هل هناك ما يسمى “مشاعر سلبية” أم إدارتنا لها هي السلبية؟ دعوة لفهم نفسك

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/13 الساعة 12:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/13 الساعة 12:54 بتوقيت غرينتش
تعرف على كيفية إدارة مشاعرك/Istock

اتفقنا في المقال السابق على أهمية المشاعر، وأننا حين نتجاهلها لا تموت ولا تنتهي، بل تظل مخزنة بداخلنا، وتؤثر كثيراً في ردود أفعالنا نحو أحداث جديدة لا علاقة لها بالمواقف القديمة التي أنتجت تلك المشاعر المخزنة.

"كيف تتخلص من المشاعر السلبية".. عنوان يبدو براقاً ولامعاً، لا أحد يريد أن يشعر بمشاعر مثل القلق والحزن واليأس والإحباط والغضب والكثير من المشاعر المكروهة، كأن شعور المرء بالحزن هو خطر داهم يجب ألا يحدث أبداً.

دعونا نفكر معاً بصوت عالٍ، هناك قاعدة أنه لا يوجد شيء زائد في هذا الكون، لا توجد مشاعر لا وظيفة لها، مصدر الخطر ليس المشاعر، الخطر الحقيقي في عدم التوازن.

وعدم التوازن يحدث حين نغرق في المشاعر وتشل حركتنا في الحياة، أو حين نتجاهلها، فتُخزن داخلنا وأيضاً تشل أو تُبطئ حركتنا في السعي، وأحياناً تجعلنا نسلك طرقاً لا نحتاج إليها ولا نريدها.

ما الذي يجعل الأشياء لها قيمة؟ ما الذي يجعلنا نعتني بمن نحبه أو نخشى فقده؟ ما الذي يجعلنا نحافظ على ما نحب أو من نحب؟ ما الذي يجعلنا نحزن على تضييع أهداف نسعى لها؟ أننا لا نريد أن نحزن؟

إنه الحزن، فنحن نشعر بالحزن حين نفقد ما نحبه من أشياء أو من نحبه من أشخاص في حياتنا، إذاً الحزن يجعل الحياة لها قيمة، ولكن إذا زاد الحزن فالحياة كلها تصبح بلا قيمة، وتجاهل الحزن يجعلنا نتمسك بأشياء ليس لها قيمة في حياتنا لمجرد "الخوف" من الحزن.

الخوف ذلك الشعور الذي يحمينا من التعرض للخطر، فأنا أخاف على نفسي وصحتي وأهلي وعملي وكل ما هو مهم. في حالة وجود تهديد حقيقي أبدأ في الاستعداد لحمايتهم من الأخطار، ولكن إذا كان التهديد غير حقيقي أو الخوف غير متناسب مع الموقف فكأني هربت من القطة باعتبار أنها أسد، ويصبح كل شيء ولو بسيطاً مخيفاً مما يعوق استمرار الحياة.

الشعور بالذنب يأتي حين أخالف معتقداتي وقيمي التي آمنت بها واخترتها بنفسي، وهو شعور مؤلم جداً حين لا يكون في موضعه، ونبدأ في ممارسة الجلد الذاتي عن كل خطأ يستحق أو لا يستحق. يجب علينا دوماً حين نشعر بالذنب أن نسأل أنفسنا هل ذلك الشعور حقيقي فعلاً لأني خالفت ما أومن به؟ وماذا كانت نيتي وأنا أقوم به؟

فلا راحة أبداً في سماع صوت اللوم والتأنيب عند كل موقف، وإن حدث خطأ غير مقصود فنحن بشر محدودو القدرة، فعلينا فقط أن نتداركه ونفهم أبعاده جيداً ونتعلم منه حتى لا نكرره.

اليأس أو الإحباط، لولا الشعور بهما لما وُجد الابتكار والإبداع، فحين نصاب باليأس يكون إشارة على أن هذا الطريق أياً كان فهو مسدود لا طائل من المضي قدماً فيه ربما، فعلينا أن نبحث عن طرق أخرى بديلة وحلول مبتكرة للمشاكل التي تواجهنا.

الغضب الذي يقوم بمهمة حماية الحدود الخاصة بنا وألّا يؤذينا أحد، فلولاه لكانت تلك الحدود منتهكة ومستباحة. نحن نغضب حين نتعرض للأذى، ولكن مع الغضب الزائد يصبح الشخص منفراً لمن حوله، فحين نتعرض للأذى نشعر بالغضب، وتلك الطاقة الزائدة هي التي تحركنا لنحافظ على حقوقنا وندافع عن أنفسنا.

التوتر والقلق، لا بأس من بعض التوتر والقلق على مستقبلنا قبل الامتحان ليكون حافزاً على المذاكرة أو التطوير من مؤهلاتنا لسوق العمل، ولكن بالقدر الذي لا يشل حركتنا.

ومما سبق يتضح أن هناك الكثير من المشاعر التي يطلق عليها سلبية، ولكن الحقيقة أن طريقة إدارتنا لهذه المشاعر هي السلبية.

إن الخطوة الأولى لإدارة المشاعر بطريقة سليمة هي قبولها واحترامها وتقبل وجودها والاستماع إليها، فهي دوماً تحمل رسالةً ما، إما أن تكون غير متناسبة مع الموقف نتيجة تفسيرنا له بطريقة خاطئة فنحتاج إلى مراجعة أفكارنا، أو متناسبة معه ويجب اتخاذ سلوك مناسب للموقف والمشاعر الناتجة عنه.

ومع الأسف وجدت أننا قد نتمسك بأشياء لا قيمة لها أو أشخاص مسيئين، لأننا نخاف من الفقد أو الهجر، حينها تكون المشاعر مدارة بطريقة سلبية، أما إذا أخذناها على نحو إيجابي فسنجد أننا لو كنا لن نحزن أو نغضب لسرقة بيوتنا أو الاعتداء على حرماتنا فلن نهب للدفاع عنها، حينها يكون الحزن والخوف والغضب أموراً جيدة.

وأخيراً، المشاعر لا تأتي لتفسد سعادتنا، المشاعر تأتي لتحسين جودة حياتنا، لنكون أكثر قدرة على معرفة احتياجاتنا والطرق المناسبة لنا لسدها.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رانيا ضياء
كاتبة مصرية مهتمة بالعلاقات الأسرية
حاصلة على دبلوم العلاج المعرفي السلوكي من المؤسسة المصرية للعلاجات المعرفية، أعمل في مركز أبسال لتنمية المهارات الحياتية والتربوية بالإسكندرية
تحميل المزيد