لم يجد ثمن المواصلات فتصدّق بكل ما تبقّى في جيبه! عن صديقي عليّ الذي علّمني الكثير

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/27 الساعة 14:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/27 الساعة 14:23 بتوقيت غرينتش
صديقي عليّ الذي علمني الكثير.. /Istock - صورة تعبيرية

من بين كل الذين عرفتهم في الشقق السكنية التي كنت أتنقّل بينها في العاصمة، ترك عليّ أكبر علامةٍ في قلبي، رغم أننا لم نكن قريبين لدرجةٍ كبيرة.

كان يتوضأ ويفرشُ سجادته في فضاء الغرفة، ثم يسألني: "أنت صلّيت؟"، أُغمغمُ وأردُّ بصوتٍ يكاد يُسمع: "سبقتُك، الحمد لله".

يعرف أحياناً أنني أكذبُ ويمنعني خجلي أن أخبره أنني كثيراً ما أؤجل الصلوات، يستقبل القبلةَ ثم يسألني سؤاله المعتاد: "أدعيلك بإيه؟" أُخبره أنني لا أطلب من الدنيا إلا الصحة والستر و"كام مليون جنيه"، يبتسم ويكبِّرُ ويشرعُ في الصلاة.

كانت إقامتي معه قصيرة جداً، لم تتجاوز خمسين يوماً أو أقلّ، كان يشاركني الغرفة، وأشاركهُ الوَنس والحكايات والجوع الخفيف آخر الليل، كان طريقنا مشتركاً، أذهب إلى الجامعة في الصباح ويذهب هو إلى عملِهِ الذي يهبه نصف أيامه والنصف الثاني للجامعة.

سمعته في إحدى الليالي، دون تنصّتٍ أو فضول، يرسل رسالةً صوتية، يعتذر فيها بأدبٍ مِن قريبٍ له عن مشوارٍ ما "لأن أمواله نفدت كلها وهو في انتظار الفرج!".

في صباح اليوم التالي كنّا معاً على الطريق نفسه، لمّحت له أنه يمكنه أن يعتمد عليّ حتى يأذن الله وتُفكّ ضائقتُه، شكرني بشدٍّة واحتضنني، وقال إنه على ما يرام وهو في انتظار فرجٍ قريب جداً.

وقبل أن نفترق مالَ على صندوقِ زكاةٍ على باب أحد المساجد، أخرج كل ما في محفظته من نقود، عشرة جنيهات في ورقتين رأيتهما: أبقى واحدةً منها لِنفسه ووضع الثانية في الصندوق!

بقيتُ طوال اليوم لا يشغلني إلّا تصرّف عليّ الذي أخرج نصف ما في جيبهِ الصغير الضيّق لوجهِ الله صدقةً، وترك لنفسه ثمن المواصلات وفقط.

في الحقيقة كنت أنتظر جديّاً اتصالاً منه يطلب مني أن آتي وآخذه من مقر عمله؛ لأنه لم يستبْقِ مالاً للرجوع!

عدتُّ في آخر النهارِ لأجد عليّاً يفرش سجادته في فضاء الغرفة ويرفع يديه مكبِّراً، عندما رآني بسطهما أمامه واحتضنني وهو يقول: الحمد لله لقد أتى الفرج.

حكى لي أن صاحب الشركة الصغيرة التي يعملُ بها رُزق مولوداً بعد سنين طويلة من السعي والانتظار، وقررَّ أن يصرف راتبَ جميع موظفيهِ قبل نهاية الشهر، مضافاً له نصف شهرٍ كمكافأة!

تذكرتُ صندوقَ الصدقة، والفرجَ القريب الذي تحدث عنه وكان ينتظره بثقةٍ كأنه خلف الباب، المشهد الذي لو حُكي لي لحسبتُ صاحبه مبالغاً بعض الشيء، ولم يقطعني عن تلك الخيالات إلا سؤاله المعتاد: "صحيح، أنت صلّيت؟".

كانت تلك المرة الأولى التي أطلب منه أن ينتظرني حتى أتوضأ، وأول مرةٍ لا أردُّ بـ"سبقتُك"؛ لأنني حتى اليوم أحاولُ أنْ ألحق به ولا أعرف.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أيمن ربيع
كاتب مصري
من مواليد ديسمبر 1999، طالب بكلية الطب جامعة القاهرة، وصاحب كتاب «زحام الكلام» المنشور في معرض القاهرة للكتاب 2020.
تحميل المزيد