بلا يدين ولا رجلين.. عن خالَتي زهرة التي علمتني كيف أعيش

تم النشر: 2021/12/02 الساعة 10:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/02 الساعة 10:28 بتوقيت غرينتش
صورة لكاتب المقال مع بطلة قصته

لي خالةٌ اسمُها زهرة، سبحان من جعل الزهر في روحها!

كانت رحبة الصدر لدرجة أننا كنا نعدها من ضمن جيلنا نحن وليس من جيل خالاتنا، كانت صديقة تتفاعل مع الكل، كبيرهم وصغيرهم، وهو ما جعل العائلة، كل العائلة، تحج إليها لتلتقي ببعضها البعض، أصبحت ملمّةً للعائلة ورابطةً.

الإيمان ثمّ الإرادة ثمّ الصبر، هذه هي عُصارة القصّة وحصيلة القول.

إن كان للسيّارة محرّك يدفعها للأمام ويُركِبُها الجبال والصحاري، فللإنسان عقلٌ هو وحده القادر على أن يُحرّكه ويدفعه لنيل العُلَا ووصول العلالي حتّى بدون أرجل وبدون أيدٍ وبدون جسدٍ أصلاً.. مثل خالتي!

علّمتني زهرة ركائز نجاح أي شيء، أي عمل، أي مشاركة، أي هدف، أي حلم، أي غاية، أي شيء، حتّى ما نعتبره خيالاً علمياً.

الإيمان

الإيمان هو فاتحة وبادئة كلّ شيء، فبدونه لا يكون معنى لشيء، فإن لم تؤمن بإمكانيّة النجاح لما سعيت وراءه ولا كان له طعمٌ إن جاءك النجاح وهو يسعى على رجليه، لأنّ النفس لم تؤمن به في الأصل، وحصوله لا يعدو كونه مفاجأةً جميلة وغريبة، ولكن بالإيمان يتحوّل هذا إلى رحلة روحيّة بشريّة ممتعة، وقود حركتها هو حلمٌ صعيبٌ وصعب المنال.

فإن غاب الإيمان بالشيء أو بالنفس أو القضيّة أو الهدف أو الحلم فكيف لشخصٍ مُقعد مشلول الحركة بشكل تام كالعالم الفلكي ستيفن هوكينغ أن يُحقّق ما لم يُحقّقه عالم منذ بداية البشريّة؟ كيف له حتّى أن يجرؤ ويُحاول تحت هذا الظرف الذي نراه كلّنا قاتلاً وظالماً وغير منطقي؟

الفرق بين تفكيرنا وتفكيره هو أنّه آمن بنفسه بالرغم من كونه لا يستطيع تحريك شيءٍ من جسده أبداً، ولكنّ القلب، محرّك هذا الجسد، ما زال يشتغل بكلّ طاقته.

لو كان له جسد سليم لم يكن قادراً على الاختلاء بالنفس والتفكّر والتفرّغ للبحث في ما جعله لنفسه هدفاً وحلماً منذ صِغَر سنّه، منذ الأيّام التي كان فيها يقفز ويركُض ويتغنّى ويرقص، لو لم يُبتَلَ بهذا المرض لعاش ومات عالِماً قديراً ولكن كمثله من العلماء، لأفنى أغلب وقته في أمور الحياة اليوميّة، لو لم يُبتَلَ لما أفنى وقته وخيالات عقله بالفلك وعلومه ولما اختَلى بثقوبه السوداء إلى أن خرج لنا بـ"إشعاع بيكشتاين-هوكينغ".

الإرادة

لا بدّ لك من أن تريد الشيء لكي يكون لحصولك عليه أيّ معنى، فأنا لا أُريد الهواء الآن، فلا أحد يمكنه أن يشتريني بمال ولا جاه ولا منصب، لأنه ليس ممّا أريده وأطمح إليه، ولكن يمكن شرائي ولملمتي كلّي من ذبّات رأسي إلى قدمي بالحقّ وبالحقّ فقط.

فإن كان عملي واستمراريّتي وجِهادي لِنفسي وإيماني بنفسي وبما رزقني الله من خِلقَةٍ وجسد فيه حقّ، فأنا له من أذعن المُذعنين ومن أصغر الصاغرين تابعاً متلهّثاً كالمُفترس الجائع وهو يركض وراء ضحيّته، الفارق الوحيد هو أنّني أنا الجائع والضحيّة ولا خلاص لي من هذه الحلقة المُفرغة اللامُنتهِيَة إلّا بالالتجاء لمن أوجَدَها وأوجَدَ منها دليلاً وآيةً على صمديّتِه وألوهيّته ووحدانيّته، وجعل منها وفيها رحمةً لمن آمن بالله وبروحه التي نفخها فيك لتسكن جسدك.

الصبر

الآن جاء الدور على ما لا يُمكن وجوده بدون الإيمان والإرادة، الصبر والعيش، فالصبر أن تصبر صبراً جميلاً، والسخط أن تعيش تسب وتلعن، لكن في الحالتين الأمر نفسه نافذ، وكلّ ما اختلف هو اسوداد وفراغ في قلبك وعقلك وروحك.

أصبح صبرها إيماناً وإرادةً وأصبحت إرادتها إيماناً وصبراً وأصبح إيمانها إرادةً وصبراً ورحمةً وخيراً عظيماً عظيماً.

وكما تقول منى الكرد إننا لسنا وطنيّين ولا محرّرين، نحن فقط بشر أرادوا الدفاع عن حقّهم في البقاء والعيش الكريم فوق أرضٍ وُلِدنا عليها وحَلمنا بتحريرها، وكذلك هي حالة الأزهار، هم ليسوا أبطالاً، هم فقط حالمون يسيرون على درب حلمهم بإيمانٍ راسخ وإرادةٍ صلبة وصبر أيّوبيٍّ جميل، ولكن رحلتهم في الوصول إلى هذا الحلم والهدف وكفاحهم وآلامهم من أجله هو البطولة والقدوة.

هم الحلم وهم الأمل، هم بائعو الأمل وبائعو الحليب والتمر، ونحن المشترون، نشتريه منهم مجاناً سهلاً يسيراً وبابتسامةٍ وطاقاتٍ من الإيجابيّات كـ"البقشيش" على ثمنٍ لم ندفعه، فوجودهم أصبح بالنسبة لي وكأنّهم آيات من آيات الله في خلقه، يُرينا ويُبرهن لنا على رحمته.

المعاق جسديّاً لا يعاني، وأهله لا يعانون، هم فقط يطالبون بحقوقهم أُسوةً بباقي المواطنين، فكما أنّ الدولة توفّر طُرُقاً للسيّارات من مبدأ توفير حقّ التواصل لمواطن بإمكانه المشي والجري ولكنّه يُفضّل استقلال مركبةٍ تُوفّر عليه الوقت والتعب، فأحقّ من هذا الحقّ هو حقّ المواطن الذي لا يستطيع لا المشي ولا الجري في التواصل والاتّصال لقضاء حاجاته اليوميّة والمجتمعيّة مثله مثل غيره، وألا يكون بالحاجة لعائِلٍ يعولُ لهُ حقوقه، لا أعتقد أنّ المعاق خُلِقَ لكي يكون عالة بحاجةٍ لمن يعولُها، ولكن سياساتنا في الحكم ونظرتنا المجتمعيّة الظالمة لهم وجهلنا بحالهم ووضعهم وطريقة التعامل معهم والنظر إليهم.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سيف الإسلام المنتصر
رائد أعمال ليبي شاب وناشط في المجال السياسي.
مهنتي هي طيّار مدني وهو ما أتاح لي زيارة أغلب بقاع العالم والاختلاط بثقافات وأنماط تفكير مُختلفة. حالياً لديّ بعض المشاريع الصغيرة الناشئة وهو ما أدخلني عالم الاقتصاد وأنوي الترشّح في البرلمان الليبي القادم وهو ما أدخلني عالم السياسة
تحميل المزيد