ما رأيك أن تزور البتراء وتتعرف عليها ولكن ليس كسائح… هذه البريطانية ستتيح لك تجربة مميزة حتى لو كنت أردنيا

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/31 الساعة 14:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/01 الساعة 08:47 بتوقيت غرينتش

لعل القول بأنَّ البتراء الصغيرة تقع خارج الخريطة السياحية يُعد تقليلاً من شأنها، فهذا المكان يحمل بين تفاصيله الكثير!

للوصول إلى هناك عليك أن تسير في طريقٍ وعِر بمحاذاة الأنهار القديمة الجافة، وصولا إلى أعلى كثيبٍ رملي على سفح جرفٍ من الحجر الرملي الأحمر.

تقع "سيق البارد" في البيضا، والمعروفة أيضاً باسم "البتراء الصغيرة"، على بُعد حوالي 5 كم من مدينة البتراء الأردنية، إحدى مواقع التراث العالمية المُدرَجة ضمن قائمة اليونسكو منذ عام 1985، وتشتهر المدينة بمبانيها القديمة المنحوتة في الحجر الرملي الأحمر الصلب.  

لتجربة جانب مختلف من مدينة البتراء، قام زوجين شابين، هما أنس الطواسي وزوجته ستيف، بمشروع يُعرَف باسم "قطعة من الأردن". هدفهما من وراء هذا المشروع هو "إظهار الأردن الحقيقي، حيث يعيش الناس من جميع المعتقدات الدينية معاً، ويُرحِّبون بالزوَّار القادمين من جميع أصقاع الأرض". إنَّها تجربةٌ تتخطَّى حدود التجربة الأثرية البحتة، وتمنح الزوَّار فرصة الاندماج مع المجتمع المحلي.

حب من أول نظرة!

كانت ستيف، وهي في الأصل من مدينة برمنغهام بالمملكة المتحدة، قد زارت مدينة البتراء مع عائلتها منذ 12 عاماً، وكانت حينها تبلغ 17 عاماً.

كان أنس يقود الحصان الذي امتطته للوصول إلى مدخل الموقع، الذي يُعدُّ حالياً واحداً من بين عجائب الدنيا السبع، لقد كان حباً من أول نظرة.

بعد أشهرٍ من الاتصالات الهاتفية الدولية المُكلِّفة، خطبها أنس وتزوَّجا في العام التالي، ويعيشان حالياً في بلدة وادي موسى، وهي أقرب بلدة من مدينة البتراء، مع طفليهما الصغيرين.

أسَّسا مشروعهما كمشروعٍ محلي، لكنَّه تطوَّر إلى شيءٍ أكبر؛ إذ أصبح التزاماً بتغيير النظرة السائدة عن الأردن من خلال طرح فهمٍ ثقافيِّ حقيقي لما يعنيه العيش في البتراء، بدلاً من مجرد التعرُّف على مواقعها التاريخية.

يُقدِّم مشروع "قطعة من الأردن" فرصةً لإعداد الخبز مع النساء المحليات، وتعلُّم كيفية طبخ وجبة أردنية، وكذلك تناول الطعام في منزل عائلةٍ ببلدة وادي موسى.

ما يميزهما أنك حتي لو كنت قد زُرت البتراء من قبل، لكنَّ الزيارة معهما ستتيح لك تجربة فريدةً ، من حيث الالتقاء بأشخاصٍ لم تكن لتلتقيهم إذا قمت بالرحلة السياحية العادية.   

عادة ما يرافق أنس وستيف ضيوفهم في رحلة تبدأ بالانطلاق لمدة 20 دقيقة خارج بلدة وادي موسى في سيارة العائلة النصف نقل، والمحمَّلة بالمفارش، والخيام، وزجاجات المياه والطعام. الأشخاص الآخرون الذين ينامون في العراء هم عددٌ قليلٌ فحسب من الرعاة.

ثم يخيمون على كثيبٍ رملي، قبالة جُرفٍ من الرمال الحمراء. ترعى بجوارهم مجموعةٌ من الجمال، العشاء أجنحة دجاج (دجاج محمر)، وكباب بيتي مطهو على الفحم، بالإضافة إلى سلطة وليمون. لكنَّ الجميل في الأمر هو المشاركة في إعداد الطعام، إذ ذهبت إلى السوق قبل صلاة الجمعة لشراء المستلزمات واختيار ما سنتناوله في المساء. والسوق المُغطَّى في وادي موسى هو المكان الذي يوجد به محلات تسوُّق السكان المحليين.

يُرافق المجموعة، ابن عم أنس، وهو مرشدٌ سياحي، يترجم ويتفاوض على الأسعار. تتكدَّس أكشاك البقالة بالمشمش والموز والفراولة والحمص الأخضر الطازج، وجميع أحجام الباذنجان والفلفل والطماطم فضلاً عن أكوامٍ من الزنجبيل. اشترينا خسَّاً وطماطم، وبصلاً، وبطيخةً تفوح منها رائحة حلوة ما يعني أنَّها ناضجة جداً ولا ينبغي تركها على الرف.

بعد ذلك، يتوجهون إلى محل جزارةٍ صغير قريب، يُعلِّق ذبائح الماعز الطازجة الجيدة من أجل إعداد الكباب، كما يقول شعيب. وفي الداخل، أمسك الجزار بساطورٍ مخيف، ليقطع به اللحم من جانب الذبيحة، وبعد ذلك يقطعها شرائح، ويخلطها مع التوابل والبصل ويفرمها. ما يجعلها مثاليةً لشوائنا الليلة.

لا تُعدُّ هذه التجربة الواقعية جزءاً من الجولات السياحة التي يحاول كثيرون القيام بها في الوقت الحالي. فالحرب في سوريا المجاورة جعلت الزوار المُحتَمَلين للمدينة خائفين من القدوم إلى البتراء.

السياحة ليست الحافلات

يقول شعيب: "انخفضت الحركة بنسبة 80% عمَّا كانت عليه قبل الحرب، لكنَّها بدأت في التعافي قليلاً حالياً". يدرك الناس ببطء أنَّ هذا النوع من الجولات برفقة مرشد أفضل بكثير من الجولات العادية.

ويضيف: "السياحة ليست حافلات، وموقع البتراء فحسب، ففي هذه التجربة لديك فرصةٌ للتعرُّف على الناس المحليين. وبدون السُّكَّان المحليين، فهذا مجرد مكانٍ آخر".

مصعب نصرت هو أحد هؤلاء السُكَّان المحلِّيين، وهو خيَّالٌ، وراعي ماعز يقدِّم للزوار رحلةً لمدة نصف يوم في الصحراء، ووجبةً منزلية شهية.

وعلى الرغم من التراجع الذي يشهده عمله، فهو ينبي حالياً ويوسِّع اسطبلاته، أملاً في أن يتحسن عمله مستقبلاً. أساعده أنا في أن يسوس وينظِّف حصانه المُفضَّل، ديناري، وهو فحلٌ كستنائي اللون، قبل الخروج إلى الصحراء للتخييم في العراء. مع غروب الشمس، تُغيِّر السماء والصخور كلَّ ظلٍّ أصفر ووردي وأحمر. تبدأ كلاب الرعاة في الأودية المجاورة بالنباح، في ترنيمةٍ مستمرّةٍ مع حلول الظلام. رويداً رويداً، تنتشر رائحة الدجاج والكباب في الهواء. نتناولها مع السلطة ملفوفةً في الخبز الطازج، ونتناول معها الشاي بالنعناع. أستلقي على ظهري على أحد المفارش، وأستمتع بالتحديق في السماء.  هذا هو الطريق الذي يشهد إقبالاً أقل في السفر إلى البتراء، لكن لا يمكنكم التفكير في طريقةٍ أفضل لتجربته.

علامات:
تحميل المزيد