تهدر طائرة عسكرية روسية وهي تمر بالسماء في الساعة 4:47 مساء بالتوقيت المحلي، بعد انطلاقها من قاعدة حميميم الجوية الروسية في غرب سوريا متجهةً صوب الشرق. يدوّن مراقبٌ ملاحظاتٍ عن تلك التفصيلات الثلاث ويفتح تطبيق الراصد وهو برنامج على هاتفه المحمول ويُدخل تلك المعلومات في الأماكن المخصصة لها بهدف حماية السوريين من القصف .
وبعد 14 دقيقة وعلى بُعد 100 كيلومتر، يرى عبد الرزاق الطائرة وهي تحلّق فوق معرة النعمان، فيفتح تطبيق الراصد على هاتفه ويكتب: معرة النعمان، طائرة عسكرية روسية، متجهة صوب الشمال الشرقي.
ويعالج برنامج يسمى "الراصد" تلك البيانات التي تقدِّر مسار المقاتلة، ويرسل نطبيق الراصد تحذيراً يطلق بدوره رسائل عبر فيسبوك وتليغرام وتويتر، والأهم أن تطبيق الراصد يرسل أيضاً صافرات إنذار مدوّية عبر المدن التي تقع في مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة بسوريا بهدف حماية السوريين من القصف .
ما قبل تطبيق الراصد
وباتت الضربات الجوية أمراً واقعاً في الحياة اليومية لملايين السوريين الذين يعيشون بمناطق المعارضة، وأصبحت الغارات أكثر كثافة وحدَّة بكثير منذ أن تدخلت روسيا بالحرب في 2015.
خدمة التحذير المبكر عن طريق الفيسبوك مسنجر
مشتركينا الأعزاء تجدون في الفيديو المرفق خطوات الإشتراك بخدمة الراصد عن طريق فيسبوك مسنجر، في حال واجهتكم أي مشكلة اثناء عملية الاشتراك لا تترددوا في مراسلتنا
Geplaatst door مرصد سوريا op Donderdag 8 februari 2018
وتقول أمية (50 عاماً)، إنه قبل تطبيق الراصد ، كان التحذير الأساسي من وقوع ضربة جوية هو سماع أزيز الطائرات بأنفسهم؛ ومن ثم يكون قد فات الأوان على التحرك للاحتماء. ونزحت أمية من حلب إلى ريف المحافظة الشمالي الغربي.
وقالت أمية: "ما في فائدة أنو الواحد يعمل شي… وأحياناً البراميل نشوفها وهي عم تنزل… يعني نطلع عليها ونشوف البراميل والأطفال تبكي".
دورات تدريبية ومتطوعون لاستخدام التطبيق
وحضرت أمية دورة تدريبية أدارها متطوعون عن استخدام تطبيق الراصد وكيفية النجاة بأفضل السبل من الضربات الجوية. وتعرف الآن أن عليها أن تفتح نوافذ منزلها؛ حتى لا يؤدي الضغط الناجم عن الانفجارات إلى تحطم الزجاج، وأن دورة المياه في وسط المنزل هي أفضل مكان للاختباء.
وأرشد المتطوعون أحفادَ أمية الستة، الذين تُوفي آباء ثلاثة منهم، إلى ما يفعلونه إذا تعرضت مَدرستهم لضربة جوية. وتقول نائلة، وهي إحدى المتطوعات، إنهم دربوا الأطفال على الاحتماء أسفل مكاتبهم واتخاذ وضع الجنين إذا سمعوا الإنذار. أما إذا جاء التحذير مبكراً بما يكفي، فإن المعلمين يمكنهم اصطحاب الأطفال للاحتماء في الأقبية.
وأشارت نائلة إلى أن النساء كنَّ من الأهداف الرئيسية للحملة، وقالت: "النساء بتحمل دائماً جوال معها، فتصلها الرسالة فين ما كانت، قاعدة بالبيت، قاعدة بالمطبخ، مع جارتها".
مَن صمَّم نظام الإنذار "الراصد"؟
وصمَّم نظام الإنذار أميركيان؛ هما جون يجر وشريكه في الأعمال ديف لفين. وعمل "يجر" من قبلُ مع مدنيين سوريين بحكم عمله في وزارة الخارجية الأميركية.
وقال: "أدركت أن أكبر خطر يهدد السلام داخل سوريا هو القصف العشوائي للمدنيين… فكرنا ببساطة في أن هناك المزيد الذي بإمكان المجتمع الدولي أن يفعله وعليه أن يفعله لتحذير المدنيين سلفاً من هذا العنف العشوائي".
وتقول شركتهما التي تسمى "هالا سستمز"، إنها تلقت تمويلاً من دول، من بينها بريطانيا وكندا وهولندا والولايات المتحدة، إضافة إلى مانحين أفراد.
ويتعاون موظفو "الخوذ البيضاء" العاملون في مناطق المعارضة مع تطبيق الراصد لتشغيل صافرات تحذير من الغارات الجوية.
وقال ممرض يدعى يوسف، في مستشفى ميداني خارج حلب: "كان قبل، وقت يصير في قصف طيران، لحديت يجي لعنا (حتى تصل إلينا) الإصابات، لتوصل لعنا لحتا صرنا نعرف أو يصير عندنا عمل (ندرك) أنو صار في ضربة".
وأوضح: "بينما هلأ بخدمة الراصد، صار فوراً عن طريق الجهاز أو عن طريق الموبايل، صارت الضربة، يعني عرفنا بالمنطقة الفلانية في تجمع سكني، عرفنا أنو في إصابات أكيد". وأضاف: "معتمدين عليه بشكل كتير كبير؛ لأنو هو صار الأساس بشغلنا".
هكذا يرصد المراقبون الطائرات من أجل حماية السوريين من القصف
كانت الحكومة السورية والقوات المتحالفة معها استأنفت الضربات الجوية والقصف البري على إدلب، لكن عبد الرزاق، الذي يراقب الطائرات ويدرج المعلومات في تطبيق الراصد ، أوضح أن الأيام القليلة الماضية شهدت هدوءاً نسبياً.
وينقر الرجل على صورة طائرة؛ لتحديد نوع الطائرة التي رآها، ثم يختار الموقع، ويذكر ما تقوم به أو إلى أي مكان تتجه. ويؤدي ذلك إلى نشر رسائل على قنوات مثل تليغرام، منها تحذيرات زمنية لمدن وقرى محددة من أجل حماية السوريين من القصف .
ويراقب عبد الرزاق، وهو مدرس سابق للغة الإنكليزية، الطائرات منذ عام 2011، وانضم مؤخراً إلى "الراصد" كمراقب. وقال عبد الرزاق: "نحن مجموعة من الشباب موجودون في أماكن، كل واحد ماسك قطاع معين. فبالعين المجردة بيشوف الطائرة، نوع الطائرة، بيحط التحذير".
وقال لفين المؤسس المشارك لـ"هالا سستمز"، إنه بالإضافة إلى تحذير الناس من الهجمات المفاجئة، فإن تطبيق الراصد ساعد أيضاً في إخطار الناس بفترات هدوء وجيزة خلال هجمات طويلة.
وخلال الهجوم على الغوطة قرب دمشق، في وقت سابق من العام (2018)، اعتمد المدنيون على تطبيق الراصد لتحديد أوقات خروجهم من الأقبية والملاجئ لجلب الأغذية والمياه. وقال لفين: "منحَنا ذلك شعوراً كبيراً بالارتياح؛ لأننا كنا حقاً مؤثرين حتى عندما كانت السماء تمطر قنابل".