الطريق الأمثل للوصول إلى البتراء هو أحد أجمل مواقع المشي الجبلي في العالم

ينقسم الطريق الطويل إلى 8 أقسام، ويمتد عبر 52 قرية وجالية

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/15 الساعة 07:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/15 الساعة 07:44 بتوقيت غرينتش
الطريق إلى البتراء

الطريق إلى البتراء ، المدينة الأردنية السياحية الأجمل، لا يبدو بهذه السهولة، لكنه سيضمن لك رحلة ممتعة لن تصدقها وسط الجبال.

أشعة حارقة كانت تنبعث من الشمس، وعلى مرمى البصر، لا يوجد أي بشر، والطريق وعر ومنحدر، ولكن رغم كل ذلك كانت واحدة من أجمل النزهات في العالم.

منى غابل كاتبة مهتمة بالعلوم والسفر والقضايا الاجتماعية، تروي في مقال بموقع The Daily Beast الأميركي عن تجربتها في السفر سيرا على الأقدام، عبر ما تصفه بالطريق الأمثل للوصول إلى مدينة البتراء الشهيرة، وهو الطريق الذي يصنف كواحد من أفضل نزهات العالم.

أخيراً رأيت امرأة وفتاة ترتديان الشادور

تقول: كنتُ أتنزَّه سيراً على طريق الأردن المعزول المُنحدر بشكلٍ مُذهل، والمُرتفع على جبال الشراة، في البلد الواقع في الشرق الأوسط. كانت السماء ضبابية، وتنبعث من الشمس أشعة حارقة.

طريق وسط الجبال ستجد فيه متعة بلا نهاية
طريق وسط الجبال ستجد فيه متعة بلا نهاية

لم أرَ بشراً قط على مدى ثلاثة أيامٍ، حتى ظهرت فجأة على المنحدر الصخري امرأة وفتاة صغيرة، ترتديان الشادور الداكن (جلبابٌ فضفاض). لم أستطع تصديق عيني حين رأيت شيئاً آخر يحدث، قطعان من الماعز متعددة الألوان تتنقَّل على منحدرات التلال المحيطة بنا.

وحين سألت: "أين ذهب الرُّعاة؟"، قال محمود بدول، مُرشدنا سهل المراس صاحب الـ35 عاماً، الذي ينتمي لقبيلة بدوية في مدينة البتراء: "إنَّهم يقتادون الماعز إلى منازلهم". وبعدها مباشرةً، استرحنا في ظل شجرة أكاسيا مورقة، بينما قدَّم لنا محمود التمور والفستق وأكواب الشاي الأخضر الساخنة المُحلاة، وهو الشيء المُتداول في الضيافة الأردنية.

ليست مبالغة وصفه بأحد أفضل مواقع التنزُّه والمشي الجبلي في العالم

في مايو/أيار 2018، خُضت تجربةً مُنعشة في المشي الجبلي على طريق الأردن الوعر الممتد مسافة 45 ميلاً، الذي اعتُبر مؤخراً أحد أفضل مواقع التنزُّه والمشي الجبلي في العالم،  وفقا ً لمجلة National Geographic Traveler، حسبما تقول منى غابل.

ينقسم الطريق الطويل إلى 8 أقسام، ويمتد عبر 52 قرية وجالية، ليقدم لمرتاديه جولةً متعمّقة في تاريخ دولة الأردن القديمة وثقافتها، وما تحظى به من جمالٍ طبيعي مُصان. وبينما كنتُ أمشي في وديان الحجر الرملي، والمستوطنات البدوية المُتناثرة القديمة، والمنحدرات الصخرية الضيقة، شعرتُ بطبقاتٍ مُترَّبة من آلاف السنين تحت قدمي.

وهذا طبيعي، فأصل الطريق مُشبعٌ بالتقاليد التي يعود تاريخها إلى قرونٍ، حين كان المشي عبر أنحاء الأردن يُمثل طريقة للحياة للتجار والقوافل والبدو والفنانين، والباحثين عن الثراء، والحجاج المُتدينين. ثمَّ، وقبل بضع سنواتٍ، بدأ الأردنيون يخرجون إلى الأماكن المفتوحة لاستكشاف البراري الشاسعة في البلد، وسادت صناعة سياحة المغامرة والاستكشاف.

وبحدوث هذا، تضافرت مجموعاتٌ عدة تحت هدف بناء ممر ممتد بطول البلد، ما جعل هذا الطريق محور سياحة المغامرة. وتشرف جمعية درب الأردن الآن على الطريق، المُمتد مسافة 400 ميل، من غابات أم قيس الواقعة في الشمال إلى البحر الأحمر في الجنوب المحفوف بالصحراء.

ولكن كيف تم اكتشاف هذا الممشى؟

كان ديفيد لانديس الأميركي وناشر كتاب "Village to Village Trails" واحداً من ضمن فريق المتجولين الأردنيين والدوليين، الذين بدأوا استكشاف الممشى في عام 2013. مشى على طريق دانا الأسطوري إلى البتراء مراتٍ عدة، وهو القسم التاريخي ذاته الذي كنا نشقُّ طريقنا عبره.

الهدف النهائي هو الوصول إلى البتراء ومبانيها الساحرة
الهدف النهائي هو الوصول إلى البتراء ومبانيها الساحرة

وذكر في رسالة بريدٍ إلكتروني مرة: "في رحلتنا الأولى تلك، تعاونا مع مرشدين من البدو المحليين لتقديم الدعم والمعرفة بخصوص الطرق المختلفة. وانطلقنا نحو المغامرة، نرسم الخرائط ونلتقط الصور أينما ذهبنا".

ومدينة البتراء يعتقد أنه تم تأسيسها في القرن الرابع قبل الميلاد كعاصمة للمملكة النبطية.

والآن أصبح يجتذب مغامرين من كافة أنحاء العالم

وبرغم أنَّ الدرب لم يُفتتح إلا في فبراير/شباط 2016 فقط، فإنَّه جذب المئات من المستكشفين من مختلف أنحاء العالم.

وتقول منى: تضمَّن فريقنا مُتعدد الجنسيات عشرات المتجولين، ممن تتراوح أعمارهم ما بين العشرينيات والستينيات، من كندا وإيطاليا والهند والولايات المتحدة.

وقادتنا أيضاً امرأتان أردنيتان رائعتان في العشرينيات والثلاثينيات من عمرهما، وهما أحلام وتالا، اللتان كانتا تعملان لدى شركة Experience Jordan، شركة سفر المغامرة التي نظَّمت رحلتنا. ومثل محمود، كانتا تتحدثان الإنكليزية بطلاقة، لكنَّني فضَّلتُ سماعهما تتحدثان بإيقاعٍ لحني مُميز للغتهم الأم، اللغة العربية.

كدنا نصبح مفقودين لولا هذا الرجل

بدأنا رحلتنا من محمية ضانا الطبيعية، وهبطنا نحو الوادي المتصدع، وشققنا طريقنا جنوباً من خلال مجموعة من المناظر الطبيعية، بدءاً من الصحراء الباهتة إلى وديان الحجر الرملي الرخامية وحتى المنحدرات الشاهقة.

وعلى عكس بعض أقسام الدرب التي جرى تطويرها، كان هذا الامتداد الصخري غير المستوي غير مميزٍ على الإطلاق.

رحلة ممتعة وسط هذا الطريق الجبلي
رحلة ممتعة وسط هذا الطريق الجبلي

ومن دون مساعدة محمود، ذلك الرجل الصغير ممتلئ الجسد ذو اللحية القاتمة القصيرة والعينين البنيتين، الذي تسلَّق بسهولةٍ المنحدرات العليا، لكنَّا الآن مفقودين.

كان يصيح منادياً: "يلا! يلا!" عندما يحين الوقت لكي نسلك المسار مرةً أخرى. وفي جوٍّ حيث تصل درجة الحرارة إلى 95 درجة، كان جسدي يُغمر بالعرق بينما أمشي.

والحمار انتشلنا حتى إننا كافأناه بالتفاح  

ومثل السكان البدو الأصليين، كنا نصطحب حماراً، اسمه "فرحان"، يحمل مياهنا الإضافية.

وفي أثناء المرور عبر جزءٍ وعر من الطريق، حَمَل أيضاً اثنين من المتجولين الذين خارت قواهم جراء صعود تلٍ قاسٍ. وعرفاناً منا كنا نُطعم فرحان لب التفاح ولقيمات الجبن. وكان مالكه، ويدعى عبدالله، بدوياً جميلاً يبلغ من العمر 18 عاماً، من مدينة البتراء، وكان يرتدي الجينز وسترة وأحذية التنس.

 وفي اليوم الثاني، تجوَّلنا مسافة 11 ميلاً، وتسلّقنا ما يُعادل 4200 قدم، في منطقةٍ مهجورة تُسمى "فينان".

كان الرومان قد حفروا الموقع التاريخي لها منذ 3 آلاف عام، وتقبع أكوامٌ من الركام المهمل في كل مكان. كنتُ أمضي مُحمرّة الوجه من الخجل، اعتقدتُ أنَّه لا عجب في أنَّ الآلاف من العبيد قد هلكوا هاهنا، فلم يكن هناك دليلٌ على وجود الإنسان في أي مكان.

إلى أن فزنا بوليمة من المأكولات الأردنية، ولكن استيقظنا على عواء ذئب  مخيف

وفي ليلتنا الثانية والثالثة، أقمنا معسكراً على بقعةٍ مسطَّحة من الأرض في العراء، حيث نَصَبَ طاقم من الرجال العرب قليلاً من الخيام الخضراء، وجهَّزوا لنا وليمة من المأكولات الأردنية، التي تحتوي على الدجاج والأرز، وحساء العدس، والحمص، وخبز البيتا، وسلطة المتبل (طبق باذنجان مهروس).

كنتُ أتضوَّر جوعاً، وبعد العشاء قبعتُ في خيمتي.

وحتى تلك اللحظة، لم أرَ حياةً برية قط، لكن في تلك الليلة الأولى استيقظتُ على عواء الذئاب المُخيف.

وكانت وجهتنا هي مدينة البتراء الساحرة التي قصدها التجار والحجاج منذ القدم

ومثل الحجاج المتدينين والتجار العرب الذين سبقونا، كانت وجهتنا هي مدينة البتراء الشهيرة، التي تعني "الصخرة" في اللغة اليونانية.

طريق وسط الجبال في البتراء
طريق وسط الجبال في البتراء

في أوائل القرن العشرين، حين صادفت الرحالة وعالمة الآثار البريطانية غيرترود بيل عاصمة الحجر الرملي، وصفتها بأنَّها "مدينةٌ من قصص الخيال، حيث كل شيءٍ رائع ومكسو باللون الوردي".

واستفاد مؤسّسو البتراء من الأنباط الذين كانوا من العرب البدو من قرب المدينة من طرق التجارة لتأسيسها كمركز تجاري رئيسي في المنطقة.

واكتسبت التجارة بالمدينة أرباحاً كبيرة في الأنباط جعلتها محوراً للثروة، مما جذب حسد جيرانها.

ثم بدأت تنحدر سريعاً في ظل الحكم الروماني، والسبب جزئياً تغيير طرق التجارة البحرية. ثم الزلزال الذي ضربها عام 363م، الذي هدم العديد من المباني، وشلَّ نظام إدارة المياه الحيوي. وأضعفها زلزال آخر عام 551م.

ودخلناها عبر الباب السري ثم وصلنا لقبر النبي هارون

قادنا الطريق إلى الباب الخلفي لمدينة البتراء المعروف بالباب "السري" عبر البتراء الصغيرة، ما يسمح لنا بتفادي حشود السياح. وبينما كنتُ أتخطَّى مخيمات البدو، والأطلال الرومانية، وعصارات نبيذ الأنباط، وخزانات المياه التي صمموها بهدف العيش في الصحراء، كان يتملكني شعورُ ما بأنِّي في بلدٍ عريق.

وعند نقطةٍ مُحددة، أشار محمود إلى قبة بيضاء في المسافة البعيدة أعلى جبل هارون، الذي يمثل أعلى نقطة في البتراء. كانت القبة هي ضريح النبي هارون الذي بناه السلطان المصري في القرن الثالث عشر تكريماً لهارون، الأخ الأكبر للنبي موسى، الذي قِيل إنَّه توفي هناك. واليوم، أخبرنا محمود أنَّ اليهود والمسيحيين والمسلمين لا يزالون يخوضون رحلات الحج الطويلة والشاقة من أعلى الجبل إلى الموقع المقدس.

من هنا عبرت القوافل ومرت منتجات البخور  

بعد مدة ليست بطويلة، كنت أتسلَّق صخرةً كبيرة مُستخدمةً يديَّ أعلى وادٍ ضيق. كانت به ظلال، ودحرجتُ نفسي فوق الحافة. نظرتُ إلى أعلى، ورأيتُ أنَّني كنت في داخل كهفٍ صغير، مُكتظ بالنساء والرجال من البدو الذين يبيعون الحُلي والمجوهرات والأوشحة ولعب الأطفال، والجِمال الخشبية الصغيرة المنحوتة. لم نتوقف للشراء، لكنَّنا استكملنا رحلتنا عبر السلالم الحجرية المؤدية إلى البتراء الصغيرة.

امرأة تنظر إلى آثار المدينة العريقة
امرأة تنظر إلى آثار المدينة العريقة

كانت البتراء الصغيرة ساحرةً؛ ففي العصور القديمة استخدم التجار العابرون على طريق البخور الوادي المُحصَّن عالي الجدران كمنتجع، بعد انتهائهم من أعمال التجارة في البتراء، وقبل التوجه شمالاً إلى دمشق، وإلى البحر الأبيض المتوسط غرباً.

وعاش الأنباط الأثرياء ودفنوا موتاهم

كانت البتراء الصغيرة تملك نسخةً أكبر وأكثر شهرة من كل شيء. تتسكَّع الجِمال غير آبهةٍ على الرمال، ومتاحة للتأجير. ويبيع البائعون المشغولات اليدوية والتوابل، مع وجود كهوف ومقابر الحجر الرملي البديعة، حيثُ عاش الأنباط الأثرياء الذين بنوا البتراء في القرن الأول الميلادي ودفنوا موتاهم. صعدنا مجموعةً من السلالم إلى داخل كهفٍ واحد، حيث كان يجري ترميم غرفة طعام ذات سقفٍ عالٍ مُزينة بكتاباتٍ عربية وفسيفساء دقيقة على الجدار. حاولتُ أن أتخيل العيش هناك، لكن بلا جدوى.

ثم شاهدنا المعجزة المعمارية المنتصبة بالمدينة

وفي اليوم التالي، وبينما كنا نسير بين الجبال، عثرنا على لافتةٍ مرسوم عليها سهم يُشير إلى كلمة "دير"، كنا على مقربةٍ من أحد أكثر معالم البتراء الأثرية روعةً.

ومع ذلك، لم أكن مستعدة بعد لإدراك لأي درجة ستكون تلك المعجزة المعمارية؛ المبنى الضخم وردي اللون المنحوت في الجبل والمرتفع فوق العشب والأزهار البرية الصفراء. يُعتقد أنَّه بُنيَ في القرن الثالث قبل الميلاد لاستخدامه مقبرةً للأنباط. سرتُ إلى الأمام، وتوقفت برهةً، مُحدِّقاً في الأعمدة الإغريقية الضخمة المكسوة بلون الصدأ، شاعراً بالإنهاك.

إلى أن جاء ما أخرجنا من حلمنا.. صور السيلفي مع الدير المجيد

لكن، سرعان ما اختفى هذا الشعور. فبمجرد وجودنا في البتراء، لم نعد بمفردنا؛ إذ تنافست حشود الفتيات المراهقات اليابانيات، والشباب الأوروبيين والألمان متوسطي العمر والأميركيين لالتقاط صور السيلفي مع الدير المجيد. انعزلنا داخل كهفٍ عبر الباحة التي كانت بمثابة مقهى. كان المكان مُكتظاً بالشباب العرب، الذين يُدخنون وينظرون إلى الأجهزة الحاسوبية المحمولة خاصتهم. ها قد عدنا إلى حضارتنا. لم أكترث، حاولتُ ألَّا أتذمر، وطلبتُ شاياً مُثلجاً بنكهة النعناع والليمون عوضاً عن الجعَّة.

 لا أطيق الانتظار للعودة إلى الدرب.


اقرأ أيضاً:

ما رأيك أن تزور البتراء وتتعرف عليها ولكن ليس كسائح… هذه البريطانية ستتيح لك تجربة مميزة حتى لو كنت أردنيا

 

اليونيسكو أعلنت عدم اعترافها بالنتائج الجديدة – عجائب الدنيا السبع: مؤسِّسُها، تاريخها ورمزيتها.. كيف تتمّ عملية الاختيار ومن يقوم بها؟

 

الأردنيون غاضبون من "طائرة أحلام العسكرية" التي نقلتها إلى البتراء.. ومسؤول رسمي يوضح القصة

 

 

علامات:
تحميل المزيد