حادثة لم نسمع عنها سوى في الأفلام؛ لأنها أقرب للخيال من الواقع، هذه العائلة التركية يعود إليهم ابنهم بعد أن اختُطف قبل 21 عاماً، وهو شاب قد أكمل تعليمه الجامعي.
قصة الاختطاف
القصة تبدأ في عام 1997، كان وقتها الشاب قورسال يبلغ عامين ونصف العام. سافر برفقة والدته وأخته ذات الـ10 أشهر من مدينة إزمير إلى مدينة إسكندرون لزيارة جدته المريضة.
وفي أحد الأيام، خرج الطفل برفقة والدته، التي كانت تحمل أخته في حضنها في الصباح إلى البقال لشراء بعض الأغراض، وأثناء عودتهم بالقرب من منزل جدّته شاهدوا أطفالاً يلعبون مع جرو صغير. ذهب قورسال ليلعب معهم، تركته والدته ودخلت المنزل لتضع طفلتها الصغيرة.
ما إن تركت الأم طفلتها إلا وعادت مباشرة إلى الخارج لتحضر ابنها الذي يلعب مع الأطفال، رأت الأطفال ما زالوا يلعبون مع الكلب الصغير، ولكنها لم تجد ابنها بينهم. بحثت عنه في الشوارع المجاورة، وسألت الأطفال، ولكنه كما يقال "فص ملح وذاب"، لم يره أحد.
سارعت الأم إلى إبلاغ الشرطة عن فقدانها ابنها، ولكن لأن الشرطة لا تسجل محضر الفقدان إلا بعد مرور 24 ساعة، لم يتصرفوا وقتها.
الأم لم تبق مكتوفة اليدين، وخرجت برفقة الجيران وأهالي المنطقة للبحث عنه، وبعد مرور يوم كامل على فقدانه انضمّت القوات الأمنية للبحث معهم، ولكن مرّ اليوم تلو الآخر، والعام تلو العام، ولم يجدوا أي أثر لقورسال.
لم ييأس الأهل في العثور عليه
سافر الأب إلى معظم مناطق تركيا للبحث والسؤال عن ابنه، لم يترك باباً لم يطرقه، كما سجّل في جمعية YAKAD، وهي متخصصة في البحث عن أقارب المفقودين، فسارعوا للبحث معه، ولكن لا أمل.
وزعت وطبعت صور قورسال في 81 ولاية في تركيا على الحافلات، وعلب الكبريت والولاعات، وحتى دفاتر التقويم، لعلهم يجدون من يتعرَّف عليه.
الأب الذي لم ييأس لحظة في البحث عن ابنه، وعلى أمل أنه سيجده يوماً ما، استمرَّ طوال 21 عاماً يبحث عنه، لم يترك شارعاً ولا منطقة ولا مركز شرطة وإعلانات على الصحف والمجلات، واشترك في البرامج التلفزيونية يسأل وينادي لعله يجد أحداً يدله عليه.
يقول الأب كما جاء في صحيفة حرييت: "لم أترك شيئاً لم أفعله يساعدني في الوصول إلى ابني، في الشتاء والصيف بحثت عنه طوال 21 عاماً، أعطيتُ كلَّ ما أملك في سبيل إيجاده دون أن أيأس".
الخاطف ذهب بالطفل إلى أنطاكيا
وقتها كان قورسال في مدينة أنطاكيا، أخذه الخاطف وباعه إلى زوجين ليس لديهما أطفال، وأخبرهما بأن والدَي هذا الطفل قد توفيا.
قورسال كبر، وربَّته هذه الأسرة، ولم يعلم بالحقيقة إلا بعد أن وصل سن الخامسة عشرة، أنهى المدرسة والجامعة، وتوظف، وبدأ رحلة البحث عن والديه الحقيقيين.
أخبره أصدقاؤه بأنه يوجد إعلان على شبكات التواصل الاجتماعي عن فقدان طفل عام 1997، وأن صورة الطفل تشبهه. سارع قورسال إلى البحث في أرشيف جمعية YAKAD، المتخصصة في البحث عن أقارب المفقودين، وأعطوه اسم والدته ووالده الحقيقيين، اللذين سبق وسجلا في الجمعية.
اكتشف الشاب الحقيقة
عرف قورسال وقتها أن القصة التي أخبرته بها العائلة التي ربَّته كانت كاذبة، وأن والديه لم يتوفيا، وخصوصاً بعد أن بحث على شبكات التواصل الاجتماعي، ووجد حساباً لوالده الحقيقي.
يقول الأب إبراهيم: "في يوم 17 يوليو/تموز 2018، وصلتني رسالة على حسابي الشخصي، ولكن بسبب سفري خارج البلاد للعمل وانشغالي لم أفتحها إلا متأخراً، وكان مكتوباً في الرسالة: سيد إبراهيم هناك موضوع طارئ ومهم يجب أن أتكلم به معك".
يقول الأب حدَّثت نفسي وقتها، وقلت ليس هناك موضوع مهم في حياتي ولا أهم من موضوع إيجاد ابني المفقود.
وتابع الأب: "بعد ذلك أرسل قورسال العديد من الصور وهو صغير، وكتب رسالة فيها "هل هذا أنا؟ وهل أنت أبي؟ شعرت بأن الدنيا دارت وانقلبت رأساً على عقب".
العودة لاستقبال ابنه
يقول الأب إنه لم يستطع إيجاد تذكرة تعيده إلى البلد بأسرع وقت، وكان عليه الانتظار يومين، كانا من أصعب أيام حياته.
لم يكن الأب يشعر بتصرفاته، لدرجة أنه كان يتحرك من دون وعي، لم يستطع أن ينام ساعةً واحدةً، كل الحزن والضياع لمدة 21 عاماً تجمَّعا في هذين اليومين اللذين لا يستطيع وصفهما، لم يكن في باله شيء سوى أنه سيحتضن ابنه ويشم رائحته.
استُقبل قورسال بالمزامير، وعلى قرع الطبول والأحضان التي اختلطت بدموع والديه وأقاربه.
وتصِف الأمُّ سعادتها قائلة: "لم نترك مكاناً لم نبحث فيه، ولم نيأس حتى آخر لحظة، ولكن الحمد لله، سعادتي كبيرة جداً ولا توصف، لقد استطاع هو بنفسه إيجادنا".
يقول رئيس جمعية YAKAD: "إيجاد قورسال نعتبره معجزة كبيرة جداً، لأن معظم المفقودين الذين نجدهم لاحقاً يكونون متوفين، ولكن هذه الحادثة أعادت إلينا الأملَ".
ويشير إلى أنهم لم يتركوا وسيلةً لم يعلنوا فيها عن فقدانه، حتى إنهم نشروا صورةً على خلفيات كوادر الكليبات والمسلسلات، وبعد أن كبر استخدموا تقنية الصورة التقريبية والمشابهة له وهو شاب.
وقال إن قورسال عندما اتَّصل بهم ليسألهم عن أسرته، أخبرهم بأن والديه قد توفيا، ولكنه يبحث عمّا إذا كان له إخوة أو أقارب، ولكنه تفاجأ بأن والديه لا يزالان على قيد الحياة.
ويعود الأب ليؤكد أنه لن يتوقف بعد أن وجد ابنه، وأنه سيقف إلى جانب من يبحث عن طفله المختطف، أو الذي يتعرض لاغتصاب، وأن الدولة يجب أن تتخذ جميع الإجراءات اللازمة والحازمة، وفرض العقوبات القوية على كل من يرتكب هذا الجرم.
وأكد إبراهيم سلام أنه لا يحمل أي كُره أو حقد أو ضغينة ضدّ الأسرة التي ربَّت ورعت ابنه حتى كبر.
اقرأ أيضاً: