ستقام بها مباريات كأس العالم.. مدينة “كالينينغراد” تتبع روسيا لكن طابعها وموقعها أوروبي

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/02 الساعة 19:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/04 الساعة 10:54 بتوقيت غرينتش
Kaliningrad, Russia - July 31, 2017: Victory (Pobedy) square and Triumphal column with Order of Victory.

عندما تراجعت العلاقات بين موسكو والغرب خلال 2014 بعد استيلاء فلاديمير بوتين على شبه جزيرة القرم، اتخذت وسائل الإعلام المؤيدة للكرملين منحى جديداً.

فقد سعت إلى تصوير الدول الأوروبية بمظهر الدول الفاسدة أخلاقياً، التي تكن الكراهية الغريزية للروس. ومن جانبها، حذرت وزارة الخارجية المسافرين في الخارج من خطر اعتقالهم من قبل وكالات استخبارات غربية متعطشة للانتقام، حسب صحيفة The Guardian البريطانية.

بالنسبة للمقيمين في قلب روسيا الشاسع، لم تسافر الأغلبية الساحقة مطلقاً إلى أوروبا نظراً لحملة الدعاية الضخمة التي شنت ضدها. وقد وصلت المشاعر المعادية لأوروبا إلى أعلى مستوياتها منذ اندلاع الحرب الباردة.

النقطة تشير إلى كالينينغراد التي لا تتصل مباشرة بروسيا

كالينينغراد تضم ملعباً كبيراً لمونديال 2018

يقع استاد كالينينغراد (Warmian-Masurian Voivodeship)، ضمن المدينة وهو مؤلف من طابقين على بعد 45 كم فقط من الحدود مع بولندا مما يجعله ملعب كأس العالم 2018 FIFA الأقرب إلى الاتحاد الأوروبي ومنطقة شنغن.

ويتسع ملعب كالينينغراد  لـ35 ألف متفرج، وأصبح متاحاً للاستخدام مطلع هذا العام.

وجهز الملعب بأنظمة أمان حديثة وحلبة تلفزيونية مغلقة. وتكلف المشروع حوالي 11 مليار روبل. وتم لعب المباراة الأولى فيه يوم 11 أبريل/نيسان 2018،

بُني الملعب خصيصاً من أجل المونديال على جزيرة أوكتيابرسكي. وسيستضيف ٤ مباريات، وسيتم بناء طرق فرعية تؤدي إلى الملعب؛ لأن أقرب نقطة مواصلات إليه ليست قريبة بما يكفي.

ومن المقرر أن تنطلق النسخة الـ21 لكأس العالم في الـ14 من يونيو/حزيران الجاري حيث تواجه روسيا المنتخب السعودي في لقاء الافتتاح على أن يسدل الستار على البطولة في الـ15 من يوليو/تموز في العاصمة الروسية موسكو.

لكن كالينينغراد مختلفة

تطل كالينينغراد ذات المساحة الصغيرة على بحر البلطيق وليست لها أية حدود مشتركة مع روسيا، التي تبعد عنها حوالي 300 ميل شرقاً. وعلى عكس معظم الروس، يسافر سكان كالينينغراد بشكل متكرر إلى الاتحاد الأوروبي.

وتجدر الإشارة إلى أن وسط المدينة يقع على بعد 75 ميلاً من الحدود الليتوانية، وعلى بعد 30 ميلاً من بولندا. وفي عطلات نهاية الأسبوع والعطلات الرسمية، تقف طوابير طويلة من السيارات عند المعابر الحدودية للمدينة، حيث يقصد العديد من سكانها المدينة الساحلية البولندية القريبة، غدانسك.

في هذا السياق، قال الموظف ألكسندر، البالغ من العمر 35 عاماً إنه "كثيراً ما يسافر إلى بولندا ويرى العلاقة التي تجمع بين السكان هناك وبين الروس التي لم تكن تشوبها أية مشاكل". وأضاف المصدر ذاته أن "البولنديين هم أشخاص لا يختلفون عنا في شيء. وعلى غرار العديد من الأشخاص القاطنين هناك، يرفض ألكسندر ما تحاول أن تروج له وسائل الإعلام الروسية عن الدول الأوروبية ويعتبرها "أكاذيب".

السكان يسافرون بحثاً عن الغذاء المحظور

وتجدر الإشارة إلى أن العديد من سكان كالينينغراد يسافرون إلى بولندا وليتوانيا لتخزين المواد الغذائية الغربية التي حظرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال عام 2014، رداً على العقوبات الأوروبية والأميركية المفروضة على بلاده.

فعلى على الرغم من تحسن جودة الجبن واللحم في روسيا بشكل طفيف خلال السنوات الأخيرة، إلا أنه لا يزال هناك تعطش كبير للكثير من المأكولات الشهية المحظورة من قبل نظام بوتين على غرار  جبنة البارميزان والكامامبير وفاكهة الجامون.

وحول هذا الشأن، أوضح أليكسي شابونين المحرر في إحدى المواقع الإخبارية المحليون، والبالغ من العمر 48 عاماً قائلاً: "الوضع يشبه تماماً ما كان عليه عندما كنت طفلاً في الاتحاد السوفييتي. ففي ذلك الوقت، كنا نذهب إلى ليتوانيا طوال الوقت للحصول على اللحوم والحليب وغيرها من الأشياء التي لم نتمكن من الحصول عليها في روسيا. وبالطبع، لم تكن هناك حدود مرسومة في ذلك الوقت". ومن جانبها، أردفت عالمة الاجتماع، آنا أليمبييفا  قائلة: "يمكن حتى للذهاب نحو سوبرماركت بولندي أن يكون له تأثير كبير على الناس".

ومع أغلبهم جوازات سفر

وأشار المصدر ذاته إلى أن أكثر من 70 % من سكان كالينينغراد البالغ عددهم مليون شخص بحوزتهم جوازات سفر. في المقابل، تفيد الأرقام الرسمية أن 30 % فقط منهم يملكون جوازات سفر. وأكدت أليمبييفا أن سكان كالينينغراد يرون أوروبا بأمّ أعينهم وليس من خلال شاشة التلفزيون".

لا داعي للقول إن كالينينغراد تعد معقلاً للقيم الليبرالية. ففي هذه المدينة، هناك مزيج من الشقق المبنية على الطراز السوفييتي والميادين العامة ومراكز التسوق الحديثة. فليس من الغريب أن ترى أشخاصاً يرتدون قمصاناً تحمل صواريخ إسكندر الروسية، التي نشرها الكرملين في المنطقة خلال شهر فبراير/شباط.

قمع للمعارضة واتهامات للغرب

وفي حين سعت السلطات المحلية إلى قمع وسائل الإعلام المستقلة والناشطين في المعارضة، كان للحركة القومية المتطرفة الموالية لبوتين، "إن أو دي"، التي لا تكف عن توجيه أصابع الاتهام للبلدان الغربية حول معظم المشاكل التي تواجه روسيا، فرعاً محلياً ناشطاً هناك. وقد أشار شابونين ضاحكاً إلى أن "معظم هؤلاء الناس ما زالوا يذهبون إلى بولندا وليتوانيا للتسوق".

انقطع خط القطار إلى موسكو بعد الاتحاد السوفيتي

وخلال الحقبة الشيوعية، كان الانتقال من كالينينغراد إلى موسكو عن طريق البر أمراً بسيطاً للغاية، حيث لم يستوجب الأمر سوى التنقل بالقطار في رحلة بالقطار عبر الجمهوريات السوفيتية المجاورة.

وعندما انهار الاتحاد السوفييتي خلال عام 1991، وجدت كالينينغراد نفسها فجأة معزولة عن روسيا الأم من قبل الدول المستقلة حديثاً على غرار روسيا البيضاء ولاتفيا وليتوانيا.

يسكنون في روسيا ويحتاجون لتأشيرات للسفر براً إلى موسكو

وبعد عقد من الزمن، عندما انضمت لاتفيا وليتوانيا وبولندا إلى الاتحاد الأوروبي، أضحى سكان كالينينغراد يحتاجون إلى تأشيرات للسفر براً إلى روسيا.

يتجسد هذا الإحساس بالعزلة الجغرافية في مواقف وعبارات الناس: كان الأشخاص الذي يقومون بسفرات يومية يقولون إنهم متجهون لروسيا. وقد أخبرت أحد السكان المحليين أنه بالفعل في روسيا مما جعله يضحك بشدة. وفي التلفزيون الوطني، لا يتم عرض كالينينغراد ضمن الخريطة عند تقديم نشرة الطقس.

عاصمة بروسيا القديمة والمعسكر الرئيسي للجيش السوفيتي

كان الانهيار السوفييتي أحدث تطور في تاريخ كالينينغراد الغريب. فقد أسسها الفرسان التيوتون في القرن الثالث عشر، حيث كانت تعرف سابقا باسم كونيغسبرغ، عاصمة شرق بروسيا، التي تُوّج فيها الملوك البروسيين. وفي نهاية الحرب العالمية الثانية، تم ضم المدينة إلى الاتحاد السوفييتي وأعيد تسميتها تكريماً للثوري البلشفي ميخائيل كالينين.

بعد طرد ستالين للسكان من أصل ألماني من المدينة، تم إرسال المواطنين السوفييت إلى المدينة بغية إعادة إعمارها. وقد كان العديد منهم من العائلات العسكرية الروسية الذين وصفوا انتقالهم إلى كالينينغراد بأنه "انتقال إلى الغرب". وتجدر الإشارة إلى أن زوجة الرئيس الروسي السابقة، ليودميلا بوتينا، وُلدت في المدينة عام 1958.

وحتى عام 1991، كان الأجانب ممنوعين من الدخول إلى منطقة كالينينغراد بأكملها، نظراً لأنها كانت تعد بمثابة المعسكر الرئيسي للجيش السوفيتي.

عرضة للتأثيرات الغربية

جعل قرب كالينينغراد من أوروبا، ومينائها المطل على بحر البلطيق، أكثر عرضة للتأثيرات الغربية مقارنة ببقية بلدان الاتحاد السوفييتي. وفي هذا السياق، أفاد، أوليغ كاشين، الصحفي الروسي الشهير الذي ولد في كالينينغراد، أنه لطالما شبّه الناس أنفسهم بالأميركيين نظراً لأن العديد من العائلات القادمة من مختلف أرجاء الاتحاد السوفييتي وجدت نفسها "منصهرة" مع المُثل الجديدة التي تجلّت في المدينة.

بيت السوفييت مثال العمارة القاسية

في الحقيقة، يوجد رمز يذكر بتلك الحقبة ويتمثل في بيت السوفييت الذي يعد مثالاً عالمياً مشهوراً للعمارة القاسية. ويقع هذا المبنى غير المكتمل المؤلف من 28 طابقاً، والذي يعتبر السكان المحليون أنه يشبه رأس الإنسان الآلي الذي يخرج من الأرض، في الموقع السابق لقلعة كونيغسبرغ التي تعود للقرن الثالث عشر، والتي تم تدمير آثارها عام 1968 بأمر من الزعيم السوفيتي ليونيد بريجنيف (ستضم المنطقة المحيطة ببيت السوفيت المشجعين لفعاليات كأس العالم هذا الصيف).

من جهة أخرى، نجا عدد قليل جداً من مباني المدينة التي بنيت قبل العصر السوفييتي من الاعتداءين المزدوجين لحملة قصف سلاح الجو الملكي وعملية الجيش الأحمر التي دامت ثلاثة أيام والتي سعوْا من خلالها للاستيلاء على المدينة. وما تبقى اليوم من المباني المعمارية التي أنشئت خلال حقبة كالينينغراد البروسية الماضية سبع بوابات قوطية كانت تحيط بحدود المدينة السابقة، إلى جانب الكاتدرائية اللوثرية، وهي عبارة عن بناء قوطي من الطوب الأحمر، دفن فيها الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت الذي توفي عام 1804.