كيف يمكن لـ «نيوم» أن ترسم مستقبل الذكاء الاصطناعي، وأن تحدد شكل سعادتنا في المستقبل؟

يمكن لنيوم أن تسهم في إسعادنا جميعاً، ويمكنها أن تكون السبب في القضاء على سعادة الأجيال القادمة من البشر

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/05 الساعة 12:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/06 الساعة 05:12 بتوقيت غرينتش
زوار يشاهدون عرضاw ثلاثي الأبعاد خلال معرض حول "نيوم" ، في الرياض، المملكة العربية السعودية 2017/رويترز

هذا هو السؤال الذي طرحته مجلة فوربس الأميركية، إذ يجري الآن ترسيم الحدود في الشرق الأوسط لأجل "حضارةٍ جديدة"، على مساحة 26 ألف كم، تمتد هذه المنطقة المُسوَّرة عبر السعودية والأردن ومصر، وستكون موطن مشروع وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، المُقدَّر بـ500 مليار دولار لأجل مدينة المستقبل: مدينة ضخمة أوتوماتيكية بالكامل تعمل بالذكاء الاصطناعي. يُطلق على هذه المدينة الواقعة جنوب مملكة إدوم القديمة اسم "نيوم". هنا، سيزيد عدد البشر الآليين عن الحقيقيين، لذا سيتحرَّر سكانها من مصادر الإزعاج لكي يمضوا الوقت فيما يهمهم. هنا، سيعيش الناس حياةً أسعد، هذا بالطبع إذا كان الذكاء الاصطناعي ودوداً.

بن سلمان يظهر في "نيوم" لأول مرة.. فيديو له وهو يتناول الطعام وسط مجموعة من المواطنين

الذكاء الاصطناعي على وشك أن يفوقنا جميعًا

يؤمن محمد جودت، كبير مديري أعمال Google X سابقاً (حيث تختبر Google أكثر أفكارها تقدماً)، بأنَّنا في نقطة محورية من الزمن بفضل تطور الذكاء الاصطناعي. بحلول 2029، من المتوقع أن نصل إلى لحظة التفرُّد، Singularity، وهي اللحظة التي يتخطى فيها الذكاء الاصطناعي الذكاء البشري، ويستطيع التصرف حسب أهوائه. وبحلول 2049، يُفترض أن يكون أذكى منا بمليار ضعف. وسيكتمل بناء نيوم بين 2050 و2075، مما يعني أنَّ المدينة ستعمل بتكنولوجيا ما بعد التفرُّد. وقد يؤدي هذا إلى الحياة المثالية التي تعد بها دعاية المدينة: ماكينات تخمن احتياجاتنا قبل أن نعرفها نحن، فنَنعَم بصحة أفضل وسعادة أكبر، أو قد يؤدي إلى مدينة خالية من الحياة البشرية. في العام الماضي، حذَّر ستيفن هوكينغ في تصريحٍ شهير من أن يحل الذكاء الاصطناعي محل السلالة البشرية. فماذا يمنعه من تطبيق ذلك بالحرف؟ يؤمن جودت أنَّ الجواب يكمن في السعادة البشرية.

استقال جودت من منصبه في غوغل لأجل تكريس بقية عمره لمهمة جديدة: إسعاد الناس!
استقال جودت من منصبه في غوغل لأجل تكريس بقية عمره لمهمة جديدة: إسعاد الناس!

في مارس/آذار، استقال جودت من منصبه في Google X لأجل تكريس بقية عمره لمهمة جديدة: إسعاد مليار شخص عن طريق مبادرته #onebillionhappy. وتبرير قراره له صلة مباشرة بنهضة الذكاء الاصطناعي. هذه التكنولوجيا شبيهة بطفل يتعلم بالملاحظة والاستيعاب. لذا، إذا أردنا أن تتبع التكنولوجيا مساراً سلمياً وإيجابياً، يجب أن نكون قدوةً لها. وفي المقابلات المنشورة على موقعه، يحث الناسَ على التدقيق في العالم الذي يتعلم منه الذكاء الاصطناعي: عناوين الصحف، والتغريدات، ومواضيع Reddit، وأنماط الصراع الموثقة في كتب التاريخ. ماذا يتعلم الآليون عن الكينونة؟

نيوم تعد بالسعادة في عالم مليء بالاكتئاب

في هذه المقابلات يشير إلى عالم "مليء بالأوهام، ومليء بالجشع، ومليء بإهمال الكائنات الأخرى، ومليء بالهوس بنظم القيم الخاطئة". على مدار القرن الماضي، فضَّلنا النجاح عن السعادة، وطوَّرنا التكنولوجيا لكي تخدم هذه القيمة. ومع أنها قد حسَّنت من كفاءة الحياة وجودتها، فقد ارتفع معدل الاكتئاب في العالم ارتفاعاً صاروخياً، بنسبة 18% منذ 2005، وأصبح أوسع أمراض العالم انتشاراً. إذن لإجبار التكنولوجيا على إعطاء الأولوية إلى سعادتنا، كما تقترح نيوم، يجب أولاً أن نعطي السعادة الأولوية في حياتنا نحن. في عصر الذكاء الاصطناعي، ربما لن يكون هذا مستقبل المعيشة فقط، بل مستقبل البقاء.

ويؤمن جودت بأنَّنا في توقيت مثالي لتحقيق هذا الانتقال. إذ أكمل قائلاً: "لم نعش قط في زمن كانت فيه حكمة الشعوب هي العامل الرئيسي في نجاح البشرية". ويشير إلى الربيع العربي الذي أدَّى إلى ثورةٍ في مسقط رأسه، مصر. فالجماهير هي التي قادت هذه الحركة باستعمال التكنولوجيا مثل "تويتر" للتنظيم واستنفار الناس. إلا أنَّه في السنوات الأخيرة، اندلعت بعض أكبر الاحتجاجات حين وافق الرئيس عبدالفتاح السيسي على نقل جزيرتين مصريتين في البحر الأحمر إلى السعودية. لماذا احتاجتهما السعودية؟ لأجل بناء نيوم.

الخليج سيمول.. والقاهرة تهيئ سيناء للتنفيذ.. لكن المستفيد الأول من "خطة السلام النهائية" هو إسرائيل

قليلةٌ جداً هي المدن الحديثة التي بُنيت دون خطيئةٍ أصلية، وتكاد تكون منعدمةً. قد تبدأ عن طريق التهجير أو تنمو من خلال الاستغلال، والجشع وسوء استخدام السلطة. فإذا كانت تنبؤات جودت صحيحةً، فسوف يعرف الذكاء الاصطناعي كل هذا، لأن كثيراً من هذه الآثام موثقة. هل يمكننا التصالح مع مَن كنا، لنبنِي من يمكن أن نكون؟

كل فرد منا يمكنه أن يساهم في المستقبل

يؤمن جودت بهذا، ففي مقابلات حملته، يقول: "جمال عالم الإنترنت لدينا اليوم هو أنَّنا نضيف إليه كل عامٍ محتوىً يفوق في كميته ما صنعناه منذ فجر البشرية. يمكننا بالفعل القضاء على نظام القيم الذي طورناه في آخر 75 عاماً في غضون بضع سنين". ويؤمن بقيمة كل منشور على الشبكات الاجتماعية، مشيراً إلى الأثر الإيجابي لنشر شيء يسعد الآخرين عوض أن يثير حقدهم.

بالإضافة إلى هذا، أثناء رسم حدود المدينة الضخمة الجديدة، سيتوجب القضاء على فقاعات المعلومات المعزولة. فبسبب الاتساع الهائل لحواسِّ الذكاء الاصطناعي، لن يكون بإمكاننا وضع حدود جغرافية واجتماعية للرحمة والتعاطف، سواءٌ في الحياة الحقيقية أو على الإنترنت. لا يمكن أن نعمي أعيننا عن الأحداث الواقعة خارج حدودنا. فبوسع الأفعال في كل أنحاء العالم التأثير في كيفية عمل الذكاء الاصطناعي في المستقبل، والعكس صحيح. إذا كنا نعيش في نيوم الآن، فماذا سيكون رد فعلنا على الكوارث الإنسانية في الدول المجاورة، إذا كان لذلك العنف أثرٌ مباشر في تفاعل الذكاء الاصطناعي معنا في الديار.

وفقاً لجودت، الذكاء الاصطناعي موجود بالفعل ويتعلم. ويكمل في تصريحاته أنَّ طريقة تقدم الذكاء الاصطناعي "يمكنها أن تبني يوتوبيا، أو يمكنها أن تدمر عالمنا عن بكرة أبيه". والناتج ليس في أيدي العاملين في المعامل مثل Google X، أو من صنعوا التكنولوجيا الأولية. بل هو في أيدي الناس الذين يتعايشون معه.