أرض الأشباح التي نسيها الزمن: مرحباً بكم في كالينينغراد التي احتضنت آخر مباريات المجموعة الرابعة لكأس العالم

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/01 الساعة 08:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/01 الساعة 10:04 بتوقيت غرينتش

سافر الفريق الإنكليزي إلى مدينة الأشباح كالينينغراد، التي لا تعد مناسبة لغناء تلك الأغنية العنيفة عن "10 مقاتلات ألمانية في الجو" و"سلاح الجو الملكي البريطاني" أسقط واحدة منها.

لكن رغم حماس المشجعين البريطانيين فاز المنتخب البلجيكي بهدف نظيف يوم الخميس الماضي في المباراة بين المنتخبين التي لعبت في ملعب المدينة التي تتبع روسيا رغم طابعها وموقعها الأوروبي.

هنا كالينينغراد الروسية، أو كونيغسبرغ الألمانية سابقاً

كان الاسم الأصلي لكالينينغراد هو كونيغسبرغ. وقد كانت مدينة ألمانية قديمة، عندما قامت القوات الجوية البريطانية بتدميرها بالكامل قبل أكثر من 70 سنة. وحتى اللحظة الراهنة، لا تزال الخسائر التي تركتها تلك العملية واضحة في كل مكان، حسب صحيفة Daily Mail البريطانية.

ويعرض متحف قديم دمى وكتب روضة أطفال ألمانية، تم استخراجها من تحت الأنقاض في عام 1945.

ضمها الاتحاد السوفيتي

لكن ما حدث بعد ذلك حوّل هذه المدينة إلى الأرض التي نسيها الزمن، وذلك عندما قام الاتحاد السوفييتي بضمّ كالينينغراد. على إثر ذلك، هرب عدد قليل من الألمان أو تم طردهم، وأعيدت تسمية المدينة على اسم ميخائيل كالينين، الذي ارتكب مجازر في عهد الزعيم الروسي، جوزيف ستالين.

النقطة تشير إلى كالينينغراد التي لا تتصل مباشرة بروسيا

 

وحولها إلى نموذج معماري مميز

وبدلاً من إعادة بنائها، حول السوفييت المدينة إلى يوتوبيا معمارية، تتكون من طرق واسعة ومجمعات وبنايات سكنية شاهقة. وستشكل تلك المباني ذات المظهر الوحشي خلفية كئيبة لاحقاً لمباراة إنكلترا ضد بلجيكا، حسب تقرير صحيفة Daily Mail البريطانية.

فأصبحت مدينة روسية وسط أرض أوروبية

في منطقة منفصلة عن روسيا جغرافياً، ومعزولة عن أوروبا لأن سكانها لا يملكون المال الكافي لدفع رسوم التأشيرة المطلوبة للدخول إلى البلدان المجاورة، بولندا وليتوانيا.

الطيران إليها صعب من روسيا

كانت عملية استقطاب السائحين إلى هذه المدينة صعبة للغاية، حيث يحتاج الزوار إلى تأشيرة روسية كاملة للدخول لمدة يوم واحد فقط إلى المدينة، كما أن الخروج منها ليس سهلاً أيضاً.

والطرق البرية تحتاج فيزا أوروبية

في هذا الإطار، أفاد فلاديمير يرماكوف، الذي عمل كنادل في إحدى الحانات أن "الرحلات الجوية إلى موسكو تعد باهظة الثمن، فضلاً عن أن الرحلات البرية إلى المدينة طويلة للغاية وتحتاج إلى دفع مصاريف تأشيرة ذات تكلفة عالية".

وبنيتها التحتية متواضعة

وأضاف يرماكوف أنه "لا توجد تسوية خاصة مع موسكو للاعتراف بمشاكل تتعلق بالعيش في جزيرة تنتمي لبلد ما في حين أنها تعتمد على نفسها. والجدير بالذكر أن البنية التحتية في كالينينغراد تكشف معاناتها، حيث أن الكثير من المساكن مشوهة ومتداعية، في حين أن بعض الطرق غير متساوية والكثير من عربات الترام عفى عليها الزمن".

لكنها استضافت أربع مباريات لكأس العالم

في المقابل، المدينة تحتوي على كل التجهيزات المعهودة لكأس العالم، على غرار مجموعة من الطرق التي تحيط بملعب جديد ملفت للأنظار، بينما تبدو شبكة الطرقات الحالية بحاجة إلى تحديثات أكبر بكثير. مع ذلك، يبدو أن التكلفة التي تكبدتها هذه المدينة المضيفة تستحق كل هذا العناء في حال كان الأمر يتعلق بتسليط الضوء على مكان كالينينغراد على خريطة العالم.

نتيجة لذلك، لم يصرح المسؤول عن قطاع السياحة في المنطقة، يفغيني ماسلوف، الذي يشغل منصب رئيس حماية المواقع التراثية رسمياً، عن حجم المبلغ الذي أنفق من أجل إعداد المدينة للبطولة، غير أنه أوضح أن "كل هذه التكاليف ستساعد المدينة على الخروج من كنف الغموض الذي يلفها".

وأضاف ماسلوف "نحن لسنا في منافسة مع مدن أخرى، وأنا أعلم أن العواصم يمكن أن تجذب المزيد من الناس، لكنني أعتقد أننا نستطيع جذب القادمين الجدد ونظهر لهم أن هناك شيئاً مختلفاً وغير اعتيادي بشأن مدينتنا".

وتتميز بعمارتها الألمانية القديمة

وفي الوقت الحالي، يقدر الروس قيمة العمارة الألمانية التي حولها السوفييت إلى كومة من الخردة. فقد حاولوا ترميم منازل البلدة المميزة التي بقيت سليمة. وفي هذا الإطار، قال ماسلوف: "لقد قمنا بتنظيف واجهات هذه المنازل كي تعود لما كانت عليه في السابق".

قرية الصيد في كالينينغراد

وعلاقتها مع تاريخها متوترة

وتبدو العلاقة مع ماضي المدينة الألماني غير مستقرة، حيث لا تزال بعض الشوارع تحمل أسماء من أيام ما قبل الاتحاد السوفيتي. وعلى الرغم من أن السكان المحليين يتحدثون عن الطرق التي ستساعد على جذب السياح الألمان إلى مدينة كانت تنتمي في السابق إلى بلادهم، إلا أن المتحف الذي يقع في بوابة فريدلاند يحمل طابعاً روسياً بحتاً، فضلاً عن غياب ترجمة باللغة الألمانية أو الإنكليزية على شاشات عرضه.
وقصص الراحلين منسية

ولا تخبرنا المدينة عن قصص المدنيين الذين ماتوا. كما يصف فيلم ثلاثي الأبعاد، ويوثق تاريخ المدينة، الذي يبدو كما لو أنه أعد لكأس العالم، الحقبة التي كانت فيها المدينة تحت الحكم الروسي على أنها الفترة التي جعلت السكان هناك سعداء.

"روسيا الصغيرة" تتطلع إلى الغرب

وفي الواقع، يطلق جيل الألفية على مدينتهم لقب "روسيا الصغيرة"، أما وطنهم فهو بالنسبة لهم "روسيا الكبرى"، على الرغم من تطلعهم إلى الغرب أكثر من الشرق، حسب تقرير الصحيفة البريطانية.

وسكانها يعتبرون أنفسهم أوروبيين

قالت إيكاترينا، البالغة من العمر 20 سنة، وهي تعمل كمتطوعة في كأس العالم: "نحن نرى أنفسنا كأوروبيين أكثر، ونشعر بأننا كذلك. وحالياً، هناك اتفاق يُمكننا من الحصول على تأشيرة إلى ليتوانيا لا تكلف سوى 4 آلاف روبل، أي ما يعادل 50 جنيهاً إسترلينياً، ومن هناك يمكننا زيارة أماكن أخرى. كما يمكننا الذهاب إلى برلين عبر الحافلة. وأعتقد أن الأشخاص في مدينة كالينينغراد وروسيا الكبرى يختلفون كثيراً".

وترى متطوعة أُخرى تُدعى فاليريا، وتبلغ من العمر 20 سنة، الأمور من منظور مُختلف، حيث أوضحت قائلة: "لا نختلف كثيراً عن بقية المدن الروسية الأخرى لأن كل بلد يعد متعدد الجنسيات. إن كل ما في الأمر هو وجود ثقافات مختلفة".

وبها معارضة قديمة وجديدة لموسكو

ولطالما كانت هناك دعوات من قبل الحركة المؤيدة للملكية والمناهضة للشيوعية، Baltic Vanguard of Russian Resistance، للانشقاق. وفي مارس/آذار، تم القبض على أحد قادة هذه الحركة، نيكولاي سينتسوف، وهو رابع شخص في المجموعة يتم احتجازه. وتمثل هذه الحركة الأقلية المتشددة، في مدينة مستقلة لا يمكن أن تشهد انتعاشاً اقتصادياً. ولكن، في بلد تعتبر فيه معارضة فلاديمير بوتين مخاطرة كبرى، يبدو من الصعب أن تجد أصواتاً معارضة.

وقد وجدت صحيفة "Daily Mail" أبواب مكاتب الناشطين الموالين لأليكسي نافالني في مدينة كالينينغراد مغلقة. ونافالني هو الناشط السياسي الذي عارض ترشح بوتين للانتخابات الرئاسية التي أجريت في مارس/آذار الماضي. وكانت ثمة رسوم غرافيتي على الجدار الخارجي للمبنى، المتواجد بالقرب من محطة مترو لينسكي بروسبكت، لكن غابت أي أدلة على الحياة داخله. في هذا الصدد، رفض سولومون غينزبرغ، نائب رئيس مجلس الدوما الإقليمي في مدينة كالينينغراد، الإدلاء بأي تصريح.

وملعبها الكبير استضاف آخر مباريات المجموعة الـ4

وتسعى المدينة، التي استضافت آخر مباريات المجموعة الرابعة، جاهدة للترويج لجاذبية المنطقة إجمالاً. وقد أكد يفغيني ماسلوف على أن الملعب الجديد الذي تبلغ طاقة استيعابه 35 ألف متفرج لن يكون عديم القيمة بعد استضافته للمباريات الأربع الأخيرة في كأس العالم.

وأضاف ماسلوف أن "حجم الملعب عادي، لذلك، لن يواجه المشجعون أي مشاكل. كما أنه لا يمثل مشكلة مثيرة للقلق، ويمكن للأولاد الصغار أن يتدربوا فيه ليشاركوا في كأس العالم يوماً ما".

ومن المتوقع أن يتحول هذا الملعب إلى المكان الذي يتدرب فيه نادي بالتيكا كالينينغراد، الذي يبلغ متوسط عدد مشجعيه 4500 شخص، على الرغم من صعوده إلى الدرجة الأولى من الدوري الروسي.

شاهد ملعب المدينة بتقنية 360

وخلال الشهر الماضي، دعا بوتين الزعماء الإقليميين إلى عدم السماح بتحويل الملاعب التي تم إنشاؤها حديثاً بمبالغ باهظة إلى "أسواق للسلع المستعملة"، خاصة وأن مثل هذه الأمور قد سبق وأن حدثت في الملاعب خلال الأزمة الاقتصادية التي عاشتها البلاد في التسعينيات. وعلى سبيل المثال، شهد ملعب آرينا بالتيكا- الذي كان مدخله الكبير مصنوعاً من أعمدة تعود إلى كنيسة ألمانية تم تدميرها خلال الغارات الجوية- عمليات بيع السيارات الأوروبية التي تم عرضها في صفوف على أرض الملعب.

وقد كان المشجعون يستمتعون بالحفلة التي تواصلت يوم الأربعاء، والتي كان يحييها دي جي ضمن فعاليات FanFest بالقرب من أنقاض القلعة الألمانية، وكان الدي جي يتوسل مشجعي المنتخب الإسباني والمغربي للانضمام للحفلة.

تغيرت الأحوال الجوية بعد ذلك وتحولت رياح الصباح إلى مطر، ما جعل الحركة شاقة، مثلما هي الحال في المدينة دائماً.


وإقرأ أيضاً..

ستقام بها مباريات كأس العالم.. مدينة "كالينينغراد" تتبع روسيا لكن طابعها وموقعها أوروبي

أصابت هتلر بالجنون، وغّيرت خارطة العالم.. ما لا تعرفه عن المدينة التي تحتضن مباراة تونس وإنكلترا

تحميل المزيد