كيف تنتشل نفسك من قاع هزائمك وتنتصر في معاركك الخاصة؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/25 الساعة 11:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/25 الساعة 11:43 بتوقيت غرينتش
كيف تنتشل نفسك من قاع هزائمك/ istock

خُلق الإنسان في كبدٍ عظيم، يدخل غمار المعارك محارباً منذ معركة وجوده الأول، عندما حارب مع أمه لينفصلا من رباطهما المقدس، لينسلخ عن كيانه الوحيد وملاذه الآمن ليبتلع الهواء لأول مرة ويستقبل النور ويجرب الفراق ولوعته، وهي الحرب التي يخرج منها منفرداً عارياً صارخاً وينتصر فيها انتصاره الأول عندما يتعلم كيف يتكيف وينتمي للمجهول الجديد.

ثم تتوالى المعارك ليستكشف كيف ينتقل من النقطة ألف إلى النقطة باء، زحفاً ثم مشياً وقفزاً، ويلملم أسنانه المنزوعة ليلقيها في عين الشمس وينتظر المعجزة، سينفخ حذراً في الزبادي بعدما قهرته حرارة الحساء في اليوم السابق، وسيرسم طلاسم ممزوجة بأصوات تتكون منها الكلمات، ثم تكتسي بالمعاني، ويُنشئها الله خلقاً آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين.

ستكون أشد المعارك وطأة عندما يعرف أن له قلباً، وأن هذه المضغة السحرية فيها نجاته أو هلاكه، وأن مخلوقاً بائساً كان قد خرج منذ الأزل من رحمة الله الواسعة، وأن هذا العدو اللئيم قد وهب نفسه لغوايته وتضليله، وأنه متربص عنيد لا يفتُر عن إيذائه، فيصول ويجول ويهدد ويتوعد لينتصر أحياناً ويغرق في جوف الهزيمة أحياناً أخرى.

للهزائم لون قاتم وطعم ثقيل، يعيش الإنسان عمره متطلعاً لانتصارات صغيرة تعينه على الصمود، ويظل يدخر في قلبه مرارة الانكسار ونشوة النصر، ثم يدرك أنه ما زال في أول الطريق، وأن خارج ذاته الضيقة توجد معارك أعظم، وأن قَدَره أن يتعلق بقطبي السعادة والحزن طوال حياته.

ربما كانت شفرة حب الانتصار راسخةً في كيان الإنسان منذ استوطن الكهوف، وأخذ يرسم نفسه منتصراً على أعدائه ليطمئن وتسكن روحه القلقة من قسوة العالم خارج أسوار الكهف الآمن، ولذا يكتشف الإنسان معنى الوطن تدريجياً، يستوطن الحب قلبه فيدرك وجهاً من وجوه الوطن، يعبئ الحنين صدره، فيتعلم نبذة عن طعم الوطن، يبني بيتاً فَيكَوّن صورة عن شكل الوطن، وكلما ازداد وعيه وإدراكه خرج من ساحة داره إلى رحابة معنى أن ينتمى لأرض ينبت فيها ويعود إليها، أن يمتزج بجذوره التي خلق من أديمها وصوره الله من طينتها، أن يكون لك وطن معناها أن يكون لك ظل على الأرض ونقش على الجدار وأثر يبقى بعد الرحيل.

ولأن الدنيا لا تستقر على حال، ولأن الأيام دول، والحياة دوارة فكثيراً ما يقع الوطن فريسة أهله أو يصير كلأً مباحاً للآخرين، حينها يكتمل نصاب الحزن للجميع وتستثار شفرة النصر التي سكنت دماء من يعرفون قدر الإيمان بالأوطان، ويطاردون شبح الهزيمة بانتصارات متعددة، فيحاربون الجهل حيناً ويقتلون الفساد عمداً ويزرعون الثمار دأباً ويعلمون الصغار حباً.

إذا صحت قلوب العباد فإنهم ينتصرون بوعد من الله "إنْ تَنْصُروا اللَّهَ يَنْصُرْكُم"، فيكون العيد عيد عيداً، وتتسع الأرض لضحكات من يزحفون ويلونون ويبتهجون بالحلوى، ويتطلعون للغد القادم أو جمال ذكريات مَن ملأوا الأرض عملاً وخبزاً طازجاً وقصاصات من تركوا الصفوف واستعدوا للرحيل. وأخيراً، لأوطاننا سلامٌ قولاً من رب رحيم، ولطرقاته الجمال، ولأبنائه الأمان والسكينة والسلام.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إيمان الهواري
مدونة وفنانة تشكيلية
أستاذ مساعد بكلية الفنون التطبيقية الجامعة المصرية الروسية
تحميل المزيد