يهاجم المتشددون الرئيس الإيراني حسن روحاني بسبب الاتفاق النووي الإيراني المتداعي ما أدى إلى تراجع شعبيته. وتُصوِّر النساء أنفسهن في الشوارع وهن يُزِلن حجابهن الإلزامي تعبيراً عن الاحتجاج. وفي الوقت نفسه، يبثُّ التلفزيون الحكومي لقطات من إجراءات محاكمة كبيرة متعلقة بالفساد.
ووفقاً لوكالة Associated Press الأميركية فقد أسمت هذه الحالة في طهران بـ"عالم السياسة الإيرانية المضطرب"
قبل حلول الذكرى الأربعين للثورة الإسلامية في إيران، تسمح حكومة البلاد بظهور مزيد من الانتقادات على السطح. يقول محللون إنَّ ذلك قد يُمثِّل أداة تهدئة في هذه الدولة التي يبلغ عدد سكانها 80 مليون نسمة، والتي شهدت بالفعل احتجاجات شعبية واسعة النطاق دون أن يكون لها قيادة وهزَّت البلاد في بداية العام الجاري 2018.
لكن لا تزال هناك حدود واضحة في ثيوقراطية إيران الشيعية، التي يقبع في سجونها محامون وناشطون وآخرون صدرت بحقهم أحكام طويلة بالسجن في محاكماتٍ جرت خلف الأبواب المغلقة. ويشعر الإيرانيون المحبطون أنَّ الشكوى وحدها قد تكون غير كافية، لاسيما أنَّ العقوبات الأميركية على صناعة النفط الإيرانية ستدخل حيز التنفيذ في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
الناس في إيران لا يريدون تغيير النظام لكنهم يريدون تحقيق مطالبهم الاقتصادية العادلة
إذ قالت الناشطة فائزة هاشمي، ابنة الرئيس الإيراني الراحل أكبر هاشمي رفسنجاني، لوكالة Associated Press الأميركية: "إذا استمرينا على ذلك، سيكون الوضع أكثر تعقيداً، لأنَّ الناس متعبون للغاية ولديهم قدر أقل من التسامح". وأضافت: "لا أعتقد أنَّ غالبية الناس يسعون إلى تغيير النظام، لأنَّ الجميع يشعر بالقلق مما قد يحدث بعد ذلك. لكن الناس يسعون لتحقيق مطالبهم".
ربما يكون الشخص الأكثر قلقاً الآن في إيران هو الرئيس روحاني. إذ يبدو أنَّ أميركا تستعد لمواصلة فرض عقوبات على إيران بالرغم من أنَّ طهران ملتزمة بصفقة روحاني النووية مع القوى العالمية، التي بموجبها تحد إيران من تخصيبها لليورانيوم مقابل رفع العقوبات.
رداً على ذلك، استبدل روحاني ببطء رسالته للتقارب مع الغرب بتلميحات متشددة حول قدرة إيران على إغلاق مضيق هرمز، الذي يمر عبره ثلث إنتاج النفط العالمي.
جزء من تلك الاستجابة قد تكون محاولة للحفاظ على مستقبله السياسي. إذ يمكن أن يُنظَر إلى روحاني (69 عاماً)، وهو نفسه رجل دين شيعي، حين تختار إيران مرشدها الأعلى الثالث. وهذا أمرٌ لا يخالف قوانين الجمهورية الإسلامية، إذ تولى المرشد الأعلى الحالي، آية الله علي خامنئي، رئاسة إيران فترتين رئاسيتين مدة كل منهما أربع سنوات قبل أن يصبح مرشداً أعلى للبلاد بعد وفاة آية الله روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
لكن تصاعد الغضب ضد روحاني ربما يهدد مستقبله السياسي في البلاد بالكامل
كتب آلكس وطن خواه، المحلل في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، مؤخراً: "من منظور روحاني، أهم شيء هو أن ينهي فترة رئاسته دون التعرض لضرر سياسي وإبقاء نفسه في سباق الترشح لأعلى وظيفة، المرشد الأعلى، والتي ستكون جاهزة ليشغلها أحدهم يوم وفاة خامنئي البالغ من العمر 79 عاماً".
لكن يستمر الغضب الشعبي في التصاعد ضد روحاني، الأمر الذي يهدد أي تكليف يمكن أن يطالب به في المستقبل.
شهدت أيضاً استطلاعات الرأي التليفونية التي أجرتها شركة IranPoll، التي يقع مقرها في مدينة تورونتو الكندية، انخفاضاً شديداً في الدعم الشعبي الذي يتمتع به روحاني. فبعد تسجيله شعبية بلغت 89% في أغسطس/آب 2015 في أعقاب الاتفاق النووي، سجَّلت شعبية روحاني الآن "أدنى مستوى لها على الإطلاق" بنسبة حوالي 20% فقط، وفقاً للرئيس التنفيذي للشركة، أمير فرمانش. وبلغ هامش الخطأ في استطلاعات الشركة حوالي 3 نقاط مئوية.
خاصة أن شعبية روحاني وفقاً لقياسات رأي كندية، بدأت في الانحدار
قال أمير فرمانش الرئيس التنفيذي لشركة IranPoll لوكالة Associated Press: "سيتعرَّض الرئيس، الذي كان شعاره الانتخابي هو حكومة الحكمة والأمل، لضغوط كبيرة في السنوات الثلاث القادمة من ولايته من أجل إعادة ذلك الأمل الذي وعد به".
مع ذلك، ثمة إشارات على أنَّ الحكومة الإيرانية تدرك الغضب المتزايد. إذ بثَّت منافذ إعلامية إيرانية، جميعها تابعة للدولة، إجراءات محاكمات فساد كبرى في الأسابيع الأخيرة.
سمحت الحكومة كذلك لصحف محلية بنشر تقارير تُشكِّك وتتساءل بشأن بعض القضايا، مثل مستوردي الهواتف المحمولة الذين يسيئون استخدام امتيازات العملة الأجنبية الممنوحة لهم، وكذلك قضية المواطن الإيراني المعروف إعلامياً باسم "سلطان العملات" الذي يُزعَم أنَّه اكتنز بطريقةٍ ما طنين من العملات الذهبية.
في الوقت نفسه، أدَّت الصور التي تُنشَر في الشبكات الاجتماعية لأطفال طبقة النخبة في البلاد وهم يستمتعون بوسائل ترف لا يستطيع المواطن الإيراني العادي الحصول عليها بصورة مماثلة، إلى إثارة الغضب.
كتبت سارة بازوباندي، المحللة السياسية لدى معهد دول الخليج العربية في واشنطن، مؤخراً: "تشير مثل هذه القصص إلى أنَّ الجمهورية الإسلامية ربما تقترب من أزمة وجودية، تُروِّج فيها المؤسسة الإيرانية لقيمها الأساسية مثل تبنّي أسلوب حياة بسيط والالتزام بقواعد الإسلام بصرامة، في حين لا تلتزم النخبة بها بالضرورة". وأضافت: "أثار نفاق النخبة الذي أصبح واضحاً من خلال هذه الفضائح غضباً شعبياً واسع النطاق في إيران".
وذلك بسبب تدهور الوضع الاقتصادي وعجز روحاني عن إيجاد حلول مقبولة
شهدت إيران احتجاجات على مستوى البلاد في أواخر ديسمبر/كانون الأول وأوائل يناير/كانون الثاني الماضيين بسبب تدهور الوضع الاقتصادي بالبلاد، ما أسفر عن اعتقال ما يقرب من 5 آلاف شخص ومقتل ما لا يقل عن 25 آخرين حسبما أفادت التقارير.
أصبح اقتصاد إيران أسوأ منذ سَحَب الرئيس دونالد ترمب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، إذ تراجع سعر صرف الريال الإيراني من 62 ألف مقابل دولار أميركي واحد إلى أقل من 150 ألفاً. كما أسفر هجوم شنَّه انفصاليون عرب أول من أمس السبت 22 سبتمبر/أيلول على عرضٍ عسكري جنوب غربي البلاد عن مقتل ما لا يقل عن 25 شخصاً.
في الوقت نفسه، يمكن رؤية التغيير الاجتماعي في أي شارع في طهران، حيث ترتدي بعض الشابات الحجاب الذي تفرضه الدولة على شعرهن على نحوٍ فضفاض غير منضبط، حتى أنَّ بعضهن يسقطنه إلى أكتافهن أثناء القيادة.
جرى على نطاقٍ واسع تداول صورة لإمرأة شابة غير محجبة تقف على صندوق توصيلات هاتفية بينما ترفع وشاحها على عصا وتلوح به على شكل علم في شارع "انقلاب" الرئيسي بطهران خلال الاحتجاجات الاقتصادية، وباتت صورة شهيرة.
ومنذ ذلك الحين، ثبَّتت السلطات أسقف مائلة فوق صناديق التوصيلات الهاتفية تلك لمنع النساء من تنفيذ أشكال احتجاجية مماثلة. وقالت شرطة طهران في الوقت نفسه إنَّها لن تعتقل النساء بسبب عدم التزامهن بالزي الإسلامي. ومع ذلك، لا تزال هناك مقاطع فيديو تُتداول على الشبكات الاجتماعية تظهر استمرار تعرض نساء للمضايقة.
وقالت هاشمي، التي تعلمت السياسة من والدها بينما كانت تنشأ في منزل يبعُد خطوات فقط عن منزل الإمام الخميني، إنَّ إجراء استفتاء عام على الحجاب وقضايا أخرى، مثل استفتاء عما إذا كان ينبغي على إيران إعادة بناء علاقات مع الولايات المتحدة أم لا، يمكن أن يكون أحد السبل لمعالجة مخاوف العامة.
وأضافت هاشمي، التي قضت فترة في السجن بسبب تعليقاتها ونشاطها: "تغيَّر العالم والوضع". في إشارة إلى مرور ما يقرب من 40 عاماً على اندلاع الثورة الإسلامية.
وتابعت: "وصل الناس إلى نقطة ليس لديهم عندها ما يخسروه. عادةً ما تخاف من الأشياء في المرة الأولى فقط، لكن بمجرد حدوثها، لا تشعر بالقلق، وتكتسب شجاعة أكثر قليلاً، وتطرح مطالبك بحرية أكبر".