لا بد أنك شعرت مرة بألم في معدتك عندما سيطر عليك التوتر بانتظار خبر ما، أو أن جرعة من الدم فجأة تدفقت إلى الوجنتين بعد شعور مباغت بالخجل أو الإحراج وارتفاع بسيط في درجة حرارة الجسم. هذه الظواهر التي يختبرها الجميع ما هي إلا تجليات للمشاعر في مناطق مختلفة من جسم الإنسان، والتي حدد العلماء مواقعها عبر خريطة الجسم العاطفية.
وبنفس الطريقة التي يسبب بها القلق والاكتئاب أعراضاً جسدية، يمكن أن "تشعر" بأن المشاعر تتجمع في جزء واحد أو أكثر من أجزاء جسمك: فالمشاعر هي طريقة البشر الأساسية للتفاعل مع العالم، ومع ذلك لا يتوقف الكثير عندها.
قد لا يكون رسم خريطة الجسم العاطفية حلاً ملموساً للجميع، ولكن إذا احتجت يوماً ما إلى المساعدة في فك رموز مشاعرك فقد تُشكل هذه الخريطة دليلاً مساعداً.
خريطة الجسم العاطفية
الجسم والعقل مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، وأي شيء يشعر به العقل يشعر به الجسد أيضاً، والعكس صحيح.
وعبر تعلم مكان تجلي الشعور في الجسد، يمكن أن تتعلم التخلص منها بوعي.
يساعد التواصل مع الجسد بهذه الطريقة على فرز العديد من المشكلات العاطفية التي تزعجنا جميعاً من وقت لآخر.
يقول الخبير الحسابي والإحصائي لدراستين حول رسم خرائط الجسم، إنريكو جليريان، إن الباحثين "يجمعون المزيد من البيانات لكن التجارب لا تزال جارية، لذلك من المبكر جداً حسم النتائج الأولية".
في دراسة أجريت عام 2014 بواسطة جليريان وزملائه، وجدوا 13 عاطفة تتجلى في الجسد: السعادة، والغضب، والخوف، والاشمئزاز، والحزن والمفاجأة والقلق والحب والاكتئاب والازدراء والفخر والعار والحسد. واستطاعت الدراسة أن تربط أجزاء الجسم المعنية التي تنشطها هذه المشاعر أو لا تحفزها.
لإنشاء خريطة الجسم العاطفية طلب فريق البحث من 701 شخص تلوين المناطق التي شعروا فيها بزيادة أو نقصان النشاط على صورة ظلية للجسم أثناء تفاعلهم مع المحفزات المختلفة، مثل ما نتعرض له في الحياة الواقعية- مقتطفات من الأفلام والمحادثات وتعابير الوجه المفاجئة.
وكانت إحدى أكثر نتائج الدراسة إثارة للدهشة هي الاتساق الذي وجده الباحثون عبر الثقافات الشرقية والغربية، إذ شملت الدراسة متطوعين من فنلندا والسويد وتايوان.
هذا التطابق يؤكد على عدم وجود علاقة بالخلفية الثقافية للإنسان، بل إن هناك أساساً بيولوجياً لهذه الاستجابات الجسدية المتعلقة بالعواطف، بحسب ما نشر موقع The Atlantic.
علاوة على ذلك، في دراسة أجريت عام 2018، تبين أن شدة المشاعر مرتبطة ارتباطاً مباشراً بشدة الأحاسيس العقلية والجسدية. هذا يعني أنه كلما شعرت بالعاطفة في جسدك أقوى كانت أقوى في عقلك.
ولم يكتفِ الفريق عند هذا الحد، ففي عام 2019، بذلوا قصارى جهدهم لرسم خريطة مذهلة لـ100 شعور مختلف، حسب ما نشر موقع مجلة Discovery العلمية.
انقسمت المشاعر إلى هذه الفئات:
- الإدراك: مثل التفكير والمنطق
- الإدراك الحسي: مثل الرؤية والسمع
- حالات الاستتباب: والتي تعني الوظائف الجسدية مثل الجوع والعطش
- العمليات الفسيولوجية: مثل النوم والتنفس
- المشاعر المرتبطة بالأمراض: مثل السعال والحمى
- والمشاعر المرتبطة بالاضطرابات النفسية: مثل الاكتئاب والقلق
لم تكن بعض الأماكن مفاجئة: شعر المتطوعون بالجوع في المعدة والعطش في الحلق، والتفكير والتذكر في الرأس.
لكن بعض المشاعر الأخرى كان لافتة، إذ بدت المشاعر الإيجابية للامتنان والعمل الجماعي والعواطف السلبية بالذنب واليأس متشابهة بشكل ملحوظ، حيث تم تحديد المشاعر في القلب بشكل أساسي، يليها الرأس والمعدة.
أما الشعور بالهوس والإرهاق، وهما شعوران متعارضان، فشعر بهما المتطوعون في جميع أنحاء الجسم.
كيفية العثور على المشاعر
تقول المختصة في التجارب الجسدية تانمايا جورج لموقع Medium: "في بعض الأحيان تكون العواطف دقيقة جداً، لدرجة أن تكوين المفردات لوصفها يستغرق وقتاً".
للعثور على المشاعر في جسمك بشكل فعال، تحتاج إلى التمهل قليلاً، وهو إجراء يشبه الفحص الذهني للجسم. وبمجرد أن تكتشف مكان هذه المشاعر القوية، عليك أن تتعلم التخلص منها.
كيف تتخلص من تأثير المشاعر على الجسم؟
بدورها تقدم الأخصائية الاجتماعية ومؤلفة كتاب "الأمر ليس دائماً الاكتئاب" نصائح عندما تهيمن العواطف على جزء معين من الجسم، مثل القلق في المعدة.
تقترح، في هذه الحالة، ضبط المعدة عن طريق التنفس بعمق وإرسال المزيد من الطاقة هناك. وقالت إن "التنفس العميق للبطن يحفز العصب المبهم، والعصب المبهم هو العصب الذي تثيره المشاعر، والذي يمر عبر كل عضو في الجسم. عندما نتنفس بعمق فإنه يحفز الجزء المهدئ من العصب المبهم. عن طريق التنفس خمس أو ست مرات يشهد الإنسان التغيير".
؟أين تتجلى المشاعر في الجسم
باستخدام الألوان الدافئة والباردة، تعكس خريطة الجسم العاطفية تجربة الأشخاص الجسدية للعاطفة.
وكما تشير هذه الصور، فإن الشعور بالسعادة زاد من النشاط في جميع أنحاء الجسم، وخاصة في منطقة الصدر والرأس. وأشارت الدراسة إلى أن هذا قد ينعكس في زيادة معدل ضربات القلب والتنفس.
في المقابل، تم تمييز مشاعر الاكتئاب باللونين الأسود والأزرق، وتعكس الألوان الباردة انخفاضاً عاماً في الاستجابات الجسدية.
أنتج تمرين رسم الخرائط ما يلي:
- الشخص السعيد يبدو وكأنه يضيء من خلال أصابعه وقدميه.
- الشخص الغاضب يبدو وكأن رأسه يشتعل.
- الشخص المكتئب يبدو باللون الأزرق حرفياً (بمعنى أنه شعر بقليل من الإحساس في أطرافه).
- الشخص الفخور يشهد ارتفاعاً في درجة الحرارة عند الرأس والأكتاف وأعلى اليدين.
- الشخص المشمئز يشعر بارتفاع حرارة وتوهج في حلقه نزولاً إلى معدته.
- الشخص الخائف يشهد ارتفاعاً في حرارة أحشائه وتحديداً حول منطقة القلب.
- الشخص القلق يشعر بحرارة حول منطقة رقبته وصدره نزولاً حتى معدته.
- الشخص المحب يشعر بتوهج من رأسه حتى حوضه مروراً بقلبه ويديه.
- أما الشخص الذي يشعر بالخزي مثلاً فيشعر بحرارة حول العينين وبرود في اليدين والرجلين.
العقل البشري متجسد في كل مكان
من الجدير بالذكر أن الأحاسيس الجسدية لم تكن تؤدي لتدفق الدم أو الحرارة أو أي شيء آخر يمكن قياسه بشكل موضوعي، بل استندت فقط إلى الوخزات الجسدية التي قال الأشخاص أنهم عانوا منها أو شعروا بها.
كما لاحظ المؤلفون أنه عند قياس المشاعر من الناحية الفسيولوجية، فإنها تسبب فقط تغيراً طفيفاً في معدل ضربات القلب أو درجة حرارة الجلد.
وكشفت النتائج عن التصورات الذاتية حول تأثير حالتنا العقلية على الجسم، وهي مزيج من ردود الفعل العضلية والحشوية واستجابات الجهاز العصبي التي لا يمكن التفريق بينها بسهولة.
على سبيل المثال، قد لا يتجلى الشعور بالغيرة في الوجوه باللون الأحمر حرفياً، ولكن صاحبه يشعر بفوران دمه بالتأكيد، وقد يبدو على وجهه واحمرار عينيه بعض من تلك المشاعر.
وكما قالت المؤلفة المشاركة في الدراسة ريتا هاري: "حصلنا على أدلة قوية تظهر أن الجسم يشارك في جميع أنواع الوظائف المعرفية والعاطفية. وبعبارة أخرى، فإن العقل البشري متجسد بقوة".