"لدينا حفتر سوداني جاهز ليحل محل البشير"، يبدو أن هذا هو الهدف الذي تسعى إليه الخطة الإماراتية المستمرة منذ سنوات لإيجاد بديل للبشير، حسبما تقول مصادر سودانية مطلعة.
فمنذ فشل الربيع العربي، تتقدم الإمارات بخطى حثيثة نحو تأسيس إمبراطوريتها في المنطقة، بحسب ما تصفها تقارير إعلامية غربية.
وإحدى وسائل الإمارات لإنشاء هذه الإمبراطورية هي تولي جنرال عسكري أو أمني على رأس كل دولة عربية يدين بالولاء لأبوظبي، أو على الأقل يحافظ على المصالح الإماراتية الاقتصادية، ويحارب الحركات الإسلامية.
ويعتبر خليفة حفتر قائد ما يطلق عليه الجيش الليبي الوطني مثالاً لهذه الشخصيات، التي تمثل حلفاء مثاليين بالنسبة للإمارات.
ولكن السودان يمثل معضلة للإمارات في خطتها لتشييد إمبراطوريتها، ولذا فهي تحتاج إلى حفتر سوداني يساعدها.
المعضلة السودانية التي أتعبت الإمارات، جنرال بجذور إسلامية
تقوم السياسة الإماراتية على محورين أساسيين، هما معاداة الإسلاميين، مثل الإخوان المسلمين، والتحالف مع العسكريين العرب الذين هم تقليدياً في الأغلب خصوم للإسلاميين.
ولكن السودان يمثل وضعاً استثنائياً، إذ يحكمه جنرال معاد للديمقراطية، وجاء بانقلاب، ولكنه جنرال إسلامي، أو على الأقل ذو جذور إسلامية، وما زال متحالفاً أو متعايشاً مع بعض القوى الإسلامية في بلاده.
ولكن الإمارات لم تستسلم لهذا الوضع الشاذ من وجهة نظرها، رغم أن الرئيس السوداني هو صديق للإمارات والسعودية، وشريك لهما في الحرب على اليمن، التي زج بآلاف الجنود السودانيين في أتونها.
ولكن في المقابل فإن الإمارات لا تنسى أن الرئيس السوداني يرفض مقاطعة قطر، ويدعو للمصالحة بين دول الخليج، وهو على علاقات وثيقة مع تركيا، التي منحها حق استغلال جزيرة سواكن.
نعم قد يكون مستبداً ومراوغاً، ولكنه ليس ألعوبة
رغم أنه يمكن وصف البشير بأنه عسكري مستبد، فإنه ليس ألعوبة في يد أحد.
فبعد انقلابه على الحكومة المنتخبة في السودان في نهاية ثمانينات القرن العشرين، بالتعاون مع حزب الجبهة الإسلامية، تعامل الكثيرون مع البشير على أنه ألعوبة في يد زعيم الجبهة حسن الترابي.
حتى إن الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك قال عنه بعد محاولة اغتياله التي اتهم بها السودان "طبعاً البشير هو سكرتير الترابي".
ولكن في النهاية، أطاح البشير بالترابي.
ورحل مبارك وبقى البشير.
وانفصل جنوب السودان وبقى البشير.
وقتل مئات الآلاف بسبب أزمة دارفور وبقى البشير.
واندلعت الاحتجاجات ضد حكمه، ولم يرحل البشير.
فهل تستطيع الإمارات إيجاد حفتر سوداني بديلاً له؟
حفتر سوداني جديد.. تعرَّف على الرجل المرشح للقب
رغم أن البشير تقارب مع الإمارات والسعودية وأحياناً مصر، فإنه لم يتحول إلى جزء من هذا المحور الثلاثي، وحافظ على العلاقة مع قطر وتركيا، ولم يتخلَّص من الإسلاميين كما يريد هذا المحور.
ويبدو أن هذا لا يُرضي المحور الثلاثي، الذي لا يتقبل الحلول الوسط،
مثلما ظهر من موقفهم من الدول التي رفضت مقاطعة قطر مثل المغرب.
والإماراتيون هم الطرف الأكثر جرأة في هذا المحور.
ولذا يبدو أنهم يريدون رجلهم الخاص ليحكم السودان، حسبما تقول مصادر سودانية مطلعة لـ "عربي بوست".
رجل يشبه حفتر.
وهذا الرجل هو الجنرال صلاح قوش، رئيس جهاز الأمن والمخابرات السوداني، الذي يُعتبر أقوى شخصية غير عسكرية في النظام.
لقد سبق أن نجا من تهمة الخيانة
كان رئيس جهاز المخابرات السوداني قد تورَّط في محاولة انقلابية عام 2012م، بالتعاون مع ضباط إسلاميين من المؤسسة العسكرية.
وقد تم الكشف عنها، والزجّ بالمتورطين بها في السجن، ومنهم الفريق صلاح قوش نفسه.
ولكن البشر عفا عنه ليتحوَّل للتجارة بين السودان والإمارات وتتوثق علاقاته التجارية بالشيخ طحنون بن زايد، الذي يسمى أمير الظل في الإمارات.
وفي مطلع العام الماضي 2018، عقب توتر حاد في العلاقات بين السودان ومصر وحرب إعلامية بين البلدين بسبب زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسودان، وما قيل عن منح السودان لجزيرة سواكن لتركيا، التي اعتبرتها القاهرة خطوة استفزازية.
قامت القاهرة حينها بإرسال قوات مصرية لمعسكر إريتري لتدريب عناصر سودانية متمردة في الحدود الشرقية للسودان، وأعلنت الخرطوم حالة الطوارئ في ولاية كسلا الحدودية، وإغلاق الحدود مع إريتريا.
ولكن الأزمة انتهت بمبادرة إماراتية لتقريب وجهات النظر، قادها الشيخ منصور بن زايد، الذي قام برحلات مكوكية بين القاهرة والخرطوم.
وتم تعيين صلاح قوش بعدها رئيساً لجهاز المخابرات من جديد، حسبما قالت مصادر سودانية معارضة لـ "عربي بوست".
وأخيراً، جاءت للإمارات فرصة ذهبية لتنفِّذ مخططها
وجدت الإمارات في التظاهرات التي تجتاح السودان، والتي يمكن أن تطيح بالنظام، فرصةً ذهبيةً لطرح رَجُلها الذي تعتقد أنه الأقدر على خدمة مشروعها.
وشعرت بأن الفرصة حانت لتتويج حفتر السودان، الجنرال صلاح قوش، رئيس جهاز الأمن والمخابرات السوداني.
وقوش معروف بعلاقاته الواسعة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وانخراطه في سياسات مكافحة الإرهاب طوال عقود، بالتنسيق مع وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية "سي آي إيه".
لهذه الأسباب هو ملائم تماماً لهذه المهمة
وكشفت دورية African Intelligence الفرنسية، في مطلع فبراير/شباط 2019، عن قيام سفارة دولة الإمارات في أمريكا بكتابة تقرير يدعم تولي الفريق صلاح قوش لمقاليد الأمور في السودان، إذا ما تسببت الاحتجاجات الحالية في إسقاط النظام.
وذكّر التقرير وكالة الاستخبارات المركزية بالمعلومات القيمة التي منحها قوش للوكالة عن الحركات الإرهابية في الصومال وليبيا والإخوان المسلمين في مصر.
كما لفت إلى علاقاته الجيدة مع مدير جهاز الاستخبارات المصرية، اللواء عباس كامل، ونظيره اللواء محمد الشحات، مدير المخابرات العسكرية المصرية.
ولكن البشير قطع الطريق على المخطط الإماراتي
غير أن البشير، الرجل الذي يرفض التخلي عن السلطة حتى الآن قطع الطريق على هذا المخطط باختيار خليفة محتمل له من المؤسسة العسكرية، هو الفريق عوض بن عوف، وتعيينه كنائب للرئيس.
ويشغل بن عوف منصب وزير الدفاع، وكان يشغل سابقاً منصب مدير الاستخبارات العسكرية في الجيش السوداني.
ويعتقد مراقبون أن هذه الخطوة من البشير وجدت استحساناً ورضا من الجيش السوداني، الذي يعتبر نفسه هو الأولى بالحصول على السلطة من جهاز الأمن، فهو المؤسسة الأكثر صلابة في الدولة، والمؤسسة الأقدم في البلاد.
جرت ظهر اليوم بالقصر الجمهوري اجراءات التسليم والتسلم بين الفريق أول ركن بكري حسن صالح والفريق اول ركن عوض محمد أحمد بن عوف لمنصب النائب الأول لرئيس الجمهورية. pic.twitter.com/EjnrEshZFb
— سحر البيان (@sehralbaian) February 25, 2019
هل تستسلم أبوظبي.. الظروف في صالحها
لقد كان قطع الطريق على الفريق صلاح قوش خطوة في إجهاض المخطط الإماراتي للسيطرة على السودان.
لكن مصادر مطلعة ترى أن الإمارات سوف تحاول من جديد وبكل الأساليب، حتى تضمن وجود قيادة موالية تحكم السودان، وسوف تساعدها الاحتجاجات الحالية على تحقيق هدفها عاجلاً أم آجلاً.
فالاقتصاد السوداني في حالة انهيار مستمر، وخزانة الدولة خاوية من العملة الصعبة الضرورية لاستيراد السلع الاستراتيجية.
وهذا هو الشرط الإماراتي لإنقاذ الاقتصاد السوداني
تحدثت هذه المصادر لـ "عربي بوست" بأن الإمارات أبلغت الخرطوم، بشكل رسمي، أنها لن تقدم مساعدات كبيرة للبلاد ما لم تقدم الخرطوم على قطع العلاقات الاستراتيجية مع أنقرة والدوحة، والتخلص من الإسلام السياسي بكل أنواعه.
الفريق عوض بن عوف، رغم أنه معروف كرجل عسكري منضبط وقليل الكلام في الإعلام بحكم خلفيته وعمله في الاستخبارات العسكرية، غير معروف عنه معاداة المحور السعودي الإماراتي.
فقد زار أبوظبي والرياض أكثر من مرة، آخرها كان في معرض إيداكس منذ أيام في الإمارات.
والمرات القلائل التي خرج فيها بن عوف للإعلام تحدَّث عن حرب اليمن كحرب مقدسة، انطلاقاً من أنها تمثل دفاعاً عن الحرمين الشريفين ضد الهجوم الإيراني.
وهي مواقف تتطابق مع التوجهات الإماراتية، هذا بالإضافة إلى عمله سابقاً قنصلاً في السفارة السودانية بالقاهرة.
ولكن ماذا عن توجهات النائب الجديد تجاه قطر؟
وفي الوقت ذاته فإنه عوض بن عوف على علاقة طيبة بقطر، حسب المعلن.
كما سبق أن قام بعدة زيارات إلى هناك، تم إهداؤه 12 طائرات عسكرية قطرية ميراج 2000- 5، الفرنسية الصنع.
فهل يحافظ الرجل على سياسة البشير، القائمة على التوازن بين المحور التركي القطري، والمحور الإماراتي السعودي المصري.
أم تنجح الإمارات في جعله بديلاً لصلاح قوش أو حفتر سوداني جديد.