السعادة من الأمور التي لطالما أرّقت الإنسان عبر التاريخ سعياً لتحقيقها، وضمان بقائها، ورغبةً في الخلاص من كل ما يؤرقها، لكنها لم تكن أبداً بالمسعى اليسير.
كانت السعادةُ ولا تزال السرابَ الذي يلمع أمام أعين البشر في صحراء الوجود المترامية الأطراف، يطاردها مجاذيبها وما إن يخيل إليهم أنهم قاب قوسين أو أدنى منها تتضح الحقيقة العارية المؤلمة أمامهم، وتسودّ الدنيا أمام أعينهم، ويبيتون ليلتهم في حسرة، حتى ما إذا لمع أمامهم سرابٌ آخر رسمت على وجوههم ابتسامة، وأسرعوا الخطى نحوه.
وفيما يلي أعرض عليكم أقوالاً موجزة لأهم الفلاسفة عن السعادة، ذلك الحلم المستحيل.
شوبنهاور
يرى شوبنهاور أن السعَادة هي إرضاء للرغبات، ويرى أن المعاناة في مقابل السعادة تحدث نتيجة للإرادة، لأنها –أي المعاناة– تقف حائلاً بين الإرادة وأهدافها.
ويمكن النظر لنهج شوبنهاور للسعادة على أنه نوع من التلذذ الكمالي "أي الساعي للكمال"، ولكي نكون سعداء –في رأيه– علينا أن نتخلص كلياً من الألم وأن نلبي كل رغباتنا بشكلٍ كامل.
وإذا نظرنا لهذا الرأي، لن نتعجب من قول شوبنهاور إن السعادة مستحيلة التحقيق، بينما السّعادة المؤقتة منها ممكنة التحقق لعددٍ قليل من الناس على الأرجح.
ولكن حتى تلك السعادة المؤقتة هي وَهْم في رأي شوبنهاور، وهذا يعود لطبيعة الإرادة التي سرعان ما ستعود لحالة الملل بعد تلبية الرغبات.
سقراط
قال سقراط إن السّعادة هي كل ما يرغب فيه جميع الناس، وهي دائماً الهدف النهائي لأفعالنا، وهي -بالتالي- خير غير مشروط. ويرى الفيلسوف الكبير أن السعادة لا تعتمد على العوامل الخارجية (الأشياء) في حد ذاتها، ولكن في كيفية استخدام تلك الأشياء، فالحكيم سيوظف المال توظيفاً صحيحاً كي يجعل حياته أفضل، بينما سيضيع الجاهل المال هباءً ويبيت حاله أسوأ من ذي قبل. وبهذا يمكن القول إن المال في حد ذاته لا يجعلنا سعداء فهو خير مشروط، ما دام في يدي شخصٍ حكيم.
أفلاطون
أكد أفلاطون في كتابه الأشهر "الجمهورية" أن الخلوق فقط القادر على الوصول للسعادة الحقيقية، وبهذا على المرء أن يفهم القيم الأربع، خاصةً العدالة. يرى أفلاطون أن من يسيء استخدام السلطة يكون عبداً لشهواته، بينما من لا يقدم على هذا ويظل راشداً وضابطاً لذاته يكون سعيداً.
يبشر أفلاطون بنوعٍ من السعادة نابع من العدالة الاجتماعية، ويتحقق عبر تحقيق وظيفة المرء في المجتمع. ذلك الواجب يخلق السعادة -كما يرى أفلاطون- بينما تعد المصادر الأخرى للسعادة مثل الرفاهية والثروة والمتعة الحسية أشكالاً أقل درجة من السعادة، إن لم تكن سعادة زائفة بالكلية.
أرسطو
وصف أرسطو ما سماه "يودايمونيا" كهدفٍ لأفكار البشر وأفعالهم. وعادة ما تترجم تلك الكلمة للسعادة، لكن بعض الأكاديميين يقولون إن الترجمة الأدق لليودايمونيا هي "الازدهار البشري".
وعلى نحوٍ أدق، تشير اليودايمونيا لحالة فطرية إيجابية الأصل يمكن أن يسعى البشر جاهدين للوصول إليها. ونظراً لأن تلك الحالة هي أكثر حالة إيجابية يمكن أن يصل إليها إنسان، يمكن القول تبسيطاً إنها تعني السعادة.
أبيقور
كان هدف فلسفة أبيقور هو الوصول لحالة السكينة والتحرر من الخوف، كما كانت ترمي للتخلص من الألم. ولتحقيق هذا أوصى أبيقور بحياة زاهدة وبصداقة نبيلة وبتجنب السياسة.
وبالنسبة لأبيقور، فمن أهم الطرائق التي يتبناها الحكماء لضمان سعادة دائمة طوال حياتهم الصداقة.
الرواقيون
آمن الرواقيون أن الفضيلة كافية لتحقيق السعادة، وأن من يصل لتلك الفضيلة سيكون حكيماً.
يقول أبيكتيتوس إن من يصل للحكمة عبر الفضيلة سيكون مريضاً لكنه سعيد، يلاحقه الخطر لكنه سعيد، يحتضر لكنه سعيد، في المنفى لكنه سعيد، ينال الناس من سمعته لكنه سعيد.
لقد كان الرواقيون يقضون وقتهم سعياً وراء الفضيلة، وكانوا يحققون هذا عبر دراسة المنطق الرواقي والفيزياء الرواقية وعلم الأخلاق الرواقي.
يصف الرواقيون أنفسهم بأنهم "من يعيش في وفاقٍ مع الطبيعة"، وتشير بعض مدارس الرواقية إلى مفهوم اليودايمونيا عند أرسطو كهدفٍ لممارسة الفلسفة الرواقية.
ابن سينا
يصف ابن سينا السعادة كهدفٍ للإنسانية، ويقول إن السعادة الحقة نقية وحرة من المساعي الدنيوية. ويقول: "والعارفون المتنزهون، إذا وضع عنهم درن مقارنة البدن، وانفكوا عن الشواغل، خلصوا إلى عالم القدس والسعادة، وانتقشوا بالكمال الأعلى، وحصلت لهم اللذة العليا".
فيكتور فرانكل
تركزت فلسفة فيكتور فرانكل حول التأكيد على المعنى وعلى قيمة المعاناة، بالإضافة إلى مسؤوليتنا تجاه ما هو أكبر من النفس. ويرى عالم النفس الألماني أن السعادة لن تتحقق إلا إذا تصدينا لتلك الأسئلة.
يقول فيكتور فرانكل: "من خصائص الثقافة الأمريكية التأكيد مراراً وتكراراً على أننا مأمورون أن "نكون سعداء"، لكن السعادة لا يمكن أن تكون مسعىً لنا. على المرء أن يكون له مبرر كي "يكون سعيداً".
نيتشة
يرى نيتشة أن السعي للسعادة "بمعنى ملاحقة اللذة" في حد ذاته إهدار للحياة البشرية، ويقول: "لا تسعى البشرية للسعادة، إن من يفعل هذا هو الإنجليز (في إشارةٍ للفلسفة الإنجليزية النفعية وتركيزها على السعادة الشاملة، وهي فلسفةٌ رفضها نيتشة)".
كرّس نيتشة حياته لفكرة إيجاد معنىً للحياة، وقدم لنا "الإنسان الأعلى" الذي يخلق معنىً للحياة كبديلٍ عن "الإنسان الأخير" (وهو إنسان العصر الحديث الذي يلهث وراء الملهيات ويعيش حياة بلا معنى).
مَجّدَ نيشتة من يتحملون معاناة كبيرة طواعيةً، للوصول للهدف الذي وضعوه لأنفسهم.
سلافوي جيجيك
يقول الفيلسوف السلوفيني المعاصر: "السعادة لم تكن أبداً مهمة. المشكلة هي أننا لا نعرف حقاً ما نريد، ما يجعلنا سعداء ليس ما نريد. إن السعادة للانتهازيين؛ ولهذا أعتقد أن الحياة القائمة على تلبية الرغبات هي حياة قائمة على الصراع الدائم، خاصة الصراع الذي تدور رحاه مع النفس. إذا أردت أن تظل سعيداً عليك أن تظل غبياً. إن السادة الحقيقيين ليسوا سعداء أبداً، بل إن السعادة من سمات العبيد".
الغزالي
أكد الغزالي على أهمية الحفاظ على طقوس الإسلام، وعلى الأفعال التي تقود للخلاص وتجنب الألم. ويرى الفيلسوف الإسلامي أن الإنسان لن يتمكن من التحول من عالم الدنيا إلى التقوى الكاملة لله، وهي السعادة الحقة، إلا عبر العقل وهو عطية الله له.
وبحسب رأي الغزالي، هناك أربعة مكونات للسعادة، معرفة الذات ومعرفة الله ومعرفه العالم كما هو حقاً، ومعرفة الحياة الآخرة كما هي حقاً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.