المثالية والانتقاء والقطبية وغيرها.. أبرز أخطاء التفكير التي قد تدمر حياتك

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/30 الساعة 10:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/30 الساعة 10:28 بتوقيت غرينتش
أخطاء التفطير التي قد تدمر حياتك

استكمالاً لموضوع العلاقات، والحديث عن أهمية دور العلوم الإنسانية في إمداد الناس بمعلومات بسيطة تساعدهم لجعل الحياة أسهل وأن يدوم الحب والوفاق بينهم، فإن العلاقات الإنسانية بين البشر تعقدت في ظل الثورة الإلكترونية وتصاعد صيحات الاستقلالية والوحدة بسبب صعوبات التواصل بين أفراد الأسرة وبالتالي المجتمع، وإصرار كل طرف على الوقوف على الجانب الآخر منتظراً أن يتغير العالم من أجله.

فسنتحدث عن أخطاء التفكير، تلك النظارة التي نرتديها دوماً ونرى بها كل المواقف ونترجمها داخل أدمغتنا إلى أفكار ومشاعر، ومع تكرار المواقف ورؤيتها بنفس النظارة والحكم عليها تتكون معتقدات راسخة بداخلنا تتحكم فينا دون أن نراها.

البداية كانت حين سكبت الحليب على الأرض فتم الحكم عليّ بأني طفل مهمل، وأظل أتعامل طوال حياتي مع الأحداث والظروف بهذا الحكم أو التعريف لأن مع كل موقف متكرر أفسر هذا الموقف بأني مهمل، وهكذا ألبس نظارة أول خطأ تفكير وهو (إطلاق الأحكام)، أنا مهمل ولكن الحقيقة أني في هذا التصرف قد أكون تصرفت بإهمال نعم ولكني أستطيع أن أتعلم عدم تكراره.

لماذا حصلت على 8 من 10 في الامتحان؟ لماذا لست الأفضل في الرياضة؟ لماذا لست من الأكثر أدباً وأفضل علماً؟ فالمجد والاحترام للأفضل والأحسن. الصراع المستمر للحصول على البيت المثالي والأطفال المثاليين والعمل المثالي لأصبح الشخص المثالي والأفضل، وها هي ثاني نظارة (المثالية)، فإذا لم تكن الأفضل وصاحب المركز الأول فلا مكان لك في هذا العالم، ستنضم فوراً إلى عالم الفاشلين المحطمين في الدرك الأسفل من الحياة، حيث لا مكان للمتوسطين ولا مكان للجيدين ولا مكان للمجتهدين ما دامت النتيجة ليست مثالية.

(الكمالية والمثالية) في كل موقف وكل تصرف تعني أن تكون على صواب دائماً وألا تخطئ أبداً، وإلا فسيتم نفيك إلى الطرف الآخر من الحياة. ونظل هكذا في سباق محموم لا نعيش الحياة حتى نصل إلى محطة النهاية فجأة، ولم ولن نصل إلى الكمال، ولكنك تلبس تلك النظارة دوماً وتقيس بها مدى نجاحك في أي عمل أو مهنة أو علاقة، وإذا لم تكن الشخص المثالي الأول فأنت في زمرة الفاشلين.

وتكتشف أن هناك نوعين ممن يرتدون نظارة الكمالية: شخص دقيق جداً جداً يحاسب نفسه محاسبة عسيرة تفقده لذة الحياة، وآخر يبتعد تماماً عن مسرح الحياة ويرفض النزول إلى أرض الملعب وممارسة دوره في الحياة، لأنه يرى نفسه ليس كافياً ولا يستحق الوجود، فقط لأنه ليس الأفضل.

"نحن نسعى إلى الكمال، لكن لا نصل إلى الكمال".

المثالية والكمالية هي حلم مزيف صُدر إلينا من عالم الشاشات واللقطة الواحدة. و(الانتقاء السلبي)، النظارة المكبِّرة التي يرى بها الجميع أخطاءنا بهدف التشجيع والتحميس للأسف، ونرتديها نحن دوماً ولا نرى الأشياء الناقصة أو الأخطاء التي نقوم بها أو يقوم بها الآخر، ولا نرى الجيد أو الإيجابي، وتصحبنا هذه النظارة في الحكم على أنفسنا وعلاقاتنا وزوجاتنا وأولادنا وتصبح قدرتنا على رؤية الناقص والأخطاء متزايدة فنحس بالتعاسة دوماً.

مثلا: لقد قمت بأداء واجباتي جميعاً، قالها الطفل مبتهجاً فخوراً، وإذا بالرد "نعم، ولكن في وقت طويل"، لقد حصلت على أول مرتب لي، "لكن هل يكفي هذا المرتب شيئاً؟"، استطعتُ أن ألعب ببراعة، "نعم ولكن لم تحرز هدفاً واحداً"، وهنا نرى (بخس الإيجابيات)، فهو ينتقي السلبي ويراه بنظارة معظمة ويبخس الإيجابي ولا يراه.

(القطبية) نظرية الأبيض والأسود، لا مكان للرمادي أو أي ألوان أخرى، إما أن يكون الجميع حولي أو أنا وحيد، إما أن تكون الحياة كلها بخير وتسير وفقاً لرغباتي ورؤيتي وإلا فأنا تعيسة للأبد، إذا لم يحببني كل زملاء العمل والجيران فأنا غير محبوب، وإذا لم يوافق الكل على وجهة نظري فهم جهلاء، وإذا لم تتفق مع والديك في كل المواقف فأنت ابنٌ عاق.

(التعميم)، البس نظارة موحدة لكل المواقف وكل الأشخاص (الرجال جميعهم خائنون)، (الأغنياء لصوص)، وهكذا، لا أحكم على المواقف أو الأشخاص من الواقع الحالي ولكن من خلال نظارتي في التعميم، فإذا حدث أن قابلتُ صديقة لم تحفظ أمانتي أو دخلت في علاقة ولم تنجح، فأخرج بنتيجة أن كل الأصدقاء خائنون، وأعممها في جميع علاقاتي. وأثبتت التجارب أن من يرتدي تلك النظارة حقيقة لن يقابل فعلاً إلا الخائنين فهو يركز عليهم.

هذه بعض أخطاء التفكير، التي حين أرتدي نظاراتها دوماً في كل الأحوال بغض النظر هل هي مناسبة للواقع أو صحيحة، فإنني أصل إلى نفس النتيجة ويحدث التباعد والتنافر في العلاقات، أو تنخفض جودة الحياة ونبدأ في رحلة بحث عن السعادة ولا نجدها، وننسى أننا نرتدي نظارات تحجب الرؤية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رانيا ضياء
كاتبة مصرية مهتمة بالعلاقات الأسرية
حاصلة على دبلوم العلاج المعرفي السلوكي من المؤسسة المصرية للعلاجات المعرفية، أعمل في مركز أبسال لتنمية المهارات الحياتية والتربوية بالإسكندرية
تحميل المزيد