المشهد الأول:
كان صوت الشيخ يهز أركان القاعة الكبيرة المكتظة بآلاف من الشباب، بالإضافة إلى آلاف آخرين يتواجدون حول القاعة، وأمام مبنى النقابة التي نظمت تَجَمُّعاً لدعم مسلمي البوسنة والهرسك. وتفنن المحاضر في حث الحاضرين على تقديم كل أشكال الدعم والمساعدة لإخوانهم البوسنيين، الذين يتعرضون إلى جرائم وحشية، ومحاولة للإبادة من قبل المعتدين الصرب والكروات.
انتهت المحاضرة، التي تخللتها عدة وقفات للتكبير، وترديد الشعارات الحماسية التي تحمل الدعاء بالنصر للمظلومين، والهلاك للمعتدين. وكالعادة، فُتح بابُ الأسئلة، وطلب ممثل النقابة أن تكون الأسئلة مكتوبة، حفاظاً على الوقت، ورغبة في تحقيق الاستفادة القصوى من الداعية الشهير.
تركزت معظم الأسئلة حول كيفية الدعم، وعن مدى قدرة مسلمي البوسنة على الصمود في وجه المعتدين. ثم جاء سؤال مختلف عما قبله؛ كان نصه: سمعنا بوصول سفينة من البوسنة، محملة بمئات اللاجئين من النساء والأطفال، رست في الميناء (ميناء المدينة التي بها المحاضرة)، وأنا كمسلم قررت المساهمة في دعم المسلمين البوسنيين، ضد المعتدي الغاشم، وذلك من خلال الزواج من أخت مسلمة من اللاتي على السفينة، لذا أرجو منكم توضيح كيفية التواصل مع السفينة.
وما أن انتهى مسؤول النقابة من قراءة السؤال، حتى بدأ يُسمع، في القاعة، صوتُ همهمات، تحولت تدريجياً إلى همسات، ثم صيحات؛ يعلن أصحابها الثناء على السؤال، وانضمامهم إلى صاحبه، وفي خلال دقائق معدودة كانت الطاولة الموجودة أمام المحاضر مليئة بأوراق تحمل نفس الطلب، وبدأت أعداد من المتواجدين في الخارج، تدخل إلى القاعة، رغم اكتظاظها. الكل يريد أن يساهم في مقاومة العدوان، ودعم المسلمين.
في ذلك الوقت، همس مسؤول النقابة في أذن الشيخ، يؤكد له عدم صحة خبر السفينة، وأن كل ذلك مجرد شائعات. فوقف الشيخ، المعروف باستخدام الفكاهة في توصيل أفكاره للناس، وأمسك بالميكروفون، وصاح: إخواني الكرام، بالنسبة لأسئلتكم المتعلقة بسفينة اللاجئين، صمت الجميع، واتجهوا بكل حواسهم إلى الشيخ… فاستطرد: أولاً، أنا أقدر عالياً رغبتكم في دعم إخوانكم المسلمين، وأثق في صدقكم وتجردكم، ورغبتكم المخلصة في المساعدة، عندها علت الأصوات في القاعة بالتكبير والتهليل. فأكمل الشيخ: ولتنظيم الأمر، سيقوم الإخوة من النقابة الآن بتوزيع الأوراق عليكم، ليكتب بياناته كل من يرغب في دعم صمود المسلمين، من خلال الزواج من إحدى المسلمات على السفينة.
علت وجوه الحاضرين فرحة واضحة، وزادت أصوات المُكبِّرين والمهللين، وبدأ الجميع يبحث عن حاملي الأوراق كي يسجلوا بياناتهم. فأكمل الشيخ: ولكن يوجد تصحيح بسيط؛ السفينة، يا إخواني! لم تأت من البوسنة؛ بل أتت من الصومال الشقيق، واللاجئون على السفينة هم أطفال، وأخوات صوماليات فررن بدينهن من ويلات الحرب.
فجأة ساد القاعة صمت رهيب، وتجمد كلّ من فيها في مكانه، لا يحرك ساكناً، فاستطرد الشيخ: الصومال، أيها الأحباب تلك الدولة المسلمة التي تتعرض للتدمير، والتي تكالب عليها الأعداء، فوجب علينا نصرتهم.
لكن كلماته الحماسية لم تفلح في إحداث أي تغيير في الموقف… توقف التكبير، وجلس الواقفون، وخف الزحام بالقاعة، بل واختفت الأوراق التي وزعها أعضاء النقابة لجمع بيانات الراغبين في الزواج دعما للأخوة الإسلامية ضد العدوان.
* هذه واقعة حقيقية، حدثت في إحدى الدول العربية، وسمعتها مباشرة من ذلك المحاضر الشهير.
المشهد الثاني:
كنت جالساً في مكتبي، حين رن جرس الهاتف، فرفعت السماعة، سمعت على الناحية الأخرى، صوت عربي، قدم لي نفسه، معك الدكتور (ذكر اسمه)، وأكمل: جئت إلى البوسنة للسياحة، وعرفت أنك تعيش هنا، فأحتاج نصيحتك، أجبته: مرحباً دكتور… هل جئت للسياحة فقط؟! فأجاب: للسياحة، و…. لو يوجد نصيب، أتزوج من أخت بوسنية! سألته: كم يوماً تنوي البقاء في البوسنة؟ رد: أسبوعين، ثم استطرد: أنا طبيب ناجح، عمري 40 سنة، من عائلة محترمة، أتمتع بجسم رياضي! قلت له: يا دكتورنا الفاضل، ربما يمكنك، خلال أسبوعين، أن تجد حقيبة مناسبة، أو أن تشتري حذاء جيداً… لكن أن تتزوج فتاة "بنت ناس"، أعتقد أن هذا مستحيل. من المؤكد أنني صدمته بردي المباشر، لكن كان هذا نتيجة صدمتي، وغضبي المتراكم بسبب مئات الرسائل والاتصالات التي جاءت لي، تتكلم بنفس الطريقة عن نفس الأمر.
عزيزي القارئ
إن كنت تفكر بنفس الطريقة، أو كنت من الذين يرغبون في حل مشاكلهم بالزواج من البوسنة، فأرجوك لا تكمل قراءة مقالي، لأنه لن يرضيك، ولن تجد فيه ما يناسبك.
هؤلاء قد تعجبهم الصفحات الإلكترونية الصفراء التي تحمل عناوين رنانة حول زواج العرب من البوسنيات، والتي يقوم عليها من لا يعرفون البوسنة أصلاً، وربما لم يزوروها على الإطلاق.
يستخدم كثير منهم تلك العناوين كوسيلة "رخيصة"، للحصول على متابعات لما ينشرون من عروض سياحية أو عقارية. ويضعون، تدليساً، في مقدمة صفحاتهم صوراً لحفلات التخرج من المدارس الدينية بالبوسنة، أو لفرق الإنشاد الديني، كي يوهموا القارئ بوجود أعداد كبيرة من الفتيات المحجبات، يبحثن عن أزواج.
إنما أتوجه بمقالي، ونصائحي المبنية على خبرة السنين، إلى كل شاب عربي جاد، يستفسر باحترام ومسؤولية عن الزواج من البوسنة؛ زواجاً حقيقياً، يهدف إلى بناء عائلة قوية، يشعر أفرادها بالدفء الأسري والتنوع الثقافي. فإلى هؤلاء أقول:
ينبغي أن تتحرروا من الخرافات التي تتعلق بالبوسنة والمجتمع البوسني، ومن أشهرها:
1- أن "عدد الإناث في البوسنة أضعاف عدد الذكور"!
يحلو للبعض أن يشيع ذلك، ليجعله سبباً في تبرير "لهفة" المرأة البوسنية إلى "المنقذ" الذي يمد لها طوق النجاة من العنوسة، والانتظار. والحقيقة أن جميع الإحصاءات الرسمية البوسنية والدولية تنفي ذلك. صحيح أن عدد الإناث الإجمالي يزيد عن عدد الذكور، لكن، وكما يظهر في الجدول المرفق (التعداد الرسمي للسكان عام 2013)، فإن هذه الزيادة توجد، فقط، في فئة كبار السن، حيث تعيش المرأة عمرا أطول من الرجل.
2- أن "البوسنيات يتلهفن للزواج من الشباب العربي"!
هذا الكلام يردده من لم يزوروا البوسنة، والمتأثرين ببعض الأفلام المصرية القديمة، مثل "النمر الأسود"، لكن كل من يزور البوسنة ويرى الشباب البوسني، يدرك عدم منطقية هذا الاعتقاد.
3- أن "الزواج العربي البوسني لا يدوم طويلاً، بسبب اختلاف ثقافات الزوجين وعاداتهما"!
يتطلب الزواج، بشكل عام، التضحية من الطرفين، وأن يخطو كل طرف خطوات تجاه الآخر، وأن يتنازل عن بعض العادات الفردية لصالح بناء أسرة قوية متماسكة. وبالطبع، فإن اختلاف بيئة المنشأ للزوجين، يتطلب القيام بمزيد من تلك الخطوات.
أعرف زيجات بوسنية عربية كثيرة، ناجحة، ومستمرة منذ ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، كان من نتيجتها وجود أبناء وبنات يحبون البوسنة، ويحبون وطن أبيهم، الذي ربما لم يزوروه. وتقبّل كلٌّ من الزوجين ثقافة الآخر بلطف وود. ونجحت الزوجة البوسنية، بمساعدة زوجها، في إجادة طهي الوجبات العربية، وأحب الزوج العربي الأكلات البوسنية.
4- خرافة أن "تربية الأبناء صعبة في البوسنة بسبب ضعف الالتزام الديني للبوسنيين، وكثرة الفتن في المجتمع"!
يفند ذلك الصمود التاريخي للشعب البوسني أمام العدوان الصرب كرواتي الغاشم الذي استهدف محو هويته وطمس ثقافته. والحقيقة أن الزيجات العربية البوسنية ضخت في المجتمع البوسني، جيلاً جديداً، ثنائيَّ اللغة، والثقافة، ملماً بدينه، عارفاً بمجتمعه، مؤهلاً ليلعب دوراً كبيراً في توطيد علاقة البوسنة والهرسك بالعالم العربي.
والآن دعني أهمس في أذنك يا بُني بتلك النصائح والمبشرات:
1- المرأة البوسنية لا تقبل أن تكون زوجة ثانية، حتى لو كانت الأولى في الترتيب.
2- العائلات البوسنية بشكل عام لا ترحب بتزويج بناتهن من أجانب، إلا إذا أصرت الابنة على ذلك، وأقنعت الجميع أنها وجدت شريك حياتها.
3- المرأة البوسنية لا تبحث عن عائل، ولا عن "ظل رجل"، بل تبحث عن شريك حياة، يبادلها المودة، والتفاهم، ويحظى باحترام المجتمع. وهي تفضل عدم الزواج على الزواج من رجل لا تجد فيه هذه الصفات.
4- تكاليف الزواج في البوسنة أقل بكثير عنها في الدول العربية. لا تشترط الفتاة ولا أهلها مهراً كبيراً أو حفل زفاف فخماً، ولا توجد "قائمة بالأثاث" يوقع عليها الزوج. الأمر بسيط؛ إذا اقتنع الجميع بأن هذا هو شريك الحياة، يتعاونون لإتمام الزواج.
5- المرأة البوسنية، كما يقال: "بمئة رجل"، مع اعتراضي، من حيث المبدأ، على أن يكون الرجل هو وحدة القياس! أعرف كثيراً من العائلات البوسنية، تتولى فيها المرأة أو تشارك بقوة في إدارة العائلة، والإنفاق عليها، بدون أن تشعر أنها تؤدي عملاً بطولياً يستحق الإشادة.
إن كنت فهمت كلامي، وترى في نفسك استعداداً لتكون شريك الحياة لفتاة بوسنية، فستطرح، بالتأكيد، السؤال المنطقي… ماذا أفعل للزواج من البوسنة؟!
الأمر بسيط للغاية
عليك في البداية أن تعرف البوسنة عن قرب، وأن تتعرف على المجتمع البوسني بشكل جيد، وأفضل وسيلة لذلك أن ترتبط بعلاقة طبيعية مع البوسنة، مثل علاقة عمل أو دراسة.
عليك أن تقيم في البوسنة بشكل كامل لمدة لا تقل عن عام، أو تأتي إليها على فترات، لكن تبقى مدداً كبيرة، تتعرف فيها على المجتمع البوسني، وتتعرف على العادات والتقاليد، وعلى الثقافة. وتعرف كيف يفهمون الدين، وكيف يطبقون أحكامه!
إن أعجبك المجتمع البوسني، وشعرت أن أحدهم يصلح أن يكون جداً لأولادك، ورأيت في إحداهن خالة لبناتك، عندها يمكنك أن تختار، من هذا المجتمع، زوجتك، شريكة حياتك. سيكون الأمر طبيعياً، وسيصلح زواجك ويستمر، بإذن الله، وتعيشان في "تبات ونبات"، ويكون عندكما صبيان وبنات!
الحصول على الجنسية البوسنية
يعتقد البعض أن الزواج هو الوسيلة الرئيسية والمضمونة للحصول على الجنسية البوسنية، بل إن البعض يسعى للزواج لهذا الغرض، وهذا الكلام غير صحيح بالمرة. فالحصول على الجنسية له أبواب عدة.
بشكل عام، يمكن تقسيم دول العالم، بخصوص منح الجنسية، إلى ثلاث فئات:
النوع الأول: مثل بريطانيا العظمى؛ إقامة دائمة لمدة خمس سنوات، تعطيك الحق في الحصول على الجنسية.
النوع الثاني: مثل أغلب دول الخليج؛ لن تمنح الجنسية، لو أقمت طوال عمرك هناك، طالما أن أباك ليس مواطناً.
النوع الثالث: مثل ألمانيا، لا توجد شروط ثابتة للحصول على الجنسية، بمعنى أن الأمر يختلف من شخص لآخر، ويخضع كل مهاجر للتقييم بشكل منفصل، وبناء عليه يتم اتخاذ القرار.
دولة البوسنة والهرسك من الفئة الأخيرة، حيث يتم تقييم طلبات الحصول على الجنسية، والبت بشأن كل طلب على حدة.
بالطبع توجد شروط يجب أن تستوفى، طبقاً للقانون البوسني، للحصول على الجنسية، إلا أن نفس القانون ينص على:
– يجوز منح جنسية البوسنة والهرسك، دون استيفاء الشروط المشار إليها في القانون، لبعض الأفراد، إذا كان تجنيسهم يعتبر ذا فائدة خاصة للبوسنة والهرسك.
– لا يجوز الموافقة على التجنس، حتى إذا كان مقدم الطلب يستوفي الشروط العامة للتجنس، إذا كانت هناك أسباب معقولة للاشتباه في أن الموافقة على تجنسه ستشكل تهديداً لأمن البوسنة والهرسك، أو إذا كان التجنس لا يتوافق مع مصالح البوسنة والهرسك لسبب قد يظهر من خلال التقييم العام الفردي لمقدم الطلب.
ومع ذلك، أنصحك أن تمضي في الإجراءات التالية، لتجعل تقييمك إيجابياً، وتزيد من فرصة حصولك على الجنسية البوسنية:
1- تملك أو شارك في ملكية مشروع استثماري في البوسنة، فإن ذلك يعطيك الحق في الحصول على إقامة سنوية، تُجدد دورياً، وتُتوج بالحصول على الإقامة الدائمة، وبعد مرور ثلاث سنوات من الحصول على الإقامة الدائمة يمكنك تقديم طلب الحصول على الجنسية.
2- لا تتخلف أو تتأخر عن سداد التزاماتك الضريبية أو المالية الأخرى.
3- ابدأ في تعلم اللغة البوسنية من أول يوم تصل فيه إلى البوسنة.
4- لا تقدم معلومات كاذبة أثناء حصولك على الإقامات السنوية الدورية.
5- لا تؤيد بأي شكل أية منظمة تعمل على الإضرار بالمصالح الحيوية للبوسنة والهرسك.
الزواج والحصول على الجنسية:
يشترط القانون البوسني أن يقدم طالب الجنسية البوسنية دليلاً موثوقاً يثبت توفر مصدر دخل دائم له، بمبلغ يتيح له حياة كريمة (حتى لا يكون عبئاً على النظام الاجتماعي)، ويستثنى من هذا الشرط من تزوج بمن يحمل جنسية البوسنة والهرسك، إذا توافر شرطان اثنان:
1- أن تكون علاقة الزواج قائمة وقت تقديم الطلب.
2- أن يكون قد مر على زواجهما خمس سنوات على الأقل.
فقد الجنسية البوسنية:
يعطي القانون البوسني الحق للسلطات في سحب الجنسية من الأجنبي الحاصل عليها، في الحالات التالية:
1- إذا ثبت تقديمه معلومات كاذبة في أي مرحلة من مراحل حصوله على الجنسية.
2- إذا ثبت انخراطه في الخدمة العسكرية في قوات أجنبية (غير بوسنية).
3- إذا تمت إدانته بحكم نهائي، سواء داخل البلاد أو خارجها، بارتكابه أعمالاً تنتهك أمن البوسنة والهرسك، ونظامها الدستوري.
* كل ما ذكرته في هذا المقال صالح أيضاً، عندما تقرر فتاة عربية الزواج من شاب بوسني، مع بعض الاختلافات البسيطة. وأعمل الآن على إعداد تقرير صحفي عن عدد من الزيجات الناجحة؛ حيث الزوجة عربية، والزوج بوسني، أحاول من خلال التقرير الرد على استفساراتكن، وبعث الطمأنينة في نفوسكن.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.