سرُّ تصعيد ترمب لهجته ضد إيران.. الرئيس الأميركي حاول أن يصرف الأنظار عن أمر هام فلجأ إلى حرب كلامية مع طهران

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/01 الساعة 21:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/01 الساعة 21:14 بتوقيت غرينتش
Iranian President Hassan Rouhani smiles as he arrives in Vienna, Austria July 4, 2018. REUTERS/Leonhard Foeger

تكشف صحيفة Financial Times البريطانية سرُّ تصعيد ترمب لهجته ضد إيران، الرئيس الأميركي حاول أن يصرف الأنظار عن أمر هام فلجأ إلى حرب كلامية مع طهران

وقالت الصحيفة إن الرئيس الأميركي غرد متحدثاً عن نظيره الإيراني حسن روحاني -الذي حذر من أن "السلام مع إيران هو السلام الحقيقي، والحرب مع إيران هي أُم الحروب"- وقال إنَّ أي تهديداتٍ أخرى ستجعل إيران عرضة "لملاقاة عواقب لم يشهد التاريخ مثلها إلا لِماماً".

 

لم تستطع إيران ضبط رد فعلها وتركت قاسم سليماني يردُّ على ترمب

لم تضبط إيران انفعالها في الرد. وتباهى قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، قوة العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني التي خلفت دماراً في أرجاء الأراضي العربية، بأنَّ بإمكانه ضرب الولايات المتحدة في أماكن لا تخطر على بال ترمب.

وقال سليماني، الذي يتولى كِبَر النشاط العسكري لطهران، في خطابٍ له، موجهاً حديثه إلى ترمب : "ربما تُطلق أنت الشرارة الأولى للحرب، لكنَّنا نحن من سيقرر كيف تنتهي".

وتصدرت الحرب الكلامية واجهة مشهد التهديدات المتبادلة بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب، واللواء قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" المسؤول عن عمليات الحرس الثوري خارج إيران، قبل أن تعقبها مرحلة تهدئة نسبية بين الجانبين.

ويعتقد سليماني أن بإمكان ترمب بدء الحرب متى شاء، لكن من يحدد نهايتها ليس ترمب، وإنما إيران.

جاءت التهديدات متأججة؛ غير أنَّها ما لبثت أن ذهبت أدراج الرياح بعد أن احتلت عناوين الصحف فترة. وحتى بعد ما نُشر عن استهداف الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، ناقلتي نفط سعوديتين، وتعليق الرياض نقل صادراتها من النفط الخام عبر البحر الأحمر، تبدَّد الشعور بوجود أزمة تلوح في الأفق.

وما كان يمكن أن يتحول إلى تكرار للتدخل الأميركي والغربي فيما عُرف باسم "حرب الناقلات" في الخليج إبان الحرب الإيرانية العراقية بين عامي 1980 و1988– بدا أقرب إلى كونه محاولةً سعودية لتهويل الحاجة إلى تدخل الولايات المتحدة ضد إيران.

ومع ذلك، لا يوجد مجال للتهاون. يلعب ترمب بالنار في منطقةٍ قابلة للاشتعال، وثمة تكهنات واسعة الانتشار بأنَّ جعجعته لم تكن إلا محاولة لتغيير الموضوع، بعد تعرُّضه لحملة تشنيع؛ لاستسلامه المخجل لفلاديمير بوتين في قمة يوليو/تموز 2018 الغريبة مع الرئيس الروسي في هلسنكي.

وتصاعدت الحرب الكلامية مع اقتراب موعد الـ4 من أغسطس 2018

وبحلول هذا الموعد، تدخل العقوبات الأميركية على إيران حيز النفاذ، في محاولة لوصول عملية شراء النفط الإيراني إلى مستوى "صفر" برميل في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018.

حذَّر ترمب إيران، في 22 يوليو/تموز 2018، من أن استمرار تهديداتها للولايات المتحدة الأميركية سيعرضها لعواقب "لم يواجهها إلا قلة عبر التاريخ".

وهو تحذير جاء في سياق رده على تهديد روحاني بحرب ستكون "أُم المعارك" بالنسبة لإيران، التي تمتلك "قوة للرد على أي تهديد"، وفق تقديره.

وهددت إيران أيضاً، على لسان القيادي في "الحرس الثوري"، اللواء أمين رضائي، أرواح "أكثر من 50 ألف عسكري أميركي هم في مرمى نيران إيران".

تعتقد إيران أن السير على خُطا كوريا الشمالية في إطلاق التهديدات، وتحدي المجتمع الدولي والولايات المتحدة، سيُرغم الأخيرة على التفاوض لإعادة صياغة الاتفاق النووي الموقع عام 2015.

كما تعتقد أن واشنطن ستتراجع عن استراتيجيتها الجديدة المرتكزة على زيادة الضغوط على إيران، وإعادة فرض العقوبات عليها مع تشديدها، ورفض التنازل عن وقف بيع النفط الإيراني تدريجياً.

وفي السياق نفسه، بدت تغريداته أقرب إلى الداء العضال منها إلى السياسة. وفي ضوء هذا، يمكن أن يكون واثقاً لأسبابٍ معقولة، بأنَّ احتمال أن تقبل إيران عرضه الذي ألقى به جزافاً لعقد "محادثاتٍ غير مشروطة" هذا الأسبوع احتمالٌ بعيد.  

وتتركز سياسة ترمب تجاه إيران على العدوان  الشامل

يبدو حتى الآن أنَّ السياسة التي تتبناها إدارة ترمب تجاه إيران ترتكز على العدوان الشامل، وتصدَّر هذا العدوان انسحاب ترمب المدوي، في مايو/أيار 2018، من الاتفاق النووي المبرم عام 2015، الذي وقعته طهران مع الولايات المتحدة الأميركية و5 قوى عالمية أخرى، وما أعقب هذا الانسحاب من إعادة فرض العقوبات لخنق الاقتصاد الإيراني.

ولا تعني اللهجة الزاعقة التي استخدمها ترمب تجاه روحاني، الرئيس الإيراني المعتدل مهندس الاتفاق النووي، أنَّه كان ودوداً تجاه آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى للسلطة الدينية الممسكة بزمام الأمور في الجمهورية الإسلامية.

ولا ترى الدائرة المقربة من ترمب أي اختلاف بين المصالح الراسخة المستترة وراء الأيديولوجية المتحجرة والبراغماتيين والإصلاحيين الذين يسعون لإنهاء عزلة إيران. ومن وجهة نظر ترمب الدولية، إذا استعاد المتشددون مثل الجنرال سليماني زمام الأمور في الداخل الإيراني، فستكون هذه خطوة مرحَّباً بها نحو تغيير النظام وإطاحة الجمهورية الإسلامية.

يعد متبنُّو نظرة ترمب ومتبنُّو نظرة خامنئي وجهين لعملة واحدة فيما يتعلق بعدم استحسانهم الاتفاق النووي المبرم عام 2015.

إذ يرفض الفريق الأول أن يقبل أو يفهم أنَّ الاتفاق النووي هو الذي أشعل جذوة الرغبة في التغيير داخل إيران من جديد. أما الفريق الثاني، فدائماً ما كان يخشى أن يكون التغيير الذي وعد به الاتفاق منعطفاً يفضي إلى تغيير النظام، ويشعر بالارتياح؛ لأنَّ إجهاض ترمب الاتفاق أجبر خصومه الداخليين على الاصطفاف خلفه.

وفي إعلان أسباب انسحابه من الاتفاق متعدد الأطراف مع إيران بشأن برنامجها النووي، في 8 مايو/ أيار 2018، قال ترمب إنها تتمسك بتعزيز قدراتها الصاروخية لإنفاذ طموحاتها الإقليمية.

وترى واشنطن في هذه القدرات الإيرانية تهديداً بعيد المدى لأمنها القومي، وتهديداً مباشراً للدول الحليفة في مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل.

وحذَّر وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في 23 يوليو/تموز 2018، من أن إيران تسعى إلى "تصدير الثورة إلى البلاد المجاورة بالقوة"، وأن "النظام الحالي (في طهران) يمثل تهديداً للدول المجاورة".

وارتفع سقف التهديدات بين البلدين إلى احتمالات استخدام القوة العسكرية في مواجهات مفتوحة بينهما.

لكن وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، نفى، يوم الجمعة 27 يوليو/تموز 2018، صحة تقارير عن تحضيرات أميركية لشنّ ضرباتٍ على أهداف نووية إيرانية، مع سريان العقوبات المفروضة عليها.

ورغم كل ذلك فنشوب حرب بين طهران وواشنطن احتمال بعيد

ورغم كل هذه الضجة، يظل احتمال نشوب نزاع مباشر بين الولايات المتحدة وإيران على نحوٍ يفضي إلى حربٍ مفتوحة، احتمالاً بعيداً. في الواقع، كانت المعركة الحقيقية الشهر الماضي (يوليو/تموز 2018) بمكانٍ آخر: في سلسلة من المفاوضات بين روسيا وإسرائيل.

لكن قيادات في الجيش أو بالحرس الثوري الإيراني تدرك أن أي مواجهة عسكرية مفتوحة مع الولايات المتحدة لن تكون حرباً تقليدية ذات أهداف محدودة؛ إذ ستستخدم واشنطن قدراتها غير التقليدية في تدمير برنامجي إيران النووي والصاروخي بعيد المدى.

وستكون لهذه الحرب انعكاسات على الاقتصاد الإيراني المتداعي وعلى وجود نظام الجمهورية الإسلامية بالكامل.

في المقابل، تدرك مراكز صنع القرار الأميركي خطورة الدخول في مواجهاتٍ مع إيران؛ إذ يمكنها أن توظف ما لديها من قوى محلية حليفة في العراق وسوريا لتهديد القوات الأميركية والقوات الحليفة بالبلدين.

ويمكنها أيضاً تهديد أمن وسلامة القوات البحرية الأميركية المتمركزة قبالة سواحل البحرين، والبوارج الحربية المنتشرة في الخليج والبحر الأحمر.

وهذه الأهداف في متناول القدرات الصاروخية الإيرانية أو القوات الحليفة لها، عبر الزوارق السريعة المحملة بمتفجرات، أو الألغام البحرية، أو الاستهداف المباشر بصواريخ قصيرة المدى.

ويُقال إنَّ الرئيسين ترمب وبوتين اتفقا على التعاون في سوريا والشرق الأوسط. يصعب التأكد من صحة هذا.

لكن، ما نعرفه بالفعل هو أنَّ إسرائيل، بتحريضٍ من ترمب، صعَّدت حربها الجوية ضد إيران والميليشيات المتحالفة معها داخل سوريا.

وروسيا، الدولة الوحيدة التي تملك علاقاتٍ وثيقة مع كلٍّ من إسرائيل وإيران، تجد نفسها عالقةً في المنتصف.

ومكَّن سلاح الجو الروسي، والقوات البرية التي يدعمها "الحرس الثوري"، وحزب الله اللبناني، والميليشيات الشيعة العراقية المدربة من إيران، نظام بشار الأسد السوري من الصمود في وجه الانتفاضة الدموية ضد النظام والمستمرة منذ 7 سنوات.

ومباشرةً بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، تبادلت إسرائيل وإيران إطلاق نارٍ كثيفاً عبر الحدود السورية في مايو/أيار 2018، في أول مواجهةٍ مباشرة بينهما.

منذ ذلك الحين، دأبت الطائرات الإسرائيلية على مهاجمة أهداف على صلة بإيران داخل سوريا.

هذا هو الخطر الواضح والحالي في الشرق الأوسط: خطر نشوب صراع إقليمي جديد من رحم الحرب الدائرة في سوريا، لا الأداء المسرحي في تغريدات لترمب ولا الردود المبالغ فيها من الإيرانيين عليها.

تحميل المزيد