عسكري أميركي نشط في الخدمة، وهو رقم يُمثِّل ثلاثة أضعاف ما لدى إيران تقريباً. وتجاوز العام الماضي الإنفاق العسكري السنوي للولايات المتحدة 600 مليار دولار، مقابل 16 مليار دولار فقط لإيران. ويمتلك الأميركيون نحو 6 آلاف دبابة، مقابل أقل من 1700 دبابة في إيران. وتفوق القوات البحرية والجوية الأميركية -أكثر من 13 ألف طائرة وقرابة 300 سفينة حربية- القوات الإيرانية عدداً بصورةٍ كبيرة.

وهذا لا يعني أنَّ ترمب مستعدٌ لدعم تهديداته عن طريق غزو إيران، بل على العكس؛ فاحتمالٌ كهذا يُنظَر إليه باعتباره غير موجود. وقال ترمب إنَّه يريد إخراج الولايات المتحدة من التعقيدات العسكرية الأجنبية، ولا يُظهِر الأميركيون شهية كبيرة لخوض حربٍ أخرى.

 

وقالت باربرا سلافين، مديرة مبادرة مستقبل إيران بالمجلس الأطلسي، وهو مجموعة بحثية مقرها واشنطن: "لا أعتقد بوقوع حربٍ حقيقية، هذا ليس في مصلحة أي طرف. فترمب لا يريد حتى الإبقاء على قواته الموجودة على الأرض في سوريا".

إذا ما وقعت أي مواجهة، فأين قد تحدث؟

يُمثِّل مضيق هرمز نقطة صراعٍ محتملة، حيث تحرَّشت الزوارق السريعة التابعة للحرس الثوري الإيراني في بعض المناسبات بسفن الأسطول الخامس الأميركي التي تُسيِّر دوريات في الممر المائي. وقال كوبشان في استشارة أُرسِلَت عبر البريد الإلكتروني لعملاء يتعاملون مع مجموعته: "الحرب ليست وشيكة، لكن احتمالية وقوع حادثة تصعيدية في مضيق هرمز تتزايد".

وكان المضيق هو الستار الخلفي لمواجهاتٍ عنيفة من قبل. ففي أبريل/نيسان 1988، أغرقت قوات البحرية الأميركية ثلاث سفن حربية إيرانية ودمَّرت منصتين نفطيتين بعد إصابة فرقاطة أميركية بلغمٍ إيراني. وبعد ثلاثة أشهر، أطلقت السفينة الحربية الأميركية Vincennes صواريخ أغرقت طائرة ركاب إيرانية يقول الأميركيون إنَّهم اعتقدوها طائرة حربية، ما أسفر عن مقتل 290 شخصاً كانوا على متنها.

وتكهَّن بعض المحللين سراً بأنَّ ترمب ربما يكون متحمساً للانتقام مما اعتبره إهانة أميركية في يناير/كانون الثاني 2016 -قبل أيام من دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ- حين اعتقل الحرس الثوري الإيراني 10 بحارة أميركيين من قاربي دورية ونشر صور لهم في الأسر قبل أن يُطلِقوا سراحهم.

من جانبهم، لم يُظهِر المسؤولون الإيرانيون علامةً تُذكَر على أنَّ تهديد ترمب الأخير أخافهم. وعوضاً عن ذلك، تعامل بعضهم معه بسخرية. إذ قدَّم محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة والذي يُعَد هو الآخر مستخدماً معتاداً لتويتر، هذا الرد الحاسم اللاذع التهكُّمي بعد ظهر أمس الإثنين 23 يوليو/تموز: "لا شيء يثير الاهتمام، سمع العالم تهديدات أكثر قسوة قبل بضعة أشهر. وسمعها الإيرانيون على مدار 40 عاماً، ولو أنَّها كانت تهديدات أكثر تحضُّراً. نحن هنا منذ آلاف السنين، وشهدنا سقوط إمبراطوريات، بما في ذلك إمبراطوريتنا، التي استمرت لأكثر من فترة وجود بعض الدول. كن حذراً!".

علامات:
تحميل المزيد