على مدار أكثر من عقدين، حاولت منظمة الدول المصدرة للبترول ، أوبك تجنُّب تكرار خطأ سابق كبَّدها الكثير. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 1997، خلال اجتماع في العاصمة الإندونيسية جاكرتا، أقنعت المملكة العربية السعودية أعضاء المنظمة الآخرين بزيادة إنتاجها من النفط، متجاهلةً كارثةً في الأسواق الناشئة كانت طور الإعداد.
وحسب تقرير لوكالة Bloomberg الأميركية، فقد كان توقيت زيادة الإنتاج هو الأسوأ على الإطلاق، فما بدا في نوفمبر/تشرين الثاني 1997 عقبةً صغيرة، أصبح بحلول منتصف عام 1998 بمثابة كارثةٍ كبرى في الأسواق الناشئة من روسيا إلى البرازيل. إذ تباطأ نمو الطلب على النفط عالمياً، ويرجع ذلك جزئياً إلى حلول شتاء دافئ في نصف القطب الشمالي على غير العادة. وانخفضت مؤشرات أداء أسعار النفط إلى أقل من 10 دولارات للبرميل، وهو أقل سعر سجَّلَته منذ الحظر على النفط عامي 1973 و1974.
خطأ مؤلم تسببت فيه السعودية فهل تكرره!
كان الأمر بالنسبة للسعودية خطأً مؤلماً أقسم أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول على ألا يكرِّروه أبداً. والآن يواجه التكتل الاحتكاري أزمةً أخرى في الأسواق الناشئة. وحتى الآن، لا تبدو هذه المشكلة شبيهةً على الإطلاق بأزمة 1997، لكن الإشارات حول تباطؤ النمو الاقتصادي تتدفَّق من تركيا إلى الصين.
وذُكِرَ أنَّ السعودية كانت تُخطِّط في البداية إلى أن يصل إنتاجها من النفط الخام إلى معدلٍ قياسي في شهر يوليو/تموز.
وقال باسم فتوح، مدير معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة: "يشير ميزان المخاطر بوضوح إلى أنَّ التراجع في الاقتصاد العالمي كان له التأثير الأكبر إلى الآن على أسعار النفط مقارنةً بتأثير صدمات المعروض".
ومن المُقرَّر أنَّ يعقد وزراء نفط السعودية وروسيا وحفنة من الدول الأخرى مؤتمراً هاتفياً في نهاية الشهر الجاري، أغسطس/آب، لمناقشة السوق. ويعد هذا إجراءً جديداً تمارسه ما تُسمَّى بلجنة المراقبة الوزارية المشتركة، التي تضم وزراء من دول أعضاء في منظمة الدول المصدرة للبترول أوبك وكذلك دولاً منتجةً للنفط من خارج المنظمة؛ بهدف متابعة مدى الالتزام بخفض الإنتاج الذي تم الاتفاق عليه في أواخر 2016.
خاصة وأن "شبح جاكارتا" لا يزال يطاردها
وانخفض سعر خام برنت هذا الأسبوع إلى أقل سعرٍ له خلال 4 أشهر ليسجل 70.30 دولار للبرميل -أي أقل بنسبة 13% من أعلى سعر وصل له في منتصف مايو/أيار وهو 80.50 دولار للبرميل. وما تسبَّب في هبوط جديد في مؤشر الأداء لمزيج برنت هو تراجع الشراء في الصين، يقابله ارتفاع معدل الإنتاج في روسيا ومنظمة الدول المصدرة للبترول أوبك ، إلى جانب مخاوف حول تباطؤ النمو الاقتصادي وانكماش الطلب على الطاقة عالمياً جراء الحروب التجارية.
ومنذ عام 1997، أصبحت أوبك حذرةً حول أية دلائل على وقوع مشكلاتٍ اقتصادية. فمثلما تقول العبارة الشائعة في عالم النفط: لا يزال "شبح جاكارتا" يطارد الرياض.
وبالنسبة للسعودية، تمثِّل الاضطرابات في الأسواق الناشئة تعقيداً آخر في بيئةٍ محتدمة بالفعل. سعت منظمة الدول المصدرة للبترول ( أوبك ) إلى تعديل معدلات الإنتاج بما يتناسب مع التأثيرات المجهولة للعقوبات الاقتصادية الأميركية على النفط الخام الإيراني وانهيار الإنتاج في فنزويلا. وذكرت مصادر نقلاً عن مسؤولين سعوديين أنَّ الممكلة تفضل أنَّ تلتزم الحذر.
وأشارت المصادر ذاتها -والتي طلبت عدم الكشف عن هويتها كونها تناقش محادثات خاصة- إلى أنَّ توخي السعودية الحذر يفسِّر بالفعل السبب الذي دفعها إلى خفض الإنتاج في يوليو/تموز عقب رفعه في الشهر السابق له. وأخبرت السعودية أوبك أنها ضخت 10.35 مليون برميل نفط يومياً الشهر الماضي، يوليو/تموز، في تراجعٍ عن معدَّل الضخ في شهر يونيو/حزيران الذي وصل إلى نحو 10.5 مليون برميل.
وأعضاء أوبك يلتزمون الحذر
ومع ذلك، رغم أنَّ هذه الاضطرابات تعطي مسؤولي منظمة الدول المصدرة للبترول حُجةً للالتزام بالحذر حول معدَّل الإنتاج، فإن التوقَّعات الاقتصادية ليست بالسوء الذي كانت عليه منذ عقدين مضيا. إذ يظل المعدل السنوي لنمو الطلب على النفط فوق متوسط السنوات العشر، بالإضافة إلى أنَّ هوامش ربح المواد المُكرَّرَة -مؤشر لقياس قوة الاستهلاك- قوية.
وفي هذا الصدد، قال يوجين فاينبرغ، رئيس أبحاث السلع في مصرف كوميرز بنك إيه جي في مدينة فرانكفورت الألمانية: "يبدو الموقف اليوم لأوبك مختلفاً عمَّا كان عليه في التسعينيات. فالأسعار ظلَّت قويةً حتى فترة قريبة، وأظهرت أوبك مرونةً وقوةَ انضباطٍ على عكس السابق".
وقديماً في عامي 1997 و1998، انقسم أعضاء أوبك في ما بينهم؛ إذ كانت فنزويلا تضخ كمياتٍ بالغة من النفط، بينما كان التكتل يتجاهل أهداف الإنتاج التي وضعها. ولكن هذه المرة، فإن التكتل إلى جانب كونه قوياً من الداخل، فهو يعمل مع حلفاء من الخارج من بينهم روسيا وكازاخستان وأذربيجان والمكسيك.
رغم ذلك فإن التوقعات متفائلة
يُتوَقَّع أن تحتفظ معدلات النمو الاقتصادي العالمي بقوتها في 2019، ومع ذلك يُحذِّر صندوق النقد الدولي من احتمال تراجعها.
وتلتزم وكالة الطاقة الدولية كذلك الحذر؛ إذ أبقت على توقُّعاتها الأساسية حول الاقتصاد والطلب على النفط التي صرَّحت بها في وقتٍ سابق من الشهر الجاري دون تغيير. لكنها ذكرت أنَّ نمو الطلب على النفط سيتراجع في وقتٍ لاحق من هذا العام وفي 2019.
ومنذ أنَّ نشر صندوق النقد الدولي ووكالة الطاقة الدولية آراءهما، شهدت العملات والسندات والأسهم في الأسواق الناشئة تراجعاً؛ ما تسبَّب في ارتفاع المخاطر حول النظرة المستقبلية للطلب على النفط.
وقال جيسون بوردوف، مدير Center on Global Energy Policy بجامعة كولومبيا بولاية نيويورك الأميركية: "حتى في ظلِّ معايير أسواق النفط التي يصعب دوماً التنبُّؤ بها، هذه النظرة غير مؤكَّدة تماماً".
وأشار إلى أنه في حال أحكمت العقوبات على إيران قبضتها، فليس هناك سوى فائضٍ قليل جداً من سعة الإنتاج ليحول دون ارتفاع أسعار النفط. وأضاف أنه إذا زادت السعودية من إنتاجهم، في الوقت الذي يتسبَّب فيه "الضعف في الأسواق الناشئة والمخاوف التجارية في تراجع الطلب"، يمكن حينها أنَّ تنهار أسعار النفط، مثلما حدث في فترة التسعينيات حين رفعت منظمة الدول المصدرة للبترول معدل الإنتاج مباشرة قبل حدوث الأزمة المالية الآسيوية. وقال: "إنه موقفٌ شائك".
_______________
اقرأ أيضاََ
السعودية تستغل حرمان إيران من إيرادات النفط لكنها لازالت تعاني من مأزق كبير