يُعد إدمان شاشات التلفاز أو الحواسيب النقالة والكمبيوترات من أكثر الأمور الشائعة بين الناس من مختلف الأعمار في السنوات، بل والعقود الأخيرة.
ولأنه يمكنك فعل أي شيء تقريباً وأنت تشاهد مسلسلك من على راحة أريكتك، فإن مشاهدة التلفاز أثناء الطعام باتت شيئاً أساسياً لدى الكثير من الناس حول العالم من أجل الشعور بالمتعة والراحة بعد يوم عمل شاق.
وبالرغم من شيوع هذا النمط من الروتين في تناول الطعام، تواصل الدراسات العلمية تأكيد مدى تأثير تلك العادة على صحة الإنسان، وعلى جهازه الهضمي ونمطه الغذائي بصورة سلبية لا يستوعبها الكثيرون.
لسوء الحظ، يمكن أن تؤدي هذه العادة الشائعة إلى الإفراط في تناول الطعام، وفي النهاية زيادة الوزن وإرباك الجهاز الهضمي؛ مما يؤثر سلباً على المعدة والصحة بشكل عام.
وتشرح عالمة النفس سوزان ألبرز لموقع Cleveland Clinic الصحي: "من الجيد أحيانًا تناول وجبة خفيفة أمام التلفزيون، ولكن عندما يصبح ذلك نمطاً يومياً متكرراً، أو عندما يرتبط مشاهدة التلفاز أثناء الطعام ببعضهما بشكل أساسي في حياة الشخص، يصبح ذلك نمطاً غير صحي".
التشتت بسبب مشاهدة التلفاز أثناء الطعام
إذا كنت تتناول الطعام أمام التلفزيون أو الكمبيوتر أو الهاتف الذكي، فمن المحتمل أنك تولي اهتمامًا أكبر لما يحدث على الشاشة أكثر من السباغيتي التي تضعها في فمك.
وتشرح عالمة النفس: "نميل إلى تناول الطعام بلا تفكير أمام التلفزيون، وبالتالي فلا نتذوق ونختبر الطعام كثيراً ونستمتع به، لأننا نكون وقتها مشتتي الذهن".
وهذا الأمر لا يجعل الطعام أقل إشباعاً لشهيتنا فحسب، بل يسهل علينا أيضاً تفويت الإشارات العقلية التي تخبرنا أننا قد تناولنا ما يكفي من الطعام، ومثال على ذلك تلك المرات العديدة التي قد تتفاجأ فيها بأن صحنك قد فرغ في حين أنك لم تشعر بأنك تناولت قدراً كبيراً من الطعام.
وتدعم الأبحاث العلمية هذه الفكرة أيضاً؛ إذ تشير الدراسات إلى أننا نميل إلى تناول المزيد عندما يُصرف انتباهنا، سواء في لحظة التشتت أو في وقت لاحق من اليوم بسبب مشاهدة التلفاز أثناء الطعام مثلاً.
وكشفت دراسة نشرها موقع جامعة هارفارد للأبحاث في العام 2013، أن الجوع ليس الشيء الوحيد الذي يؤثر على مقدار ما نتناوله خلال اليوم، بل يلعب الانتباه والذاكرة أدواراً هامة ومحورية في تحديد الشهية.
على سبيل المثال، بعد أن تبدأ في تناول الطعام، يستغرق الأمر 20 دقيقة أو نحو ذلك قبل أن يبدأ المخ في إرسال إشارات بإحساس "أنا ممتلئ" أو "لم أعد جائعاً" التي توقف الشهية وتبعث لنا برسالة "توقف عن تناول الطعام". لكنك إذا كنت مستعجلًا أو لا تهتم أو غير منتبه- كما هو الحال عند مشاهدة التلفاز أثناء الطعام- فمن السهل أن تستهلك سعرات حرارية أكثر مما تحتاج في 20 دقيقة فقط، ناهيك إذا ما استغرقت عملية تناول الطعام معظم وقت مشاهدة حلقة تلفزيونية من مسلسل أو برنامج أو حتى فيلم كامل.
ولفتت أبحاث الجامعة إلى أنك إذا كنت لا تدرك ما يدور في فمك وينزل معدتك، فأنت لا تعالج هذه المعلومات ولا تستوعبها عقلياً. وهذا يعني أنه لا يتم تخزينه في بنك الذاكرة الخاص بك. وبدون ذكرى عن تناول الطعام وتذوقه، فمن المرجح أن تأكل مرة أخرى بعد هذه الوجبة بوقت قصير، بشكل متقارب أكثر مما سيكون عليه الحال إذا كنت تتناول وجباتك بوعي ومن دون مشتتات مثلما هو الحال عند مشاهدة التلفاز أثناء الطعام.
وتلفت أستاذة علم النفس ألبرز لموقع Cleveland Clinic: "أعتقد أن مشاهدة التلفاز أثناء الطعام يطيل أيضاً الفترة الزمنية التي نتناوله فيها، لأنه إذا كان عرضك التلفزيوني مدته ساعة كاملة، فيمكنك الاستمرار في تناول الطعام طوال تلك الفترة الزمنية دون توقف لأنك تتسلى أثناء المشاهدة".
مشاهدة التلفاز أثناء الطعام تؤثر على قدرة الحرق والهضم عند الأطفال
نشر تقرير في موقع Parenting للتربية والأمومة أن مشاهدة الأطفال للرسوم المتحركة عند تناول الطعام بشكل يومي، يؤثر في مدى استفادة أجسادهم للقيمة الغذائية الموجودة في الطعام؛ لأنها تتأثر بمدى انتباههم لما يتناولونه.
ولفت التقرير إلى أن مشاهدة التلفاز أثناء الطعام يقلل من معدل الأيض للجسم، خاصة عند الأطفال الصغار، مما يؤدي إلى هضم الطعام بشكل أبطأ وحرق الدهون ببطء أيضاً.
لذلك إذا كان طفلك يأكل أمام التلفزيون ولم يكن نشيطاً بدنياً بصورة كافية خلال اليوم، فمن المحتمل أن يعاني من انخفاض التمثيل الغذائي وزيادة في الوزن والمعاناة من الدهون في الجسم.
كذلك يعمل عدم الانتباه عند مشاهدة التلفاز أثناء الطعام إلى استهلاك قدر أكبر مما يحتاج الجسم، مما يؤدي لملء المعدة بشكل زائد عن الحاجة؛ ما يؤدي بدوره إلى مشاكل الجهاز الهضمي وأمراض المعدة في حال تواصل النمط بصورة متكررة.
اكتساب عادات غذائية ضارة مثل تناول المقرمشات والتسالي
ولأنه قد تم ربط مشاهدة التلفاز أثناء الطعام بتناول شيء للحصول على المتعة وتخفيف وتيرة اليوم الشاق والمرهق بعد دوام عمل طويل، فقد بات من الروتيني تحضير نوعيات من الأكلات السريعة والتسالي أو Snacks لكي يتم استهلاكها أمام الشاشات للحصول على تلك الدفعات السريعة من الدوبامين والإحساس الجيد.
وبداية من الفشار والحلوى والمشروبات الغازية، وصولاً إلى البيتزا والوجبات السريعة لتعزيز الشعور بـ"الوقت الممتع"، يميل الشخص المرتبط بهذا الروتين إلى ممارسة تناول الأطعمة من باب "الاستمتاع"، لا من أجل الإشباع أو الفائدة الغذائية.
وبحسب موقع Times of India، فإن هذا النمط يساهم بصورة مباشرة في إكسابك الوزن الإضافي، علاوة على تأثير الوجبات المصنعة والسريعة على الجسم بصورة صحية سلبية قد تتسبب على المدى البعيد في إصابة الشخص بالأمراض المزمنة مثل السكري والضغط وأمراض القلب. خاصة إذا ما كان روتين مشاهدة التلفاز أثناء الطعام روتيناً يومياً ثابتاً.
كيف يمكن التخلي عن روتين مشاهدة التلفاز أثناء الطعام؟
إذا كنت مستعداً لبدء تناول الطعام بحرص ووعي، فابدأ بالنصائح التالية التي حددها موقع Cleveland Clinic للصحة النفسية والجسدية:
1- الفصل بين التلفاز وموعد تناول الطعام
من الجيد تناول وجبة خفيفة أثناء مشاهدة التلفاز أثناء الطعام، وعادة ما يكون لا بأس في ذلك أبداً. ولكن خذ قسطًا من الراحة وانتقل إلى طاولة الطعام لتناول وجبتك الأساسية، ثم عد إلى التلفزيون لمتابعة أعمالك المفضلة.
وتظهر الأبحاث أن إعطاء طعامك الاهتمام الذي يستحقه قد يقلل من الكمية التي تتناولها، بالإضافة إلى تقليل الجوع في فترات متقاربة وتقليل الرغبة في تناول الوجبات الخفيفة لاحقاً خلال اليوم.
2- اختر بحكمة
إذا كنت تتوق لتناول شيء ما في ساعات المساء أمام برنامجك المفضل، فاختر وجبة خفيفة وصحية غير سكرية أو لا تحتوي على الكافيين أو المواد الصناعية أو الحافظة.
وقد تساعد الكربوهيدرات المعقدة، مثل الخبز المصنوع من الحبوب الكاملة أو الحبوب أو البسكويت على تعزيز رغبتك في النوم، كما يساعد الموز على تحسين جودة النوم وتهيئة الجسم للاسترخاء في ساعات الليل.
3- ضع حدوداً وقواعد صارمة
قد يكون من المفيد التفكير مسبقاً ووضع حدود عندما تقرر مشاهدة التلفاز أثناء الطعام، سواء من حيث تناول الوجبات الخفيفة في أوقات معينة أو بالنسبة لمشاهدة التلفزيون بشكل عام.
التزم بقبضة واحدة فقط من الفشار المطهو بقدر قليل جداً من الزيت والملح (بدلاً من تناول صحن عميق ذائب في الزبد والملح).
كذلك قم بمشاهدة حلقتين فقط من الأعمال التلفزيونية (عوضاً عن مشاهدة الموسم الجديد بأكمله في جلسة واحدة وفي حضنك كيس عائلي من الشيبس وزجاجة مياه غازية).
وإذا كنت تشاهد التلفزيون في ساعات المساء- حينما يحلو للكثير من الناس تناول الطعام والشعور بالجوع الليلي- فاعلم أنه عليك التصرّف حيال هذا الروتين؛ لأنه قد يودي بصحتك ولياقتك الجسدية قريباً.
إذ تجدر الإشارة هنا إلى أن تفويت حتى ساعة أو ساعتين من النوم في موعدك اليومي المعتاد يمكن أن يؤدي إلى إفساد هرمونات الشهية في اليوم التالي؛ مما قد يحفّز الرغبة الشديدة لديك في تناول الأطعمة السكرية والمالحة والإفراط في تناول الطعام.
4- امنح يديك شيئاً لتفعله عوضاً عن الأكل
إلى جانب تناول الوجبات الخفيفة خلال اليوم لتعزيز إحساسك بالشبع والاكتفاء الجسدي من حاجته اليومية للعناصر الغذائية، ابحث كذلك عن نشاط يبقي يديك مشغولتين أثناء مشاهدة التلفزيون، مثل الحياكة أو التلوين أو الرسم أو الضغط على كرة الإجهاد أو حل ألغاز السودوكو، أو غيرها من الأنشطة السهلة.
5- احصل على صُحبة أثناء مشاهدة التلفاز
أحياناً من أجل التخلص من عادة مشاهدة التلفاز أثناء الطعام، قد تعمل فكرة دعوة أحد الأصدقاء على الغداء بمثابة التشتيت الأمثل لتلك الرغبة الملحة.
وبصحبة الأصدقاء، أو أي صحبة أثناء تناول الوجبات الرئيسية، نميل إلى عدم تناول الكثير من الطعام بلا تفكير أو وعي وانتباه مثلما هو الحال إذا كنا وحدنا وأدرنا زر التلفاز فقط نشعر بالأنس أثناء تناول الأكل.
6- النوم الجيد والصحة النفسية المتزنة
يمكن أن يساهم انعدام جودة النوم والتوتر المزمن أو المعاناة من القلق والاكتئاب ومجموعة متنوعة من المشاعر الأخرى أيضاً في الإفراط في تناول الطعام؛ لذلك إذا كنت تواجه صعوبة في السيطرة على تناول الوجبات الخفيفة على التلفزيون، ففكر فيما إذا كانت هناك عوامل أخرى تلعب دوراً في ذلك. وقم بعلاجها بشكل أساسي للتخلص من عاداتك اليومية غير الصحية الأخرى، ومن بينها مشاهدة التلفاز أثناء الطعام.