البدايات ليست الأصعب، بل المواظبة على جعلها مستمرة كالمرة الأولى هي التحدي الأصعب.
ما من شخص يمكنه أن يبقى في حالته الأولى، نحن قابلون للتغيّر خاضعون لجميع المؤثرات في البيئة التي تحيط بنا، نحن أبناء الأفعال الكبيرة والانفعالات المستترة التي لا يراها أحد ولا حتى ظلنا.
التحدي الأكبر هو تلك الظلماء التي ندخلها منفردين ونخرج منها بتجارب وقرارات وأفكار مختلفة ومجحفة أحياناً بحق أنفسنا، أو قد تتحول لطوق نجاة في أحيان أخرى.
في الظلماء لن تشعر بالخجل وأنت تضع كل أفعالك المُشينة بما فيها ما ارتكبت من حماقات وهفوات أمامك ببساطة لأنك لن تراها!
لكن مخيلتك تستحضرها وتعيد تكرار الشريط أمامك، وهي من الأسباب التي تصيب العديد من الأشخاص، بصورة عامة، كما يقول المتخصصين في الصحة النفسية، معتبرين إياها من أمراض العصر الحالي الأكثر شيوعاً، لكن كلاً يتعامل معها وفق ما يعيش عليه.
في النهاية يمكننا أن نقول إن اضطراب النوم والاكتئاب هو من انعكاسات التفكير المستمر والقلق الدائم الذي تخلفه تلك الظلماء المستترة القابعة في رأس كل منا.
بينما نمكث في الظلماء لفترات تطول وتقصر نحن مجبرون على أن نواجه العالم كل يوم بقابلية لا تزيد أو تنقص، فقط تحفظ لنا الوقوف عند خط الصفر باتزان وثبات وقابلية على الاستمرار.
الاستمرار هو اختبار يقودنا نحو المضي في طريق اللاعودة، هو طريق الرتابة والعادية التي نستسلم أمامها، وكأن لا خيار لنا سوى سلك طريق الأولين ممن حولنا.
تلك اللحظة التي تستحضر بها جميع النصائح التي سمعتها وقيلت لك عن الملل، الهزيمة، الاستسلام، وإنك ستلحق الركب وتمتطي الأيام بلونها الرمادي الداكن.
فلا محال من التجربة، الاستمرار يعني حياة بلون واحد، شغف العمل، رغبة التجربة، روح المغامرة، إرادة التحدي، الثقة في أنك الأفضل بالنسبة لشخص واحد على الأقل يحتفي بإنجازاتك، ويسعدهُ أنك ما زلت قادراً على المضي بروح البدايات من أجله.
الأصعب من كل ذلك تحديداً هو الاستمرار في أوقات الهزيمة التي تشتد فيها الظلماء، تكبر وتكبر حتى تستحوذ على كل تفكيرك وتفرض سيطرتها على قراراتك، عندها فقط تقول لنفسك: وما فائدة الاستمرار؟ أنا اتخذت قراراً ألا أستمر، يمكن عندها أن تتخلى حتى عن روتينك، تترك عملك، تتوقف عن الاهتمام بمن حولك، لا حصر في تلك القرارات، لكن جميعها تأخذ كل منا إلى الترك، التخلي، التنازل، ببساطة التخلص من كل الأسباب التي دفعتهُ نحو الاستمرار، لأن من وجهة نظره الآن لم يعد هناك داع لوجود سبب الهزيمة أو الحزن أو الخذلان، الفشل، تختلف المسميات على اختلاف تجاربنا، هي سبب كاف للترك والرحيل.
جميعنا دون استثناء سبق أن مررنا أو سوف نمر بذلك، الأهم كيف يمكن أن نتجاوزه، ونمضي نحو بداية جديدة ننتظر فيها تحقيق ما هو أفضل من بقائنا مُتسمرين أمام الشاشات نستمتع بقضاء نهاية الأسبوع بحالة من الكسل والملل، لا ننجز فيها إلا المزيد من المقارنات الفارغة، وخلق قمم لن نصلها ونحن ننتظر الوقت المناسب واللحظة المناسبة، كل يوم هو بداية أسبوع، وكل ساعة هي ساعة الصفر لتنطلق منها، نحو المعركة الأجمل في الحياة، خصمك فيها هو قابليتكَ على البقاء في حالة من التجدد وخلق أسباب تدفعك نحو الابتسامة والشعور بالامتنان والحب مهما اشتدت المعركة، هنالك أسباب دائماً تجعلك تسيطر في الشعور على نحو أفضل وطرد العتمة والزيف والخوف، وكل ما تحملهُ الظلماء إلى خارج بيئتك اليومية.
هي رغبتك في خلق ما يليق بك، القيمة المضافة للحياة أنت من تحددها، النجاح، السعادة، الجمال، معاييرها ليست فيما نراه من خلف شاشات الهاتف، ما يقبع خلف المعايير هذهِ قد يكون بلا قيمة تذكر أحياناً.
اصنع معيارك الخاص، دائماً هنالك فرصة تنتظر من يقتنصها، لأنها وجدت فقط من أجلك، الكثير تراجعوا، والأكثر منهم من استسلموا للظلماء، الأقل هم من بقوا قادرين على صنع المحاولات والتجربة والاستمرار والبقاء بتلك الروح التي ترى الحقيقة في أبسط وأجمل صورها.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.