بعد الانتقادات التي تلقتها السلطات الألمانية بالتقاعس في قضية الإيزيدية ومُعذبها الداعشي الذي التقته هناك، أكدت ألمانيا قيامها بواجبها في حماية الفتاة أشواق حاجي تالو.
وجاء ذلك بعد تصريحات "تالو"، التي قالت إنها عادت إلى كردستان العراق؛ خوفاً من رجل عراقي ينتمي إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، كان قد اشتراها قبل أعوام عندما كانت مختطفة لدى "داعش"، ولاحقها بألمانيا في شهر فبراير/شباط 2018، منتقدة تقصير السلطات الألمانية.
تصريحاتها تتناقض مع ما ذكرته الشرطة والادعاء
كانت الفتاة الإيزيدية (19 عاماً) قد قالت لموقع "بازنيوز" الكردي العراقي إنها أخبرت الشرطة الألمانية، التي فحصت تسجيلات كاميرا مراقبة مثبتة في سوبر ماركت كانت قد فرت من "أبو همام" إليه.
وتمكنت من تحديد هويته، لكنها أخبرتها بأن الشخص المذكور لاجئ مثلها ولا يستطيعون فعل شيء، واكتفوا بإعطائها رقم هاتف لتتواصل عبره معهم في حال ظهور المدعو "أبو همام" مجدداً؛ لذا عادت خوفاً إلى كردستان العراق.
إلا أن الادعاء العام الاتحادي، المتخصص بقضايا الإرهاب، سرد رواية أخرى لرد فعل الشرطة على بلاغها تتناقض مع ما قالته أشواق.
فقال إن الشرطة رسمت صورة تقريبية للمشتبه فيه، وإنه وفقاً للوصف غير الدقيق الذي قدمته أشواق لم يتم التمكن من تحديد هوية الشخص، وإنه لم يتم التمكن من ربط اسم "أبو همام" بأي شخص على أرض الواقع، إلا أنهم أكدوا مواصلة التحقيق.
وقالت المتحدثة باسم الادعاء العام الاتحادي الجمعة 17 أغسطس/آب 2018، إن أشواق بدت خلال الاستجواب غير متأكدة تماماً مما إذا كان الرجل هو معذبها السابق.
وكان الادعاء قد قال في وقت سابق، إن استجواباً مع أشواق كان مقرراً مطلع شهر يونيو/حزيران 2018، لكنه لم يحصل لأنها كانت قد غادرت البلاد في ذلك الوقت.
وأكدت فراوكه كوهلر، المتحدثة باسم الادعاء العام الاتحادي، لوكالة الأنباء الألمانية، أنهم اهتموا بالطبع بالقضية ويأخذون توصيفات مثلها بجدية كبيرة، وبيّنت أنها لا تعلم بوجود حالات أخرى من هذا النوع.
وأكدت أيضاً لوكالة "أسوشييتد برس" أنه لو وجدوا فرصة في القبض على أحدهم لفعلوا ذلك فوراً، مشيرة إلى فتح الادعاء العام الاتحادي تحقيقاً خاصاً منذ أعوام في جرائم الحرب المفترضة التي ارتكبها "داعش" بهدف تقديم الفاعلين للعدالة.
إلا أن ما يدعم رواية أشواق، هو نقل تلفزيون "إس في إر"، الجمعة، عن زيمفيرا دلوفاني، نائبة رئيسة المجلس الاستشاري للإيزيديين في ألمانيا، تأكيدها أن فتيات أخريات كن مستعبَدات لدى المدعو "أبو همام"، تعرفن عليه أيضاً في ولاية بادن فورتمبرغ.
وقالت أشواق في وقت سابق، إن صديقة لها مقيمة في شتوتغارت تعرفت على سجّانها السابق أيضاً. وأكدت للوكالة الألمانية أن الروايات التي تحكيها هي أو صديقاتها عن لقاءات مماثلة مع مستعبِديهم سابقاً، لا تؤخذ بجدية غالباً، قائلة: "لا أحد يسمعنا، ولا أحد يصدقنا".
من جانبه، قال متحدث باسم شفيبش غيموند، التي كانت تقيم فيها أشواق قبل مغادرتها البلاد، الجمعة، لصحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ"، إنهم كانوا على تواصل مع الفتاة بعد واقعة مشاهدتها الرجل الذي استعبدها وبحثوا عن شقة جديدة تنتقل إليها؛ لحمايتها بشكل أفضل، لكنها رفضت الانتقال.
يقول المتحدث أيضاً إنهم حاولوا البحث والنظر في الكيفية التي أتى فيها المدعو "أبو همام" للمدينة، فتبين لهم أنه ليس معروفاً في المدينة، وأنه ليس مسجلاً كلاجئ.
إخصائي نفساني يتكهن بإمكانية تخيُّلها شخصاً آخر على أنه مُعذّبها "الداعشي"
يان إلهان كزلهان، البروفيسور والاستشاري النفسي الذي يقدم الرعاية للكثير من الناجيات الإيزيديات من التنظيم في ألمانيا، لم يستبعد في مقابلة مع تلفزيون "إس في إر" أن يكون الأمر متعلقاً بتشبيه أشواق شخصاً ما بمستعبدها السابق؛ نظراً إلى معاناتها صدمة.
وقال إن الأناس الذين أصيبوا بصدمة يعانون اضطرابات في الذاكرة، مبيناً أن ذلك يعني أنه يمكن أن يصبح الرجال الملتحون -وكانت غالبية مقاتلي "داعش" الذين قاموا باغتصابهن ملتحين – بمثابة عامل مثير "زناد" في ذاكرتهن، وهكذا يشاهدن صور معذبيهن عند مشاهدة رجال ملتحين.
هل ستعود لألمانيا؟
وقال مكتب التحقيقات الجنائية في ولاية بادن فورتمبرغ يوم الأربعاء 15 أغسطس/آب 2018، إنه تسلم التحقيق في هذه القضية في 13 مارس/آذار 2018، لكن لا يمكن المضي في ذلك؛ لأنه لم يعد بالإمكان التواصل مع الشاهدة أشواق بغرض طرح أسئلة عليها.
وكانت أشواق قد انتقدت السبت 18 أغسطس/آب 2018، مجدداً، عمل السلطات الألمانية، وتساءلت في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية عن سبب عدم تواصل هذه السلطات معها رغم أنه كان بإمكانها ذلك، قائلة: "لماذا لم يتصلوا بي؟".
وتعبر الفتاة الإيزيدية عن امتنانها البالغ للألمان، لكنها ترفض العودة لألمانيا وترغب في مواصلة العيش بكردستان العراق؛ كي لا تقابل المدعو "أبو همام" مجدداً، لأنها خائفة جداً، على حد وصفها.
الأمر الذي لن يساعد في المضي في التحقيق؛ إذ تقول المتحدثة باسم الادعاء الاتحادي كوهلر إن القضية صعبة، وإنه في حال حصولهن على أية معلومة أخرى عن الأمر تعززها فسيتابعونها، موضحة أنه لأجل ذلك، سيكون هناك حاجة لعودة "أشواق" لألمانيا، الأمر الذي يحق لها قانوناً، مشيرة إلى أن سلطاتهم تنتهي عند الحدود الألمانية.
وعبّر ميشائيل بلومه، المستشار الوزاري في ولاية بادن فورتمبرغ، الذي أشرف على برنامج لإنقاذ الأطفال والسيدات من شمال العراق في وقت ذروة صعود التنظيم الإرهابي، عن أسفه لعودة أشواق، التي يعرفها بشكل شخصي، إلى كردستان العراق.
مشيراً إلى قدرتها على مساعدة المحققين لو بقيت في ألمانيا، خاصة مع عرض حماية أكبر عليها، معبراً عن خشيته من عدم تمكنها من التعبير عن رأيها بحرية في العراق الآن.
واعتبر بلومه في مقابلة مع تلفزيون "إس في إر"، قول الفتاة الإيزيدية إنها تعرفت على مستعبدها السابق في ألمانيا ذا مصداقية.
وكانت أشواق قد تعرَّضت للأسر في الثالث من شهر أغسطس/آب 2014، في الفترة التي شهدت هجوماً كبيراً من التنظيم على المناطق التي يقيم فيها الإيزيديون في كردستان العراق، وتمكنت من الفرار يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، بحسب قولها.
وكانت واحدة من بين قرابة 1000 فتاة وامرأة مصابات بصدمات جراء اختطافهن أو تعرّضهن للاعتداء الجنسي والاستعباد، وصلن إلى ولاية بادن فورتمبرغ الألمانية (مع والدتها وشقيقها الصغير) عبر مبادرة سياسية في عام 2015 من قِبل فينفريد كريتشمان، رئيس وزراء الولاية.
شاهدته مرتين
وقالت في شريط مصور انتشر على نطاق واسع على الشبكات الاجتماعية خلال الأيام الماضية، إنها شاهدت الرجل المنتمي إلى تنظيم داعش، الذي قام ببيعها حين أسرها، في ألمانيا مرتين. أولاهما عام 2016، واعتقدت حينها أنها مخطئة وأن الذي شاهدته ليس المدعو "أبو همام" الذي اشتراها عندما كانت مختطفة لدى "داعش".
وأوضحت أنها رأته يوم 21 فبراير/شباط 2018 للمرة الثانية، في بلدة "شفيبيشه غموند"، غير البعيدة عن مدينة شتوتغارت.
وقالت إنها كانت خائفة، وعرفت أنه هو الشخص الذي ظلَّت مسجونة لديه 3 أشهر، وباتت بالكاد قادرة على التحدث، لتنفي أمامه أن تكون أشواق.
وأوضحت أن مستعبدها السابق تكلم معها بعد ذلك بالعربية، فواظبت على الرد بالألمانية، قائلة إنها لا تتحدث العربية؛ بل تتحدث التركية والألمانية، متظاهرة بذلك بأنها ألمانية من أصول تركية. فقال لها إنه يعرف أنها تعيش مع والدتها وشقيقها في ألمانيا منذ 2015، وذكر لها عنوانها، مؤكدة أنه كان يعرف كل شيء باختصار عن حياتها.
وقالت لوكالة أسوشييتد برس في مخيم شيخان للنازحين في كردستان العراق السبت 18 أغسطس/آب 2018، إنها تعرفت على وجه "أبو همام" (الذي تقول إن اسمه الحقيقي محمد رشيد) في ذلك اللقاء بألمانيا بوضوح تماماً، وإنه بإمكانها التعرف عليه دائماً حيثما تراه، مرجعة ذلك إلى الضرب الذي تلقينه منه، ورؤيتهن له 24 ساعة في اليوم، عندما كن محتجزات لديه.
وبررت عودتها للعراق رغم تبليغها الشرطة الألمانية بالواقعة، بالخوف على سلامتها قائلة "لست مستعدة للتضحية بشرفي في ألمانيا"، متسائلة: "لو تم اختطافي أو قتلي في ألمانيا، من كان سيكتشف من فعل ذلك بي؟".
اقرأ أيضاً