يزداد عدد الأشخاص الذين يتحدثون عن فوائد الحميات الغذائية النباتية واختيار بدائل للبرغر التقليدي، على أن تكون خالية من المواد الحيوانية. وفي ظل هذا، يحتلّ البروتين النباتي مكاناً على طاولة الطعام إلى جانب نظيره المشتق من مصادر حيوانية. وهو ما قد يجعلك تتساءل: عندما يتعلق الأمر بالبروتين النباتي والحيواني هل أحدهما صحّي أكثر من الآخر؟
تُعد الإجابة هنا على الأسئلة في علم التغذية أكثر تفصيلاً -وأكثر إثارة للاهتمام- مما تتوقع! إليك ما عليك معرفته عن البروتين النباتي مقارنةً بنظيره الحيواني؛ وفقاً للتقرير الذي نشره موقع مجلّة Glamour Magazine الأمريكية.
ما هو البروتين في الواقع
لنبدأ بالنظر إلى أساس البروتين، فهذه المغذيات الكبيرة جزءٌ لا يتجزأ من كل خلية في جسم الإنسان، وبحسب ما تشير إليه هيئة الغذاء والدواء الأمريكية يؤدي البروتين دوراً مهماً في النمو والتطور من خلال بناء وإصلاح خلايا وأنسجة الجسم المختلفة، بما في ذلك عضلاتك، والعظام، والأعضاء، والجلد. ويعد ضرورياً أيضاً لوظائف الجسم المختلفة بدءاً من تخثر الدم، وإنتاج الهرمونات، ووصولاً إلى استجابة الجهاز المناعي، ومن ثم فإنه بالفعل مهم جداً.
لذلك في حين أن صدور الدجاج، على سبيل المثال، تبدو مختلفة تماماً في شكلها ومذاقها عن صحن العدس، فإن البروتين الذي يوفره كل منهما مصنوع من نفس الوحدات الأساسية الدقيقة. ويقول كريستوفر غاردنر، أستاذ بحوث الدكتوراه في الطب بمركز أبحاث ستانفورد للوقاية، في حديثه إلى مجلّة SELF: "على المستوى الكيميائي، حين يأتي الوقت الذي تأكل فيه البروتين ويمتصّ جسمك تلك الأحماض الأمينية، لن يعد من المهمّ ما إذا كان مصدر البروتين نباتاً أو حيواناً" .
ما هو أمر البروتين الكامل مقارنة بالبروتين غير الكامل؟
ينقسم 20 نوعاً من الأحماض الأمينية المختلفة إلى مجموعتين رئيسيتين: أساسية وغير أساسية. وتذكر المكتبة الوطنية الأمريكية للطب أن الأحماض الأمينية الأساسية التسعة هي تلك التي لا يستطيع الجسم صنعها من تلقاء نفسه، لذا فمن الضروري أن نحصل عليها من الطعام الذي نأكله، أمّا بقيّة الأنواع البالغ عددها 11، فهي الأحماض غير الأساسية، ويمكن للجسم إنتاجها.
وعندما يحتوي مصدر البروتين على كمية كافية من الأحماض الأمينية الأساسية التسعة، يُسمَّى مصدراً للبروتين الكامل، بينما تقول هيئة الغذاء والدواء الأمريكية إنه عندما تكون كمّية الأحماض الأمينية الأساسية منخفضة في مصدر ما، أو أنه يفتقر إلى واحد أو اثنين منها، يُصنَّف على أنه مصدر غير كامل.
وهنا يبدأ تكوين البروتينات النباتية والحيوانية في الاختلاف، إذ إن جميع البروتينات الحيوانية تُعدّ بروتينات كاملة، وهذا يتضمّن الأنسجة العضلية من الحيوانات؛ مثل لحوم الأبقار، ولحم الخنزير المقدد، ولحم الخنزير، وصدور الدجاج، وشرائح السمك، وغيرها، بالإضافة إلى المنتجات المشتقة منها، مثل البيض، ومنتجات الألبان كالحليب والزبادي.
وعلى الجانب الآخر، فإن البروتينات النباتية، التي تتضمّن الفول، والبقوليات كالعدس والبازلاء، والمكسرات، والبذور، والحبوب الكاملة كلها تقدم بروتينات غير كاملة تقريباً. والقليل فحسب من المصادر النباتية تقدّم لآكليها بروتيناً كاملاً؛ مثل منتجات الصويا على غرار فول الصويا الأخضر، والتوفو، وحليب الصويا، وكذلك حبوب الكينوا.
المصادر تتنوع
تقول ويتني لينسينماير، الحاصلة على درجة دكتوراه في الطب، ومرشدة التغذية والحميات الغذائية في كلية دويزي للعلوم الصحية بجامعة سانت لويس، إنه "فيما يتعلّق بكفاية البروتين، من الأسهل التأكد من أنك حصلت على الأحماض الأمينية الأساسية حين تتناول البروتين الحيواني" . إذ إن إدخال كميات كافية من مصادر البروتين الحيواني في نظامك الغذائي يضمن إلى حد كبير أنه لن تفوتك أي من الأحماض الأمينية الأساسية.
ومع ذلك، ليست مفارقة البروتين الكامل في مقابل البروتين غير الكامل بالأمر الضخم كما اعتدنا الاعتقاد. ففي الواقع، تصف أكاديمية التغذية وعلم النُّظم الغذائية الأمريكية التباين بين البروتين الكامل وغير الكامل بـ "الأمر المضلل" في ورقة بحثية نشرتها عام 2016، وأشارت من خلالها إلى موقفها بشأن الحِميات الغذائية النباتية.
أولاً وقبل كل شيء، تفتقر معظم البروتينات النباتية إلى واحد أو اثنين فقط من الأحماض الأمينية الأساسية، وفقاً لما يشير إليه كريستوفر غاردنر. ولكن بحسب ما تقول ويتني لينسينماير فإن "مجموعات الأغذية النباتية تميل إلى الافتقار إلى أحماض أمينية مختلفة"، لذا فإن الحميات في النهاية غالباً ما تكون مصدراً للبروتين الكامل، بمعنى أن مصادر البروتين النباتي المختلفة تشكّل معاً مصدراً كاملاً للأحماض الأمينية.
بينما تقل في الحبوب نسبة حمض الليسين الأميني، بينما تقل في المكسّرات نسبة حمض الميثيونين الأميني. غير أن شطيرة زبدة الفول السوداني والمربّى التقليدية المُعدّة من خبز القمح الكامل تقدّم لك جميع الأحماض الأمينية الأساسية التسعة، ويمكن القول إنها تقدّم لك ذلك في لمح البصر.
اعتدنا الاعتقاد أنه من المهم أن تستهلك هذه البروتينات التي تُكمل بعضها البعض في وجبة واحدة، مثل وعاء من الأرز والفاصوليا، ولكن يشير العلم إلى أن هذا ليس ضرورياً.
تقول المكتبة الوطنية للطب بالولايات المُتحدة إن كل ما يهم في الواقع هو نظامك الغذائي كاملاً طوال اليوم. وتقول ويتني إن "إجمالي كمية البروتين المستهلكة وتنوع المصادر على مدار اليوم أهم بكثير من تزامن تناول هذه الأطعمة" .
البروتين النباتي مقابل البروتين الحيواني
عقدنا مقارنة بين البروتينات النباتية والحيوانية من حيث التركيب الجزيئي ومحتوى البروتين. ولكن دعونا نبتعد عن ذلك ونلقي نظرة على مجموعات الطعام الكاملة التي تأتي منها هذه البروتينات فعلاً. والسؤال هو: "ما الذي ستحصل عليه عندما تتناول هذا البروتين؟" . من هذا المنظور، تقول ويتني لينسينماير إن "كلا المصادر النباتية والحيوانية لها مزايا وعيوب" .
على سبيل المثال، تُعد المنتجات الحيوانية أغنى المصادر الطبيعية احتواءً على بعض المغذيات الدقيقة الحيوية؛ وأحدها هو فيتامين د، الموجود في البيض والجبن وأسماك المحيط مثل السلمون والتونة، وذلك بحسب المكتبة الوطنية الأمريكية للطب.
ويضاف غالباً فيتامين د إلى الألبان والأطعمة النباتية مثل الحبوب وعصير البرتقال وحليب الصويا. أمّا عن فيتامين ب 12، فتقول المكتبة الوطنية الأمريكية للطب إن البروتينات الحيوانية تعد المصدر الطبيعي الوحيد له، وذلك على الرغم من العثور عليه في الحبوب المعززة بالفيتامينات وخميرة الغذاء.
لكن مهلاً! البروتينات النباتية لها أيضاً مزاياها الفريدة. ربما يكون أكبرها هو الألياف، التي تُعد النباتات مصدراً طبيعياً لها، بحسب ما يقوله غاردنر، فالأطعمة النباتية على غرار البقول والحبوب الكاملة بمثابة إصابة عصفورين بحجر واحد، إذ تقدم عدداً كبيراً من الألياف والبروتينات، حتى تتمكن من زيادة كتلة عضلاتك وتحسين الإخراج لديك في آن واحد.
الآليات المحتملة لحصول الجسم على الفوائد
وتحتوي النباتات أيضاً على مجموعة متنوعة من المواد الكيميائية النباتية، وهي مركبات نشطة بيولوجياً تشمل الفلافونويد، والكاروتينات، والبوليفينول التي تشير بعض الدراسات إلى أنها قد ترتبط بتقليل خطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية، لكن هذه التأثيرات الوقائية غير مؤكّدة، ولم تُفهَم بعد الآليات المحتملة لحصول الجسم على تلك الفوائد.
فعندما يتعلق الأمر بالكربوهيدرات، تحتوي جميع البروتينات النباتية على بعضها، وتتراوح من بضعة غرامات فقط في أطعمة مثل اللوز (6 غرامات في كل 28 غراماً) إلى كميات أعلى في أطعمة مثل الحمص المعلب (19 غراماً في كل نصف كوب). وفي حين أن البروتين الحيواني من اللحوم والدواجن والأسماك يخلو تقريباً من الكربوهيدرات، تحتوي منتجات الألبان على بعض الكربوهيدرات في شكل سكر اللاكتوز، أو سكّر الحليب.
لذا توجد دهون، نوعاً وكمية؛ إذ تحتوي جميع البروتينات الحيوانية تقريباً على دهون مشبعة، على الرغم من تباينها على نطاق واسع، إذ تتراوح من منتجات الألبان الخالية من الدهون إلى كميات أقل في المأكولات البحرية إلى كميات أعلى في اللحوم الدسمة اللذيذة الحمراء.
والآن يمكننا القوّل إنه لا يوجد شيء جيد أو سيئ بطبيعته حول هذه الاختلافات الغذائية للبروتينات الحيوانية والنباتية، لأننا جميعاً لدينا احتياجات غذائية وسِمات صحيّة مختلفة.
وثمّة سبب آخر قد يعزى إليه اختيار البعض البروتين النباتي، وهو أنه يحاول اتباع نظام غذائي أكثر اعتماداً على المصادر النباتية بشكلٍ عام. ذكرت مجلّة SELF سابقاً أن هناك قدراً لا بأس به من الأبحاث التي تربط استهلاك اللحوم الحمراء بمجموعة من النتائج الصحية السلبية. وفي حين أن البحوث بشأن هذه الصلة تكللها بعض مواطن القصور، فإن العديد من المنظمات الطبية الكبرى مثل جمعية السرطان الأمريكية، وجمعية القلب الأمريكية توصي بالحد من استهلاك اللحوم الحمراء.
خلاصة القول
الحقيقة أنك في نهاية المطاف يمكنك الحصول على البروتين من النباتات أو الحيوانات أو كليهما، ويمكنك كذلك اتباع نظام غذائي رديء أو رائع، وكلاهما لن يعدّ حصرياً أو مضموناً. تقول الطبيبة بيت كيتشن: "هناك العديد من الطرق للحصول على نظام غذائي صحي، وهذا قد يعني دمج اللحوم والمنتجات الحيوانية أو تناول مجموعة متنوعة من الأطعمة النباتية، أو كليهما معهاً، فإن الأمر يتسم بالكثير من المرونة فيما يتعلّق بمصدر الحصول على البروتين" .
يوجد الكثير من الأمور التي يجب مراعاتها عندما يتعلق الأمر بالبروتين الحيواني والنباتي، والأمر لا يُنظر إليه عبر عدسة باللونين الأبيض والأسود وحسب، كي نقول إن مصدراً واحداً أفضل من الآخر، وبالنظر إلى أن الغالبية العظمى من الناس يحصلون بالفعل على البروتين من المصادر النباتية والحيوانية، فيمكنك القول إن التمييز ليس بالأمر المهم للغاية، بل عليك فقط أن تتأكد من حصولك على الكثير من البروتين في إطار حِميتك الغنيّة بالعناصر بشكل عام، سواء كان هذا يتحقق من النباتات أو الحيوانات أو كلتيهما.