النضج العاطفي هو قدرة الشخص على إدارة عواطفه وضغوطات الحياة بطريقة صحية عند مقابلتها ضمن تطورات روتين الالتزامات اليومية المعتاد.
وعلى الرغم من أن الكثيرين يعتبرون أنه رفاهية يمكن التنازل عنها، لكنه يلعب دوراً مهماً في العلاقات، حيث يساعدنا على حل النزاعات والدخول في علاقات مرضية وآمنة، ما يساهم في تعزيز جودة الحياة بشكل عام.
وتعرّف جمعية علم النفس الأمريكية (APA) النضج العاطفي بأنه "مستوى عالٍ ومناسب من التحكم العاطفي والذكاء والنضج في القدرة على التعبير والتصرف".
أهمية التمتع بالنضج العاطفي
النضج العاطفي يعني امتلاك القدرة على ضبط النفس لإدارة العواطف والمشاعر بشكل واعٍ والعمل على فهمها. وكفرد ناضج عاطفياً، هذا يعني ألا تنظر إلى العواطف على أنها ضعف. بدلاً من ذلك، أنت تقدّر مشاعرك ومشاعر الآخرين ولا تحاول إخفاءها.
ويشير الاعتراف بالمشاعر والتعلم من التجارب السابقة إلى أن ذكاءك العاطفي قوي وموزون. ويعد النضج العاطفي عملية مستمرة؛ إذ لا يمكنك أن تصبح ناضجاً عاطفياً في غضون أسبوع وتحمل هذا اللقب طوال الحياة.
يتطلب الأمر جهداً وإصراراً مستداماً لمواصلة النمو في مختلف مراحل الحياة.
ما هي الخصائص الرئيسية للنضج العاطفي؟
1- تحمل المسؤولية
يدرك الأشخاص الذين يتمتعون بالنضج العاطفي ما يتمتعون به من مميزات ومسؤوليات في العالم، وبالتالي سيحاولون اتخاذ خطوات نحو تغيير سلوكهم إذا ما عانوا من أية مشكلات. وهذا يعني عدم لوم الآخرين عندما يحدث خطأ ما.
كذلك فهم يتمتعون بالتواضع والقناعة، وبدلاً من الشكوى من الظروف، يكون الشخص عملياً وواقعياً ويجتهد دوماً لتحسين الوضع.
2- إظهار التعاطف والتفهُّم للآخرين
يتعامل الأفراد الناضجون عاطفياً مع الحياة من خلال القيام بأكبر قدر ممكن من الخير ودعم من حولهم. بمعنى آخر، غالباً ما يشعرون بمزيد من الاهتمام بالآخرين ويحاولون إيجاد طرق للمساعدة.
3- تحمل مسؤولية الأخطاء
الشخص الناضج عاطفياً يعرف كيف يعتذر عندما يخطئ، ويحاول بإصرار إيجاد طرق لتصحيح الوضع. كذلك لا يعاني من الرغبة في أن يكون على صواب طوال الوقت، وبدلاً من ذلك، يقر بأنه ليس لديه "جميع الإجابات والحلول".
4- عدم الخوف والحرج عند إظهار الضعف
الشخص الذي يتمتع بالنضج العاطفي دائماً ما يكون لديه استعداد للانفتاح ومشاركة معاناته ومشاعره الخاصة بأريحية حتى يشعر الآخرون بوحدة أقل وبالتآزر والدعم. وهو لا يكون مهتماً بأن يُنظر إليه على أنه "مثالي" طوال الوقت.
فالنضج العاطفي يعني الصدق بشأن المشاعر، وبناء الثقة مع الآخرين، لأنه لا يملك أجندة أو نوايا سرية من وراء العلاقات.
5- معرفة الاحتياجات الشخصية وقبولها
يمكن لأولئك الذين يمتلكون نضجاً عاطفياً الاعتراف عندما يحتاجون إلى المساعدة أو عندما يكونون في حالة إرهاق. على سبيل المثال، ستقر عندما تحتاج إلى استراحة وتعرف متى تطلب من رئيسك قضاء يوم عطلة.
يمكن أيضاً للشخص الناضج عاطفياً التواصل بوضوح مع شريك حياته وأصدقائه والأفراد المقربين منه للحصول على مزيد من المساعدة عند المعاناة من الضغوطات والإرهاق.
6- معرفة كيفية وضع حدود صحية
وضع حدود صحية هو شكل من أشكال حب الذات والاحترام وحماية النفس من الإجهاد وهدر الطاقة. وبالتالي عندما تتمتع بالذكاء والنضج العاطفي فأنت تعرف كيف ومتى تضع خطاً ولا تسمح للآخرين بتجاوزه.
على سبيل المثال، إذا كان أحد الزملاء يقلل من شأنك أو يحبطك ويسرق مجهودك في العمل، فلن تدافع عن ذلك، وستعمل على تصحيح الوضع.
7- المرونة وتفتح الذهن
من السمات المهمة الأخرى للفرد الذي يتمتع بالنضج العاطفي أنه ليس جامداً في تفكيره ومتزمتاً في آرائه؛ فالحياة صعبة بطبيعتها، والشخص الناضج عاطفياً يستجيب لتحديات الحياة بعقل منفتح ومبدع.
8- القدرة على تكوين علاقات آمنة وصحية
من العلامات المهمة لمن يتمتع بالنضج العاطفي القدرة على الحفاظ على علاقات صحية وآمنة مع الآخرين. وغالباً ما يتم الحصول على هذا بسهولة أكبر لدى الأفراد الذين طوروا أسلوب ارتباط آمن، أو ما يُعرف بالتعلُّق الآمن.
ويشير التعلق الآمن إلى الشعور العميق بالثقة والأمان والتواصل الذي يطوره الأفراد خلال سنواتهم الأولى، من خلال تقديم رعاية متبادلة لبعضهم.
بالطبع، يعتمد أسلوب التعلق الآمن إلى حد ما على نوع الرعاية التي قدمها الأبوان للشخص في مرحلة الطفولة. ولحسن الحظ، وجدت الأبحاث أن تطوير أسلوب ارتباط أكثر أماناً في وقت لاحق من الحياة أمر ممكن أيضاً.