حتى لو اعتبروك “حساس بزيادة”.. لماذا لا يجب أن تخجل من مشاعرك

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/04 الساعة 11:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/04 الساعة 11:48 بتوقيت غرينتش
لماذا لا يجب أن تخجلي من مشاعرك

اتفقنا في المقالات السابقة على أن العلاج المعرفي السلوكي يتعامل مع الإنسان على أنه مشاعر وأفكار وسلوك، وأن الأفكار هي تلك النظارة التي نرتديها لنفسر بها المواقف والأحداث التي نمر بها في حياتنا، وشرحت بإيجاز أخطاء التفكير الأكثر شيوعاً.

بين المشاعر والأفكار

اليوم أود أن أتكلم عن المشاعر وهو الجزء المفضل لي دوما في كل المدارس العلاجية، إذ أشعر أن المشاعر هي الأصدق دوماً، الأفكار والمعتقدات كثيراً ما تتأثر بالتربية والمجتمع المحيط وسطوته، بل أجزم أن معظمها تتكون في سنوات التربية الأولى، أما المشاعر فلا يستطيع أحد مهما كانت سطوته أن يجعلنى أشعر بمشاعر لا أشعر بها، دوماً هناك ولو حتى صوت خافت يشعر بشيء ما ونحن من نقرر أن نتجاهله تماماً أو أن نستمع إليه.

أحيانا تتأثر المشاعر بالأفكار طبعاً، وتغير من تفسيرنا للمواقف، فنشعر بالحزن أو الغضب فى مواقف لمجرد أن النظارة الخاصة بنا قد فسرته لنا هكذا، ولكن قد تكون الأفكار من أخطاء التفكير وتفسيرنا لها خاطئ لكن مشاعرنا الناتجة من ذلك صادقة.

أكبر مثال في مجتمعنا اليوم هو الفتاة التى تتعرض للإيذاء سواء جسديا أو لفظيا، والجدل حول الإبلاغ عن المتحرش، فهي ضحية ولها حقوق، ولكن نتيجة الأفكار المجتمعية أن الفتاة هي المخطئة والضغوط المستمرة عليها، تشعر الفتاة بالخزي ويشعر أهلها بالعار بدلاً من الغضب وطلب حقها.

مشاعر الفتاة حقيقية تماماً؛ هي تشعر بمشاعر الذل والانكسار والخزي من نفسها بدلا من الشعور بالغضب من المذنب، وذلك بسبب أخطاء التفكير مثل "العزو الداخلي": (أنا السبب) أو "الأحكام": (أكيد ملابسها لم تكن مناسبة).

هل هناك فرق بين المشاعر والأحاسيس؟

ونخلط بين المشاعر والأحاسيس الجسدية كثيراً، تأتي الأحاسيس الجسدية لتدلنا على احتياج جسدي، مثل الشعور بالتعب أو الجوع أو العطش، وتنتهي الأحاسيس فور تلبية الاحتياج مثل الشرب أو الطعام أو النوم، أما المشاعر فتدلنا على احتياج نفسي مثل الشعور بالخوف أو القلق أو التوتر أو الفرح أو الشعور بالإنجاز.

المشاعر كثيرة جداً لا تقتصر فقط على المشاعر المتداولة بيننا، بل هناك ما يسمى "دائرة المشاعر"، والتي أود أن أقوم بتوزيعها على الناس جميعا لنستطيع أن تساعدنا فى معرفة ذواتنا الحقيقية والاستمتاع بالتواصل الحقيقي مع أنفسنا.

وأتفهم تماما لماذا يهرب الناس من المشاعر؛ أيضا لقناعات خاطئة ومعتقدات توارثتها الأجيال أن من يسير وفقا لمشاعره فهو هالك لا محالة! الجدير بالذكر أنه لا يوجد فى التعليم النفسي أن نسير وفق مشاعرنا فقط أو أفكارنا ومعتقداتنا أو سلوكنا المعتادين عليه، بل نحن نبحر في رحلة داخل أنفسنا لنتعرف عليها ونعيش وفق معزوفة موسيقية خاصة بنا نحن وفى حالة توافق مع المجتمع المحيط.

أهمية المشاعر

ومن خلال ما تعلمته وكذلك من تجربتي الخاصة، أرى أن المشاعر لها سمعة سيئة، ويحذرنا منها الكثيرون، بل أحياناً تعتبر عيباً قاتلاً في الرجل أن يتكلم عن مشاعره فيكون ضعيفاً كالأنثى ويفقد رجولته، وتتهم الأنثى أنها لاعقل لها فهي دائمة التأثر بمشاعرها وتنجرف وراءها وكأن المشاعر وصمة عار، يرفضونها فنخاف من مجرد أن تهب بعض نسائم الحزن أو الإحباط، ونسارع بغلق جميع الشبابيك والأبواب، ونرفض تماماً هذه المشاعر أو أن نسمع للرسائل التي تحملها.

كمثال بسيط من الحياة هل ستنتقل بذور اللقاح في الهواء بدون رياح؟ كيف ستُلقح النباتات الأنثى وتفتّحها إذا لم تنتقل عبر الرياح؟ هل تتحرك السفن في المحيطات بدون حركة الرياح؟ بالطبع لا، وهكذا المشاعر؛ إنها تلك الرياح التى تأتي لوظيفة مهمة قد لا نعلمها، ولكن حين نستقبلها ونستمع إليها من دون مخاوف سنعلم حتماً أهميتها.

تأتي المشاعر لتخبرنا بشيء ما، تهمس به في آذاننا بصوت منخفض، ولكننا نتجاهلها تماما ونبدأ في اتخاذ سلوكيات بديلة فقط حتى لا نشعر بها، ونهرب، ويطلق عليها "السلوكيات التعويضية" -سنتطرق إليها لاحقا بإذن الله-.

ونظن أنها رحلت وتؤكد كل العلوم الحديثة والتجارب أن المشاعر لا ترحل بالتجاهل، بل تتخذ مكانا تسكن فيه بداخلنا، وتكبر وتنمو حتى نفاجأ بتغيرات لا نعرف سببا لها؛ كطفل صغير ظل يبكي ليالي طويلة دون أن يسمعه أحد حتى فقد النطق ومات بداخلنا، فنفقد ما يطلق عليه "طفلنا الداخلي"، أو يثور ثورات عنيفة لا نستطيع السيطرة عليها ونفقد زمام التحكم فى الأمور ويصبح "طفلنا المجروح" الذي تجاهلناه طويلاً، وهو قائد المرحلة، التي تسمى أحيانا نزوات وطيش، وفي الحقيقة إنما هي دَين مشاعر يجب سداده.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رانيا ضياء
كاتبة مصرية مهتمة بالعلاقات الأسرية
حاصلة على دبلوم العلاج المعرفي السلوكي من المؤسسة المصرية للعلاجات المعرفية، أعمل في مركز أبسال لتنمية المهارات الحياتية والتربوية بالإسكندرية
تحميل المزيد