تردد كثيراً سؤال: هل المشي كافي لخسارة الوزن؟
المشي تمرين هوائي تنفسي، يقوم برفع نبضات القلب حسب شدة وسرعة المشي، ارتفاع نبضات القلب شيء جيد أثناء التمرين فقط، وهو المسبب لعمليات حرق السعرات في الجسم، الجسم يحتاج طاقة أثناء المشي، ومن ثَم يحرق سعرات أكبر للحصول عليها، هذا هو الكلام العلمي المجرد.
لكن المشي عندي لا يخضع لقانون حرق السعرات، أو أما الذي يحرق سعرات أكثر"، الكثير يقارن بين المشي والهرولة والركض من حيث أيها قادر على حرق سعرات أكثر، البعض يقول: إن المشي بسرعات عالية يحرق سعرات أكثر من الهرولة وفقاً لارتفاع نبضات القلب والعكس، يحق لك أن تنظر للمشي من هذا المنظور، ولكني أرى المشي أعظم من مجرد حرق سعرات في رحلة خسارة الوزن لعدة أسباب منطقية.
أغلب زائدي الوزن أشخاص خاملون في الغالب، لا يمارسون أي نوع من النشاط البدني، نقل هذا الشخص من عالم الخمول إلى عالم الرياضة يحتاج حذراً شديداً، لو قلت لشخص سمين خامل: "لا أمل لك في خسارة الوزن إلا بساعة من الركض والتمارين القوية، فستخسره غالباً بعد أول يومين أو أول أسبوع إن كان حماسه زائداً.
بينما المشي مريح، ومتفاوت جداً في احتياجه للياقة، تستطيع أن تمشي بأقل لياقة وأعلى وزن، وكذلك تستطيع أن تمشي بأعلى لياقة وأفضل وزن، الجميع يستطيع أن يمشي، عندما كان وزني 160 كنت أمشي، وبعدما أصبح وزني 99 ظللت أمشي، لكن شتان بين مشيّي الأول والأخير من حيث السرعة واللياقة وقوة التحمل.. لكن الشاهد أنني مارست المشي، وظللت أمارسه ولم يرفضني المشي لأي سبب يتعلق بلياقتي.
المشي بسيط جداً، لا يحتاج إلى ترتيبات خاصة، أو أدوات أو اشتراكات بنادٍ رياضي، كما يقول الدكتور صالح الأنصاري: "يكفيك حذاء مريح وطريق آمن"، نفسياً هذا محفز قوي لشخص خامل أن يبدأ في الرياضة، وأن يستمر فيها، أنا لا أطلب منك الكثير، أدين للمشي بنقلي من الخمول إلى النشاط، وللآن، لا أُعقِد المشي أبداً؛ لأن تعقيده يفسد كل شيء، أحب ما أسميه بالمشي الحر أو مشي الشوارع، أرتدي حذائي وأنزل لأدور حول بيتي، تتفاوت هذه الدورات كثيراً، أول دورة درت فيها حول مربع سكني لمدة 20 دقيقة، وأطول دورة درت فيها حول مدينة بريدة بالقصيم، فمشيت 42 كم في تحدي الماراثون.. المشي عجيب فوق ما تتصور.
من وسائل عدم تعقيدي للمشي أن أمشي بأي كيفية وفي أي وقت، حتى بملابس الدوام، حين يضطرني الوقت إلى المشي بعد الدوام، فلا أجد مشكلة في أن أمشي بملابسي المعتادة، المهم أن أمشي يومياً.
المشي فعال جداً وعملي، تدريجياً ترتفع لياقتك، ربما يغريك ارتفاع اللياقة مع خسارتك الوزن أن تهرول، طبعاً لا أستطيع منعك، وإن كان الدكتور صالح الأنصاري ينصحك بالابتعاد عن الركض بعد سن الثلاثين، لو كنت مكانك لاستمعت له جيداً فهو أدرى بمفاصلك منك.
لكني حقاً لم أهرول ولم أركض، حتى مع خسارتي للوزن وارتفاع لياقتي، اهتممت أكثر بأن أرفع من سرعة مشيي وأن أتعلم ما يسمى بالمشي السريع أو مشي القوة BRISK WALKING واستطعت معه أن أمشي الكيلومتر الواحد في سبع دقائق ونصف.
لم آنَف من الركض أو الهرولة خوفا على مفاصلي بالدرجة الأولي لأني فوق الثلاثين، الواقع أني لم أركض لأني لم استطع التخلي عن المتع التي يعطيها لي المشي، وهذه هي إحدى أهم خصائص المشي في رحلة خسارة الوزن، أنه يعطيك طاقة نفسية هائلة، قد لا تتوفر فيما سواه من النشاطات الأخرى.
من المعروف أن جميع الأنشطة البدنية ترفع من مستوى الطاقة النفسية الإيجابية؛ حيث تطلق في المخ ما يسمى الأندروفينات التي يطلق عليها العلماء هرمون السعادة، المشي طبعاً من ضمنها، وعندي هو أفضلها، من طقوسي أن أستمع إلى مقاطعي الصوتية المفضلة حين أمشي، أتفاعل معها وأندمج بشدة، أحياناً أصرخ أو أبكي أو أضحك، من المستحيل أن أفعل هذا بينما أنا أركض، هذا هو الذي يجعلني أنتظر موعد المشي؛ لأنه موعد مع السعادة، ولا أتهرب من المشي؛ لأنه وقت "التمرين".
المشي لا يجعل نفَسك يتقطع أو جسمك يرتج، لا يجعلك تتشنج أو تلهث، لا يجعلك تخاف من السقوط أو فقد الاتزان، إنه يرفع نبضات قلبك بفاعلية، وأنت مستمع، لا يمكن أن أفرط في هذا بسهولة.
جعلني المشي أستمر، عام ونصف من المشي إلى الآن والحمد لله، لم أتوقف أو تأتيني إصابة، رغم أنني بدأت بوزن مرتفع جداً كما أوضحت، أنقطع أحياناً عن المشي حين أفشل في ترتيب يومي، أو حين تغير الفصول وطول وقصر النهار وتضارب المواعيد، بالطبع أشعر باختلاف جذري، أشعر أن جسدي مرهق، أشعر أن جسدي يحتاج صيانة عاجلة وفورية، يختل نومي وكفاءته، لقد تغلغل المشي في حياتي ليحسنها، لا أستطيع إخراج المشي من حياتي بسهولة حتى لو أردت، ولن أريد يوما بإذن الله.
كان هذا السر ولا شيء غيره، جعلني المشي أستمر، جعلنى أتخفف من الضغوط، وهبني جرعة سعادة يومية، بدون نفسية متفائلة ومستقرة لن تستطيع تغيير عاداتك الغذائية وتحسينها، كان المشي يساعدني في الانضباط الغذائي؛ لأنه كان يخفف عني الضغوط.
ليس الموضوع في التمرين الذي يحرق سعرات أكثر، الموضوع في التمرين الذي يجعلك تنتظر موعده، وتستمع به، وتشعر بالرضا عن نفسك وعن إنجازك بعد انتهائه، وهذا كله ما وهبني إياه المشي.
مقادير الجرعة: كم؟ ومتى؟ وكيف؟
عندما أقول إنني خسرت 60 كيلوغراماً، ونشاطي الوحيد هو المشي، يزعل بعض الناس؛ لأني بشكل أو بآخر أهمش دور التمارين الرياضية، صراحة أنا صاحب تجربة ولست عالماً أو مختصاً في فسيولوجيا الجهاز البدني، بعد طول يقين واستقراء في عدة تجارب، أقول: لتنجح في خسارة الوزن، لا يتعلق الموضوع بذات التمرين بل يتعلق بشغفك فيما تمارسه، المشي ثري جداً، وأرض خصبة للشغف، لكن هذا لا يمنع أن بعض الناس يجد شغفه في أمور أخرى، هذا يجعله يستمر ويستمتع، بعض الناس تنجح معه رقصات الزومبا مثلاً أو برامج متخصصة مثل تي 25 أو انسينتي.. البعض يعشق صالة الحديد، والبعض جعلته الدراجة الهوائية يغير حياته بالكامل، تعلمت من تجربتي وتجارب من حولي أن المحور ليس مدى مثالية نظامك الغذائي أو الرياضي، يكفي أن يكون فعالاً بدرجة ما، والأهم أن تستمر فيه.
هذا سيجعلك تحصد نتائج لا يحصدها أصحاب البرامج المثالية الذين لا يستمرون.
كشخص يعتبر المشي دواء للسمنة، فإنه من المنطقي أن توجه لي أسئلة مثل: هل المشي وحده كافٍ؟ كم أمشي؟ ومتى أمشي؟ وكشخص يعتبر المشي فلسفة لا يقلقني كثيراً الآراء العلمية حول توقيت المشي ومدته وشدته، يهمني أكثر أن أجعلك تمشي يومياً.
لكن مَن يسألون هذه الأسئلة يهتمون أكثر لخسارة الوزن، لذلك إذا كانت خسارة الكيلوغرامات شيئاً هاماً لديك، تحتاج أن تتعلم عدة أمور هامة متعلقة جداً بالمشي لعلاج السمنة:
1- المشي بدون نظام غذائي مقنن ومنضبط سيعطيك نتائج ضعيفة على الميزان.
2- المشيء البطيء مثل مشي الأسواق أو التمشي بمعنى أصح لن يعطيك نتائج على الميزان.
3- المشي المتقطع بمعنى أن تمارس المشي يوماً وتتركه أياماً لن يفيدك؛ لأن معدل لياقتك لن يرتفع، وبالتالي ستقل سرعتك وستظل شدة مشيك بطيئة ومتأخرة وارتفاع شدة المشي هو أحد أهم متطلبات خسارة الوزن.
4- التوقيت لن يفرق معك كثيراً من حيث النتائج الحسابية، الأولوية الأولى في التوقيت هي القدرة على الاستمرار، نحن نشجع المشي فجراً، ولكن أن جعلك المشي فجراً تمشي يوماً وتتقاعس ثلاثة، فاعلم أن صديقك الذي يمشي يومياً قبل المغرب بانتظام سيخسر وزناً أكثر منك.
5- أقل ما يمكن قبوله في مدة المشي لصحتك وللحفاظ على لياقتك القلبية هو 30 دقيقة، ولا أنصحك بزيادة مدة المشي عن ساعة إلى ساعة ونصف بحد أقصى، ما فوق ذلك يخضع لمفهوم الرياضات الماراثونية، ولن يفيدك بخسارة الوزن.
6- المشي في وقت متأخر قبل موعد النوم بقليل قد يسبب لك أرقاً ويمنعك من النوم، وفقاً لأبحاث علمية ولتجارب شخصية، لا تقُل أمشي ليلاً حتى أتعب وأنام، جسمك يكون متحفزاً ومتيقظاً وسيمنعك من النوم بسهولة.
7- استخدم برنامجاً من برامج متابعة المشي، لتعرف سرعتك ومدة مشيك والمسافة المقطوعة، أنا لا أهتم بالسعرات المفقودة كما أوضحت، ولكن هذه البرامج تعطيك معدلاً تقريبياً عن السعرات التي فقدتها، وهو معدل غير دقيق تماماً، اجعل هدفك من هذا البرنامج هو التوثيق والمتابعة والتحفيز والتطوير، لا بد أن يتطور مشيك، وأهم ما تهتم بتطويره هو السرعة تليها المسافة/الوقت، وكلاهما مرتبطان.
8- أفضل سرعة في المشي هي التي ترفع نبضات قلبك لمستوى حرق الدهون، وهذا أمر نسبي تماماً حسب وزنك ولياقتك، عندما يكون وزنك مرتفعاً ستتسبب سرعات معينة "بسيطة" في رفع معدل نبضك بسهولة؛ لأن الجسم يبذل مجهوداً كبيراً، وكلما قلّ وزنك تغيّرت السرعة التي ترفع نبضات قلبك، إذا أردت حسابها بدقة فاستخدم ساعات قياس النبض، أو اشعر بنفسك، هل هذه السرعة هي أفضل ما لديّ؟ هل ترفع نبضات قلبي؟ أم أنا أتمشى مثل مشي الأسواق؟ ستعرف بسهولة بعد فترة قصيرة من ممارسة المشي.
9- العرق ليس دليلاً على أنك تبذل مجهوداً أو تحرق سعرات بفاعلية، العرق لتبريد الجسم ويختلف حسب درجة الحرارة وكفاءة جلدك.
10- الترهل هو التهديد الذى تسمعه كثيراً من معارضي "المشي فقط"، وهذا قد يكون صواباً، فهو يختلف اختلافاً واسعاً بقدر الوزن الذي خسرته، والمدة التي خسرت فيها هذا الوزن، ومدى قابلية جلدك أنت للترهل بمعنى: نزول سريع وقوي مع شخص قابل للترهل سيحدث ترهلاً مهما كان نوع تمارينك، بينما يضمن لك النزول البطيء نسبياً فرصة لئلا يترهل الجلد، اهتمامك بالتغذية الجيدة سيمنعك من الترهل، وأخيراً حينما يسمح وزنك بممارسة تمارين المقاومة فلا تتردد فيها، فهي تقوم بشد الجسم وزيادة الكتلة العضلية، وتعزيز الأيض، تحتاج فقط أن تستشير مدرباً متخصصاً لمعرفة التمارين التي تبدأ بها وتناسب وزنك ولياقتك.
بالنسبة للبنات
جهاز السير ممتاز للمشي في البيت، وأعرف الكثير من السيدات ممن أتابعهن على تويتر وصلن لمستوى لياقة عالٍ باستخدام السير فقط، جرّبي أيضاً أن تمشي في حوش البيت أو على السطوح إن كان الخروج من البيت متعذراً، عند شراء أو استخدام سير".
يوجد تمارين تسمى المشي في المكان متوفرة في اليوتيوب، يمكنك تأديتها في غرفتك دون الحاجة إلى أي معدات أو أجهزة.
أُعيد فأكرر: ما جعلني أخسر 60 كغم هو الاستمرار والتفاؤل والشغف والمثابرة، وهو ما علمني إياه المشي، ابحث عن شغفك، ابحث عما يجعلك تستمع وتستمر، النتائج تأتي من الاستمرار، ابدأ بالمشي وجربه، إما أن تستمر أو يفتح لك آفاقاً جديدة.. المهم أعد اكتشاف ذاتك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.