تدعمان أطرافاً مختلفة بالمال والسلاح ولا تتفقان إلا على عداوة الإخوان.. تفاصيل بوادر مواجهة جديدة بين السعودية والإمارات في ليبيا

ملامح خلافات وتصدعات بدأت تنشأ بين الرياض وأبوظبي، لاختلاف أجندات الدولتين وأدواتهما في ليبيا، على غرار ما حدث ويحدث بين الرياض وأبوظبي في اليمن

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/30 الساعة 18:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/30 الساعة 21:02 بتوقيت غرينتش

في شهر مايو/أيار الماضي، أصدر فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق في العاصمة طرابلس، قراراً ينص على تشكيل جهاز أمني يتبع وزارة الداخلية باسم "جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب"، وحل قوة الردع الخاصة التي ينتمي أغلب أفرادها إلى التيار المدخلي السلفي، الذي تدعمه السعودية بقوة في ليبيا.

ومع تراجع دور الأمم المتحدة في الملف الليبي جراء التنافس بين أطراف إقليمية ودولية على مصالحها، لا سيّما عقب حصول حالة من التشظي في المؤسسة التشريعية بين مجلس النواب في الشرق، والمجلس الأعلى للدولة في الغرب، بدأت بعض الدول بالظهور على الساحة الليبية للعب دور فاعل في المشهد، عبر دعم أطراف سياسية وعسكرية على رأسها الإمارات والسعودية.

وكانت الإمارات، وما زالت، من أكثر الدول حضوراً وتأثيراً في الأزمة الليبية، عبر دعمها لقوات "عملية الكرامة"، التي أطلقها الجنرال خليفة حفتر، في مايو/أيار من عام 2014، وخرقها لقرار مجلس الأمن رقم 1970، القاضي بمنع بيع وتوريد السلاح وما يتعلق به من معدات وذخائر، وإيصاله إلى ليبيا، وهو ما أكده تقرير أصدرته لجنة العقوبات الدولية إلى ليبيا، في يونيو/حزيران من عام 2017.

قدَّمت الإمارات مروحيات وطائرات حربية، ساهمت في تعزيز قدرات حفتر
قدَّمت الإمارات مروحيات وطائرات حربية، ساهمت في تعزيز قدرات حفتر

وقدَّمت الإمارات مروحيات قتالية وطائرات حربية، ساهمت في تعزيز قدرات حفتر الجوية، ما أدى إلى زيادة أعداد الضحايا في الحرب الدائرة في ليبيا، وفق ما أفاد به تقرير الخبراء الذي أشار إلى عدم تلقيهم أي رد من السلطات الإماراتية، رغم طلبهم توضيحات بشأن ذلك.

وتتحرك الإمارات في ليبيا، بالتنسيق مع السعودية ومصر اللتين تتحركان جنباً إلى جنب معها في أغلب ملفاتها، وعلى الرغم من تراجع الساحة الليبية في أولويات الرياض، التي يثقل كاهلها بملفات أكثر سخونة كالحرب في سوريا، وعاصفة الحزم في اليمن، إلا أن مختصين في الملف الليبي يشيرون إلى ملامح خلافات وتصدعات بدأت تنشأ بين الرياض وأبوظبي، لاختلاف أجندات الدولتين وأدواتهما في ليبيا، على غرار ما حدث ويحدث بين الرياض وأبوظبي في اليمن.

أبوظبي والرياض.. أجندات مختلفة

وعلى خلاف سياسة الرياض الخارجية، فإن سياسة أبوظبي التي تتّسم بالوضوح والحدّية نجحت في جعلها تتحرك في أكثر من مسار، وتعمل على أكثر من مستوى، كما يرى مسؤول سابق في الخارجية الليبية، إذ تعتمد أبوظبي على توفير بدائل عدة واستراتيجيات مختلفة تسمح لها بإحكام قبضتها على كافة مسارات الأزمة في ليبيا.

ويضيف أن الإمارات من جهة تدعم قوات حفتر بالعتاد والسلاح، وتسخّر له طائرات وطيارين يعملون لصالحه، وفي نفس الوقت تعمل على إنجاز تسويات سياسية تصب في صالحها وصالح حلفائها عبر محاولتها استمالة بعض الدبلوماسيين الدوليين، على غرار ما جرى مع المبعوث الأممي الأسبق في ليبيا الإسباني برناردينيو ليون.

وكانت صحيفة The Guardian البريطانية قد سرَّبت رسالة أرسلها ليون من بريده الإلكتروني إلى وزير الخارجية الإماراتي، يعدُ فيها بأنه سيتبع استراتيجية غير متساوية بين الأطراف الليبية، لنزع الشرعية عن المؤتمر الوطني العام -المحسوب على الإسلاميين وقوى الثورة – في مقابل عرض مغرٍ قدَّمته أبوظبي للمبعوث الإسباني، براتب شهري بقيمة 35 ألف جنيه إسترليني، يشغل بموجبها منصب مدير عام "أكاديمية الإمارات الدبلوماسية"، وهو الأمر الذي يبدو أنّه يلقى ضوءاً أخضر سعودياً، وليس ثمة أي تعارض بين أجندات البلدين فيه.

 ليون أغرته الإمارات براتب شهري بقيمة 35 ألف جنيه إسترليني
ليون أغرته الإمارات براتب شهري بقيمة 35 ألف جنيه إسترليني

إلّا أن المتابع لسلوك البلدين في دعم الجماعات الدينية، يجد أن ثمة فوارق جوهرية قد تلقي بظلالها السلبية على مستقبل التعاون بينهما في ليبيا، لاسيما إن قرَّرت السعودية زيادة أدوراها هناك كما يشرح دبلوماسي ليبي سابق لـ"عربي بوست".

وفي الوقت الذي تُواصل فيه دولة الإمارات عداءَها المعلن للتيارات الإسلامية، وعلى رأسها جماعة الإخوان الإسلامية، تواصل الدفع بالجماعات الصوفية في العالم الإسلامي، يضيف مصدر عربي بوست، باعتبار أن دولة الإمارات تعتمد المذهب المالكي والمنهج الصوفي جزءاً من الهوية الوطنية للدولة، وهو ما يتحقق عبر أحد زعامات الصوفية في ليبيا عارف النايض، سفير طرابلس السابق في أبوظبي.

"المداخلة".. ورقة الرياض

وعلى خلاف الإمارات فلم يكن للسعودية أي دور يُذكر عسكرياً وسياسياً في ليبيا، سوى التعويل على ورقة التيار السلفي الوهابي، باعتبارهم قوة ذات تأثير ديني وعسكري ملحوظ، في مقابل الجماعات الإسلامية الأخرى، وعلى رأسها الإخوان المسلمون كما يشرح المصدر.

وتحاول السعودية من خلال هذا التيار استمرار دورها كفاعل ومؤثر في ليبيا، أسوة بمناطق شمال إفريقيا وغرب آسيا، التي حاولت المملكة تجذير التيار الوهابي فيها، وهو ما دعا المبعوث الأممي في ليبيا غسان سلامة إلى الضغط على الرياض، لمطالبتها بالتفاهم حول دورٍ أكثر فاعلية ومرونة للتيار السلفي المدخلي، وفق مصادر خاصة لـ"عربي بوست".

تحاول السعودية من خلال المداخلة استمرار دورها كفاعل في ليبيا
تحاول السعودية من خلال المداخلة استمرار دورها كفاعل في ليبيا

ورغم محاولات السعودية التحديثية بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان إعادة ترتيب علاقة الدين بالسلطة السياسية داخل المملكة، إلا أنَّ الرياض لا يبدو أنها غيَّرت أوراقها في ليبيا، مع استمرار تدفق الفتاوى والأحكام الدينية من قبل مشايخ التيار السلفي المدخلي.

ويتفاعل الشيخ ربيع المدخلي دائماً مع الشأن الليبي، معبراً عن مواقفه الداعمة لمعسكر الرياض، لاسيما في ظلِّ استمرار المداخلة بالقتال ضمن قوات حفتر، والسيطرة على هيئة الأوقاف والأجسام الدينية القابعة في مناطق نفوذ حفتر وقواته، خاصة في مدينة بنغازي.

وحسب مصدر عربي بوست في وزارة الأوقاف الليبية، فإن الحركة الوهابية لا تعدّ في ليبيا اليوم مجموعة دينية فحسب بقدر ما تمثل جماعة واسعة، لها موقفها الديني الذي تتبنَّاه عبر المنابر الخاضعة لها، مدفوعة بأذرعها العسكرية والأمنية التي تتشارك السيطرة مع قوات حفتر في أغلب المنطقة الشرقية.

وبرزت الخلافات بين السعودية والإمارات، حينما قام قادة التيار المدخلي بتصفية خصوماتهم مع التيارات الدينية الأخرى، خاصة الجماعات الصوفية القريبة من أبوظبي، كانت من بين الجماعات التي ناصبها التيار المدخلي عداءه، حيث قاموا بمنع أغلب المشايخ الصوفيين من ممارسة أدوار الإمامة والخطابة في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات حفتر.

قام المداخلة بنبش وهدم أضرحة وقبور لمشايخ ورموز التيار الصوفي
قام المداخلة بنبش وهدم أضرحة وقبور لمشايخ ورموز التيار الصوفي

كما قام المداخلة بالتعدي على بعض الزوايا الصوفية، ونبش وهدم أضرحة وقبور لمشايخ ورموز التيار الصوفي، وعلى رأسهم ضريح الإمام المهدي السنوسي، زعيم الحركة السنوسية في ليبيا، ووالد ملك ليبيا السابق إدريس السنوسي، الأمر الذي أثار سخطاً شعبياً وحالةً من التوتر بين الطرفين، كادت أن تتطور لمواجهات مسلحة لولا جهود ووساطات حالت دون ذلك.

لا اتفاق سوى ضد الإخوان

ويسجل مصدر "عربي بوست" في الدبلوماسية الليبية، أن النخب الحاكمة في أبوظبي والرياض تبدو أكثر ميلاً لحسم الملفات الرئيسية في المنطقة، وتأجيل الأسئلة المتعلقة بالدور الديني، سوى ما يتعلق باتفاقهما على إنهاء وجود الحركات الإسلامية عموماً، وجماعة الإخوان المسلمين على وجه التحديد، بالنظر إلى إعلانهما جماعة الإخوان جماعة إرهابية.

تتوجه الإمارات لتأسيس حلف صوفي يعادي المرجعية الدينية الوهابية
تتوجه الإمارات لتأسيس حلف صوفي يعادي المرجعية الدينية الوهابية

وتحاول الإمارات، حسب المصدر، صناعة لوبيات ضغط في أوساط دولية للدفع باتجاه تجريم الإخوان دولياً، والتضييق على حركتها أفراداً ومؤسسة "المتابع لتحركات البلدين لا يكاد يجد مشتركاً بينها سوى في عدائهما للإخوان، بيد أن البلدين يختلفان اختلافاً واضحاً في رحلتهما للبحث عن بديل إسلامي مناسب"، يؤكد المصدر.

وفي الوقت الذي تتوجه فيه الإمارات لتأسيس حلف صوفي يعلن رموزه معاداتهم للمرجعية الدينية الوهابية، تقوم حكومة الرياض بدعم التيار المدخلي في ليبيا، وخاصة جناحه العسكري، المعروف بقوات الردع في طرابلس والجهة الشرقية.

وتحوَّلت هذه القوات من مجرد ميليشيات إلى جهاز شرعي، يعمل تحت إمرة وزارة الداخلية في حكومة الوفاق، بعد قرار السراج، وهو ما قد يؤثر في قادم الأيام على مستقبل العلاقات بين أبوظبي والرياض، لتصبح ليبيا أرض المواجهات الجديدة بعد اليمن.


مواضيع تساعدك على فهم الملف :

سيناريوهات ما بعد إعلان باريس.. محاولة الفرنسيين منافسة روما في ليبيا أم إحياء لاتفاق الصخيرات؟

المال إماراتي والسلاح فرنسي والمقاتل مصري..تفاصيل الدعم الذي تلقاه حفتر لحسم معركة درنة الليبية

وسَّع أراضيه بمساعدات عسكرية مصرية وإماراتية، والآن يبحث عن المال.. حفتر يسيطر على النفط، وهذه قصة حسابه المصرفي في أبوظبي

 

 

 

تحميل المزيد