New York Times: التسجيلات التركية ستفيد في معرفة الحقيقة، لكن هل ستورّط محمد بن سلمان بجريمة قتل خاشقجي؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/25 الساعة 15:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/25 الساعة 15:37 بتوقيت غرينتش
Saudi Crown Prince Mohammed bin Salman attends an event with Prime Minister and Vice-President of the United Arab Emirates and ruler of Dubai Sheikh Mohammed bin Rashid al-Maktoum during the Future Investment Initiative Forum in Riyadh, October 24, 2018. REUTERS/Faisal Al Nasser

قالت صحيفة The New York Times الأميركية، إنه يتعيَّن على الأتراك تقديم نسخة كاملة من التسجيلات التي توثق لعملية مقتل جمال خاشقجي ، لوكالة الاستخبارات الأميركية والوكالات الأخرى "حتى يكون للتسجيلات منفعة حقيقية لتلك الوكالات". وأوضح تقرير للصحيفة الأميركية، نُشر الأربعاء 24 أكتوبر/تشرين الأول 2018، أنه حتى بعد حدوث تحليل تلك التسجيلات والتأكد من صحتها، فإنها "لن تكون ذات قيمة كبيرة على الأرجح للإجابة عن السؤال الرئيسي المتعلق، بما إذا كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان  مرتبطاً بعملية القتل أم لا".

محمد بن سلمان ينأى بنفسه عن جريمة مقتل جمال خاشقجي

أدان ولي العهد السعودي، الأربعاء 24 أكتوبر/تشرين الأول "الجريمة البشعة" التي ارتُكِبَت بحقِّ جمال خاشقجي، الكاتب المعارض الذي قُتِل في تركيا. وكانت تلك هي أبرز محاولاته العلنية حتى الآن، للنأي بنفسه عن العملاء السعوديين المشتبهين بالقتل، الذين يضمون بعض مساعدي ولي العهد نفسه.

خرجت تصريحات ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان،  أثناء حلقة نقاشية بمؤتمرٍ كبير للمستثمرين بالعاصمة السعودية الرياض. وتأتي في وقتٍ تواصل فيه العلاقات بين السعودية وتركيا التدهور على خلفية مقتل جمال خاشقجي التي وقعت في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول، بالقنصلية السعودية في إسطنبول، في الوقت الذي تتعرض فيه العلاقات الاقتصادية والسياسية السعودية مع الغرب لخطر متزايد.

وأصرَّ الأمير محمد بن سلمان على أنَّ تركيا والسعودية تتعاونان لتقديم مرتكبي عملية القتل للعدالة.

وقال الأمير: "الجريمة كانت مؤلمة لكل السعوديين وكل إنسان في العالم. إنَّها جريمة بشعة لا يمكن تبريرها".

وقال إنَّ أي شرخٍ في العلاقات السعودية التركية "لن يحدث، وسنثبت للعالم أنَّ الحكومتين متعاونتان لمعاقبة أي مجرم، وأي شخص مذنب، والعدالة ستظهر في النهاية".

جاءت تصريحات ولي العهد وسط تقارير من وكالات أنباء تركية وسعودية بأنَّ ولي العهد محمد بن سلمان تحدَّث هاتفياً عن مقتل جمال خاشقجي مع المُتَّهِم الرئيسي للسعودية، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. كانت تلك أول أنباء رسمية عن حديث القائدين، اللذين يُعدان متنافسين إقليميين عن هذه القضية.

لكن الأتراك يؤكدون تورط مقربين من ولي العهد السعودي

وأشار مسؤولون أتراك إلى تورُّط بعض التابعين المُقرَّبين من ولي العهد في مقتل جمال خاشقجي (59 عاماً)، كاتب الرأي في صحيفة The Washington Post الأميركية.

وقالت وكالات استخبارات غربية، إنَّ من شبه المؤكَّد أنَّ العملاء السعوديين لم يتحركوا دون علم أو أمر من ولي العهد محمد بن سلمان صاحب الـ33 عاماً، الذي يُعَد الحاكم الفعلي للسعودية.

وأصرَّت السلطات الملكية السعودية على مرِّ أسابيع على أنَّ خاشقجي قد غادر قنصلية إسطنبول في نفس اليوم الذي زارها فيه. ولم تعترف السلطات السعودية بأنَّه قُتِل داخل المبنى إلا السبت الماضي 20 أكتوبر/تشرين الأول، واصفةً الأمر بأنَّه كان حادثاً بالخطأ. وقالت السلطات إنَّ 18 سعودياً مشتبهاً بتورُّطه في الأمر قد احتُجِزوا في السعودية.

وقالت السلطات التركية إنَّ لديها أدلة تتضمَّن تسجيلاتٍ صوتية على أنَّ فريقاً من القتلة السعوديين قَتلوا خاشقجي في غضون دقائق من دخوله إلى القنصلية، وقطَّعوا جسده، ثُمَّ حاولوا التغطية على موته، بل سلكوا مساراً خيالياً بجعلهم عميلاً سعودياً يشبه خاشقجي يخرج من القنصلية مرتدياً ملابس الضحية.

حتى إن أقرب حلفاء السعودية شككوا في روايتها

وقال الرئيس الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهو حليفٌ وثيق للأسرة السعودية الملكية، إنَّه مُتشكِّكٌ حيال التفسيرات السعودية لما حدث، ووصف عملية التستُّر عن مقتل جمال خاشقجي بأنَّها "واحدة من أسوأ عمليات التستُّر".

وقال ترمب في مقابلةٍ مع صحيفة The Wall Street Journal الأميركية، إنَّ العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية ستتضرر إن كان ولي العهد محمد بن سلمان غير صادق معه. وقال الرئيس: "بالتأكيد سيكون ذلك أمراً سيئاً للغاية بالنسبة للعلاقات، وسيستغرق وقتاً لإصلاحه".

زارت جينا هاسبل مديرة وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) تركيا على مدار الأيام القليلة الماضية للحصول على مزيدٍ من المعلومات من نظرائها الأتراك.

خاصة بعد اطّلاعهم على تسجيلات مقتل جمال خاشقجي خاشقجي

وأفادت صحيفة Sabah التركية الموالية للحكومة، أنَّ المسؤولين الأتراك أطلعوا هاسبل على أدلة من بينها تسجيلات صوتية. ولم يُعلِّق مسؤولو الاستخبارات الأميركية على لقاء هاسبل.

وحتى يكون للتسجيلات منفعة حقيقية لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أو الوكالات الأخرى، سيتعين على الأتراك تقديم نسخة كاملة حتى يتمكَّن عملاء الاستخبارات الأميركيون من عمل التحليل التقني وإثبات صحتها.

لكن وفقاً لمسؤولين مطلعين على المعلومات، فحتى بعد حدوث هذا التحليل، لن تكون التسجيلات التي توثق لعملية مقتل جمال خاشقجي ذات قيمة كبيرة على الأرجح للإجابة عن السؤال الرئيسي المتعلق بما إذا كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مرتبطاً بعملية القتل أم لا.

وقال المسؤولون إنَّه لا سبب يُذكَر للتشكيك في الرواية الرسمية التركية حول قتل خاشقجي بوحشية داخل القنصلية. لكنَّهم قالوا إنَّ وكالات الاستخبارات ما زالت غير مقتنعة بأنَّ المعلومات التي جُمِعَت من القنصلية ستحل السؤال الرئيسي حول تورُّط ولي العهد.

ويعتقد بعض المسؤولين الحكوميين، أنَّ ولي العهد أَمَرَ باتخاذ إجراء ضد خاشقجي، لكنَّه لم يكن يهدف إلى قتله. ويعتقد آخرون أنَّ الأمير محمد أراد قتله.

ونفت السعودية أنَّ قادتها أصدروا أوامر بتنفيذ العملية ضد خاشقجي، أو حتى كانوا على علم بأنَّها حدثت إلا بعد أيام من وقوعها.

مقتل خاشقجي كان حاضراً في مؤتمر "دافوس الصحراء"

ازداد الاهتمام الذي أحاط ظهور ولي العهد في حلقةٍ نقاشية بمؤتمر الاستثمار، بسبب وجود ضيف آخر في الحلقة، هو رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، الذي كان مُحتَجزاً قبل عامٍ تقريباً في السعودية بأوامر من ولي العهد محمد بن سلمان كما يبدو.

تسبَّبت الملابسات الغريبة التي أحاطت بزيارة الحريري آنذاك في غضبٍ دولي، لكن يبدو أنَّ الرجلين تراضَيا منذ إطلاق سراح الحريري.

لم يتناول الحريري الحادثة، وركَّز تصريحاته بدلاً من ذلك على تنمية الاقتصاد اللبناني. لكنَّ الأمير محمد سعى للمزاح بشأن تلك الحادثة. فقال ولي العهد: "دولة الرئيس سعد سيمكث ليومين في السعودية، فأرجو ألا تخرج شائعات بأنَّه مُختطَف".

استغل ولي العهد معظم وقته في الحلقة النقاشية في الترويج لما وصفه بأنَّه مستقبل بلاده الغني الرائع. وقال: "لا أعتقد أنَّ هناك أي تحدٍّ أمام الشعب السعودي العظيم. كل مشروعاتنا تتقدم، الإصلاح يتقدم، وحربنا على التطرُّف تتقدم، وحربنا على الإرهاب تتقدم، وتطوير المملكة العربية السعودية يتقدم. مهما حاولوا إيقاف جهودنا، لن نتوقف".

وأشار إلى أنَّ بلدان الشرق الأوسط قد تُشكِّل يوماً ما مُحرِّكاً اقتصادياً مثل أوروبا. وفي لفتة شهامةٍ مفاجئة، قال ولي العهد إنَّ حتى قطر –الجارة الخصمة التي استهدفها حصارٌ تقوده السعودية- لديها اقتصاد قوي قد يؤدي دوراً مهماً في مستقبل المنطقة.

وتساءل المصرفيون والمسؤولون التنفيذيون للشركات طوال اليوم في المؤتمر، المعروف بمبادرة مستقبل الاستثمار، حول ما إن كان الأمير سيظهر في المؤتمر في نهاية المطاف أم لا، وهو الظهور الذي كان قد أُضيف إلى جدول أعمال المؤتمر على موقعه بالإنترنت ثُمَّ حُذِف منه على نحوٍ غامض.

رغم محاولات الطمأنة والترويج لعقود بالمليارات

وعلى الرغم من الضجة المُثارة بشأن مقتل جمال خاشقجي ، سار المؤتمر على ما يرام في يومه الثاني، فتركَّزت النقاشات على أسواق رأس المال، وصناديق الثروة السيادية، والاستثمار في القطاعات التكنولوجية الناشئة في السعودية.

وعلى الرغم من إلقاء الكلمات الترويجية في أروقة الفندق، كان من المبكر القول ما إن كان غياب كبار المصرفيين الأميركيين سيُشكِّل عائقاً أمام عقد الصفقات أو سيؤدي لفتح فرص جديدة أمام المستثمرين من روسيا والصين.

وأعلنت شركة أرامكو السعودية، يوم الثلاثاء 23 أكتوبر/تشرين الأول، توقيع 15 صفقة تبلغ قيمتها أكثر من 30 مليار دولار مع شركات من ثمانية بلدان: الولايات المتحدة، وفرنسا، والصين، واليابان، والإمارات، وبريطانيا، وكوريا الجنوبية، والهند. ويبقى أن نرى ما إن كانت تصريحات ولي العهد محمد بن سلمان بشأن خاشقجي ستُبدِّد المخاوف العالقة.

قال رالف سايمون، الرئيس التنفيذي لشركة Mobilium Global، وهي شركة لتكنولوجيا التطبيقات المتعلقة بالهواتف المحمولة: "كان هذا أمراً يجب عليه فعله بصورةٍ ما.

إذ كان هناك الكثير من المعارضة للأشخاص القادمين إلى هذه الفعالية، وكنتُ آمل أن يكون هناك بيانٌ عام بصورةٍ ما".

وحاول المسؤولون السعوديون في مؤتمر الاستثمار إبعاد التركيز عن مقتل جمال خاشقجي والتركيز بدلاًمن ذلك على خططهم الكبرى من أجل المملكة.

فقالت الأميرة ريما بنت بندر آل سعود، التي ألقت للتو كلمة عن عملها مع هيئة الرياضة السعودية: "كانت تلك مأساة ولحظة صادمة لنا جميعاً، وأعتقد أنَّ الجميع عليهم أن يُقرِّروا لأنفسهم".

وأضافت: "يوجد 33 مليون شخص في هذا البلد يحاولون جاهدين نقل هذا البلد إلى الأمام، ولدينا رؤية واضحة جداً. وهذا ما يجعلنا نقول للناس خذوا المبادرة واستثمروا في مستقبلنا".

لكن السؤال يبقى: هل تورَّط محمد بن سلمان في الجريمة؟

لكنَّ البيانات السعودية المتغيِّرة بشأن مقتل جمال خاشقجي لم تؤدِّ إلا إلى تعميق الشكوك الأجنبية حيال دور ولي العهد محمد بن سلمان .

وتعزَّزت هذه الشكوك أكثر نتيجة رد فعلٍ عنيف على الشبكات الاجتماعية يوم الأربعاء، على خلفية نشر صور لبادرة تعزية مُصطنعة من ولي العهد، تُظهِره وهو يصافح صلاح خاشقجي، نجل الصحافي المقتول، الممنوع من مغادرة المملكة.

اتسعت كذلك الانتقادات الأجنبية للسعودية يوم الأربعاء، لتشمل قيادة عدوتها الإقليمية إيران، التي التزمت الصمت بوضوح حيال مقتل خاشقجي.

فقال الرئيس الإيراني حسن روحاني، في تصريحاتٍ نقلتها وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية، إنَّه "لم يكن أحدٌ في هذا القرن يتصوَّر أن يشهد جريمة قتلٍ منظمة على هذا النحو، وتخطط لها دولة على نحوٍ فظيع".

وأشار روحاني كذلك إلى أنَّ القتلة تجرَّأوا وتشجَّعوا بسبب الولايات المتحدة، التي تعتبر السعودية حليفتها العربية الأساسية. ونُقِل عنه قوله: "لا أعتقد أنَّ أي دولة تجرؤ على ارتكاب جريمةٍ كهذه دون ضوءٍ أخضر من الولايات المتحدة".

تحميل المزيد