هل يُصعِّد الرئيس الفرنسي ضد «السترات الصفراء»؟ ماكرون يرفض حالة الطوارئ، ويهيئ الأمن لمواجهة الاحتجاجات مستقبلاً

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/02 الساعة 17:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/02 الساعة 18:02 بتوقيت غرينتش
French President Emmanuel Macron attends a news conference after an extraordinary EU leaders summit to finalise and formalise the Brexit agreement in Brussels, Belgium November 25, 2018. REUTERS/Piroschka van de Wouw

عاد ماكرون الأحد 2 ديسمبر/كانون الثاني 2018 إلى باريس، قادماً من اجتماع قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين، وذهب إلى قوس النصر لتقييم الضرر الذي أصابه بعد أن شوّهه مثيرو الشغب خلال احتجاجات السترات الصفراء .

وعلى عكس ما كان متوقعاً، قال مصدر رئاسي إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يبحث فرض حالة الطوارئ خلال اجتماع وزاري الأحد. وأضاف المصدر لـ "رويترز" أن الاجتماع تناول سبل تهيئة قوات الأمن لمواجهة الاحتجاجات في المستقبل، في أعقاب أحداث الشغب التي اندلعت في باريس، السبت 1 ديسمبر/كانون الأول.

وأمر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رئيس وزرائه الأحد بإجراء محادثات مع زعماء سياسيين ومتظاهرين بهدف إيجاد سبيل لإنهاء الاحتجاجات التي عمت البلاد في أعقاب تحويل مثيري الشغب وسط العاصمة باريس إلى ساحة حرب.

وبعد اجتماعه مع عدد من الوزراء قالت الرئاسة الفرنسية في بيان، إن ماكرون طلب من وزير الداخلية تهيئة قوات الأمن لمواجهة الاحتجاجات في المستقبل كما طلب من رئيس الوزراء إجراء محادثات مع زعماء الأحزاب السياسية وممثلي المحتجين.

وقال مصدر بالرئاسة الفرنسية إن ماكرون لن يتوجه بخطاب إلى الأمة الأحد رغم المطالبات بأن يقدم تنازلات فورية للمتظاهرين. وأضاف المصدر أن فكرة فرض حالة الطوارئ في البلاد لم تكن محل بحث.

مزيد من التعاطف مع احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا

برزت احتجاجات السترات الصفراء -التي أثارتها زيادة في ضريبة الوقود وسميت باسم سترات السلامة التي يرتديها المتظاهرون- كاحتجاجات عفوية على تراجع مستويات المعيشة.

وحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية، فإنه بعد انتشار احتجاجات السترات الصفراء ، على ما يبدو دون قائد وعبر الإنترنت، تلقت دعماً واسعاً ومتزايداً من أنحاء مختلفة في البلاد، حيث اندلعت مظاهرات أخرى السبت، الأول من ديسمبر/كانون الأول.

وكانت الكثير منها احتجاجات سلمية، رغم أن بعضها كان عنيفاً، مثلما هو الحال في بلدة لو بوي-أون-فيلاي، حيث أضرم المتظاهرون النار لفترة قصيرة في أحد مقار المحافظين المحلية.

لكن في باريس، اتخذت الاحتجاجات منعطفاً أكثر شراً، إذ انضم إليها متطرفون من اليسار واليمين، إلى جانب مجموعة الأناركيين، وكلهم كانوا يسعون للاستفادة من السخط المحتدم. شكّل العنف مرحلة جديدة لإدارة ماكرون، وأثار حالة من القلق حتى في بلد تشيع فيه الاحتجاجات المُنظمة.

والأحد، قال مسؤول للصحافيين إنَّ شخصاً واحداً توفي في حادث عند حاجز طريق بالقرب من آرل جنوبي فرنسا، وهي ثالث حالة وفاة منذ اندلاع احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا.

تحول المظاهرات إلى مواجهات وحوادث عنف

حملت حوادث العنف التي وقعت يوم السبت دلالة رمزية قوية، حتى وإن كان المخربون الذين انضموا للحركة الآن هم من يرتكبون معظمها. إن ثورة الفلاحين والعمال في العصر الحديث ضد رئيس يزداد الازدراء تجاهه لدرجة إزاحته عن الحكم بطريقة تشبه طرق إزاحة الملوك، قد حولت أغنى شوارع البلاد وأبرز معالمها إلى ساحات حرب حقيقية.

وقد امتدت المواجهات بين الشرطة والمتظاهرين، إلى جانب المخربين المحترفين الذين أطلق عليهم الفرنسيون اسم "مثيري الشغب"، إلى العديد من أشهر المواقع في المدينة، بما في ذلك ميدان كونكورد وساحة تروكاديرو.

وكتب المحتجون على قوس النصر رشاً بالطلاء "السترات الصفراء ستنتصر"، وتمكنوا من دخوله والوصول إلى قمته، وتخريب المعرض الدائم الموجود في الداخل.

أوضح رئيس الوزراء إدوارد فيليب أن الحكومة تفرّق في احتجاجات السترات الصفراء بين من جاؤوا إلى باريس مستعدين لمحاربة الشرطة وغيرهم ممن تبدي الحكومة استعداداً للحديث معهم.

وقال فيليب، الذي ألغى رحلة كان مخططاً لها لمؤتمر المناخ في بولندا بسبب أحداث العنف: "نحن ملتزمون بحرية التعبير، ولكن أيضاً باحترام القانون". وقال في إشارة إلى الاشتباكات حول قوس النصر "لقد صدمني هذا العنف الذي طال رمزاً عظيماً لفرنسا".

في ظل تجاهل الحكومة الفرنسية لمطالب المحتجين

ومع ذلك، مرَّ أسبوعان على احتجاجات السترات الصفراء قبل أن توافق الحكومة، التي كانت تتجاهل المتظاهرين، على مقابلتهم.

وفي وقت سابق، عرض المسؤولون الحكوميون زيادة الدعم لشراء السيارات المقتصدة في استهلاك الوقود وتركيب أنظمة تدفئة منزلية تحمل درجة أقل من التلوث، لكن المتظاهرين أشاروا إلى أنَّ هذا غير كافٍ لأن الكثيرين لا يملكون ما يكفي من المال لشراء سيارة، حتى وإن كانت مدعّمة.

ثم دعا فيليب إلى الاجتماع بممثلي احتجاجات السترات الصفراء، في 30 نوفمبر/تشرين الثاني. ومع ذلك، لأنه لا يوجد قائد للحركة أو حتى أي ممثلين حقيقيين، لم تكن هوية من دعاهم واضحة.

وكانت النتيجة أن اثنين فقط من المشاركين في احتجاجات السترات الصفراء ظهروا في مقر فيليب الرسمي في ماتينيون، وهو منزل كبير في الدائرة السابعة الأنيقة في باريس.

وقال فيليب: كان الاجتماع "مثيراً وصريحاً ومحترماً"، مضيفاً أن بابه دائماً مفتوح.

لكن الباب المفتوح قد أغلقه وزراء آخرون قالوا علناً إنه لن يكون هناك أي تراجع عن ضرائب الحكومة الجديدة المفروضة على الوقود أو برنامجها الشامل.

والانقسام الحاصل بين وزراء الرئيس ماكرون في كيفية التعاطي مع المظاهرات

لم تنجح سياسة اتباع نهجين مختلفين في التعامل مع الاحتجاجات. إذ سارت مجموعة كبيرة من أصحاب السترات الصفراء في باريس بسلام، بلافتة كتب عليها "ماكرون، توقف عن الاستخفاف بعقولنا".

ورداً على سؤال حول ما إذا كان هذا يشير إلى رسائل الحكومة المختلطة، قال أحد المتظاهرين الذين كانوا يمسكون بحافة اللافتة: "بالطبع. من يظننا؟".

وقال ممثل عن أصحاب السترات الصفراء من أندر، وهو إقليم في وسط فرنسا، أجرت شبكة التلفزيون الفرنسية BFM مقابلة معه، إنّ على ماكرون أن يتخذ خطوات حاسمة لتهدئة احتجاجات السترات الصفراء "مع الاعتراف بأن هذه لحظة خطيرة تمر بها بلادنا".

المشكلة التي تواجهها الحكومة هي أن الفصائل المختلفة من "السترات الصفراء" لديها مطالب متنوعة. فبينما تريد جميعها مستوىً أرقى للعيش، بعضها ساخطٌ على ماكرون بسبب ما يرونها سياساتٍ ضريبيةً ظالمةً تساعد الأغنياء ولا تفيد الفقراء في شيءٍ، ويريدون عزله من منصبه.

أما الآخرون فهمُّهم الأكبر رفع الحد الأدنى للأجور والحد من المبالغ المقتطعة من رواتب الموظفين لأجل تغطية التأمينات الاجتماعية والخدمات ذات الصلة.

لكن لماذا يرفض ماكرون التفاوض مع المحتجين من السترات الصفراء؟

أضف إلى ذلك حقيقة أن كثيراً ممن يزعمون دعمهم للقضية لم يخرجوا إلى المظاهرات. وبينما من الممكن أن هذا القطيع من الداعمين لن يصيروا نشطاء، فلو فعلوا، سيصعب على الحكومة التعامل مع الأمر.

حتى في يوم السبت، الموافق 1 ديسمبر/ كانون الأول، تمكن المتظاهرون من مراوغة قوات الشرطة، فغادروا منطقة قوس النصر أثناء رشها بالغاز المسيل للدموع ومدافع المياه، ولكن كانوا يظهرون في مناطق أخرى من المدينة بهدف نشر الفوضى.

ولكن حتى الآن، لا يرى ماكرون في محاولة التفاوض مع المحتجِّين سوى سلبياتها.

فقال جيرارد نوارييل، المؤرخ بمدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية: "يرى إيمانويل ماكرون أن أسلافه من رؤساء الجمهورية قد فشلوا في مشاريعهم الإصلاحية، لأنهم رضخوا لضغوط الشارع".

وتابع نوارييل قائلاً: "إنه يرى أنّ احتجاجات السترات الصفراء ، التي شارك بها أقل من 300 ألف فردٍ في أولى مظاهراتها، وأقل من 80 ألفاً اليوم ستزيد ضعفاً على ضعفٍ، وأن عنف المتظاهرين سيسلب السترات الصفراء مصداقيتهم أمام الرأي العام".

مع العلم أن أغلب الفرنسيين يختلفون مع سياسته الاجتماعية

ومن ناحيته، قال برنارد سانانيه، رئيس منظمة استطلاع الرأي الفرنسية إيلاب Elabe، إن المشكلة تكمن في أن "هناك نسختين من فرنسا". وتابع في حوارٍ له يوم السبت على قناة BFMTV: "إحداها فرنسا تشعر بأنها محل تجاهل وتدنٍّ" على السلم الاجتماعي الاقتصادي.

وقد قالت دراسةٌ نشرها هذا الأسبوع معهد جون جوريه، وهو فريق بحثٍ مختصٍ في السياسة العامة: "في الماضي، كان يمكن لهؤلاء الناس أن يخرجوا في نُزَهٍ للتسلية، أما اليوم فهذه (الرفاهيات) بعيدةٌ عن متناولهم".

وتشير عدة استطلاعاتٍ للرأي العام أُجرِيت هذا الأسبوع أن 70 إلى 80% من الشعب الفرنسي متعاطفٌ مع رأي السترات الصفراء، بأن الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته "يتحدثون عن نهاية العام بينما نتحدث نحن عن نهاية الشهر".

ويشير هذا الشعار إلى اهتمام ماكرون بالحد من تغير المناخ عن طريق الترويج لكفاءة الوقود ورفع الضرائب على البنزين، بالتعارض مع الطبقة العاملة الفرنسية التي تكافح للعيش على أجورها حتى نهاية الشهر. وتستمد السترات الصفراء أنصارها من أغلبية الفرنسيين الذين شهِدوا رواتبهم وهي تتخلف عن مواكبة تكاليف العيش بالنسبة لهم.

ومع ذلك، فإن الشعب الفرنسي أفضل حالاً بكثيرٍ من شعوب دول أوروبا الشرقية، وفقاً ليوروستات Eurostat، مديرية الإحصاءات لدى الاتحاد الأوروبي.

رغم أنها تبقى من بين الأفضل في أوروبا

وقد بلغ  متوسط الدخل المتيسر للفرد في البيت الفرنسي 1700 يورو في الشهر، أي ما يقرب من 1923 دولاراً، في عام 2016، وهو العام الأخير الذي توجد إحصاءاتٌ متاحةٌ عنه، وفقاً لوكالة إنسي Insee للإحصاءات التابعة للحكومة الفرنسية.

ويعني الدخلُ المتيسرُ المبلغَ المتبقي لدى العاملين لكي ينفقوه على حاجاتهم اليومية (الإسكان، والطعام، ومصاريف المدارس، والملابس) بعد دفع ضرائب الدخل وضرائب جدول المرتبات وتعديل ميزانياتهم، وفقاً لأية إعاناتٍ حكوميةٍ قد يكونون مؤهلين لها.

غالباً ما تكون الطريقة الوحيدة لتوفير التكاليف هي الانتقال إلى ضحايا المدن الكبرى، حيث أسعار العقارات أقل بكثيرٍ، ولكن هناك يتعين على العاملين عامةً الاعتماد على السيارات للوصول إلى عملهم أو مهامهم اليومية. والسيارت تحتاج إلى وقودٍ، لذلك يتأثرون بأية ضريبةٍ مفروضةٍ على الوقود. وقد ارتفعت الضرائب كذلك على التبغ وسلعٍ أخرى.

بالنسبة إلى العاملين القاطنين بالمناطق الريفية والقرى الصغيرة النائية في قلب فرنسا، فإن السيارات ضرورةٌ أكبر بكثيرٍ.

وقد بدأ سياسيو حزب الوسط، حتى أولئك الذين يدعمون ماكرون، المناداة باستجابةٍ أكثر فاعلية من الحكومة. ومن ضمن هؤلاء فرانسوا بايرو، زعيم الديمقراطيين المعتدلين، الذين هم شركاء لحزب "الجمهورية إلى الأمام" الذي جاء منه الرئيس ماكرون، إذ قال في حوارٍ على قناة Europe 1: "لا يمكنك أن تحكم ضد الشعب".

وتابع بايرو قائلاً إنه ليس متأكداً من البديل، لكن لا يمكن للحكومة أن تظل "تكدِّس الضرائب بعضها فوق بعضها".

علامات:
تحميل المزيد