هل يلجأ أردوغان لوصفة مهاتير التي أنقذ بها ماليزيا؟ انهيار الليرة التركية ليس نهاية الطريق، بل ربما بدايته

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/16 الساعة 08:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/16 الساعة 11:00 بتوقيت غرينتش

إذاً تراجعت الليرة التركية، وخرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان معلناً أن بلاده تتعرض لحرب اقتصادية، متوعداً بمواجهتها والعمل على تحدّي الظروف السياسية التي تسببت في انهيارها، خاصة بعد العقوبات التي فرضتها أميركا على أنقرة، بسبب احتجاز الأخيرة لقِس أميركي.

تراجع الليرة التركية غير المسبوق أشعل تخوفات لدى الشارع التركي والمستثمرين الأجانب، خاصة مع ارتفاع ملحوظ في معدل التضخم في البلاد، الذي أعلن وزير المالية التركي (صهر أردوغان)، أن أحد أهدافه الأساسية العمل على خفض نِسبته.

لكن ومع استمرار التوترات السياسية، وخاصة الأزمة مع الولايات المتحدة الأميركية، من شأن هذه الحالة أن تؤثر على عدة أصعدة، فداخلياً قد يستمر نزيف العملة المحلية، كما أنها قد ترفع معدلات البطالة في البلاد، وأيضاً قد تهدد بانهيارات في عدد من البنوك والمؤسسات، إضافة إلى انتشار الخوف لدى المستثمرين، ما يؤثر على معدل النمو والاستثمار في البلاد.

استمرار نزيف العملة قد يرفع معدلات البطالة في البلاد
استمرار نزيف العملة قد يرفع معدلات البطالة في البلاد

أما خارجياً، فليس ببعيد أن تتوسع هذه الأزمة لتشمل دولاً أخرى، وبالفعل، فقد أثار ما يجري في تركيا المخاوف من انتقال العدوى إلى أوروبا القريبة منها، بل حتى اهتز اليورو وتراجع بنسبة 0.9% مقابل الدولار يوم الجمعة.

هذه السيناريوهات ليست بعيدة عن الواقع، فقد عاشت دول جنوب شرق آسيا في تسعينيات القرن الماضي أزمة مشابهة، تركزت في دول ماليزيا وإندونيسيا والفلبين واليابان والصين.

وهنا نسرد حكاية هذه الدول مع أزماتها، وكيف تعاملت معها، خاصة دولة ماليزيا التي أدارتها بطريقة مختلفة عن جيرانها.

أزمة اقتصادية خانقة عصفت بدول آسيا

بداية الحكاية كانت في صيف عام 1997، عندما ضربت أزمة اقتصادية خانقة هذه الدول، مسببة دماراً اقتصادياً هائلاً، تمثّل في ارتفاع بمعدلات التضخم، وضعف القوة الشرائية، وانهيار للعملات، رافقها ارتفاع بمعدلات البطالة، بل وصل الأمر لأبعد من ذلك، فقد انهارت بنوك، وأعلنت مؤسسات عن إفلاسها.

ففي إندونيسيا مثلاً، لحقت بها خسائر اقتصادية كبيرة، فقد انهارت عُملتها، وفقدت 30% من قيمتها خلال شهرين فقط، ما تسبّب بخسائر اقتصادية كبيرة.

هذا الوضع الاقتصادي السيئ أشعل شرارة الانتفاضة الشعبية بإندونيسيا، ففي مايو/أيار 1998 كانت ذروتها، فخرجت مظاهرات طلابية عنيفة انتقدت سياسات الرئيس سوهارتو وتطالبه بالاستقالة.

أبراج حديثة في وسط مدينة كوالا لمبور.
أبراج حديثة في وسط مدينة كوالا لمبور.

وبدأت الأزمة تتوسع في دول جنوب شرق آسيا، فانهارت بورصة هونغ كونغ، وتأثرت بورصة طوكيو بشكل كبير، كما انهار أحد أكبر البنوك اليابانية، بنك Hokkaido Takushoku Bank تحت تأثير الأزمة، وسط صدمة كبيرة وذهول من حكومات هذه الدول وشعوبها.

طُرق الحل

عنصر المفاجأة في هذه الأزمة جعل الخيارات التي تمثلها هذه الدول محدودة، ما أدى إلى فشل معظمها من مواجهتها ذاتياً، دون الاعتماد على المنظمات الدولية.

فقد ركزت غالبية الدول، للخروج من أزمتها، على قروض صندوق النقد الدولي، رغم سياساته المجحفة التي تصاحب تلك القروض، ومن الدول التي سلكت هذا الطريق إندونيسيا، وكوريا الجنوبية، والفلبين.

وتسببت هذه الخطوة في الكثير من الأزمات الداخلية لها، وأدت لمزيد من التوتر السياسي انتهى مثلاً في إندونيسيا بإغلاق 16 مؤسسة مالية، وبنك، ثم تلا ذلك استقالة سوهارتو الذي حكم إندونيسيا 32 سنة.

مهاتير محمد عام 2001
مهاتير محمد عام 2001

إلا أن ماليزيا كان لها رأي آخر في التعامل مع أزمتها الاقتصادية، على الرغم من تعرُّض عُملتها "الرينغيت" إلى مضاربات واسعة بهدف تخفيض قيمتها، وظهرت عمليات تحويل نقدي واسعة إلى خارج ماليزيا، وبالأخص من جانب المستثمرين الأجانب، وبدا أن النجاح الذي حققته على وشك التحول إلى فشل.

رفض رئيس وزراء ماليزيا آنذاك، مهاتير محمد، الخضوع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لعلاج أزمة بلاده، وبعد بحث مستفيض للموضوع أصدر مهاتير محمد وصفته لإنقاذ اقتصاد بلاده.

وصفة مهاتير الاقتصادية

عالج مهاتير المشكلة من خلال برنامج اقتصادي وطني عمل على فرض قيود مشددة على سياسة البلاد النقدية، والسير بشروطها الاقتصادية الوطنية، وليس الاعتماد على الآخرين الذين يبغون استغلال أزمتها.

 

واتخذ مهاتير قيوداً على التحويلات النقدية، خاصة الحسابات التي يملكها غير المقيمين، وفرض أسعار صرف محددة لبعض المعاملات.

ورغم ضغوط البنك الدولي، أصر مهاتير على سياسته التي أثبتت الأيام أنها كانت ناجحة، وبفضلها اجتازت ماليزيا هذه الأزمة بأقل الخسائر، بل إن دولاً كثيرة درست سياسته وحاولت تكرارها، والاستفادة منها.

في عام 2009، كشف مهاتير عن السبب المباشر لأزمة 1997، وهو التلاعب الكبير بالعملات من طرف المضاربين في السوق المالية، وأدى هذا التلاعب إلى فقدان ماليزيا لقيمة عملتها المحلية، وضعف قوتها الشرائية.

قد يكون هذا السبب مشابهاً لما يحدث في تركيا، فالسوق تعرضت لحالة من المضاربات وتلاعُب بالعملة.

كما أن حكومة ماهتير استطاعات تحقيق نجاح كبير؛ إذ كان لديها دائماً تصوّر أو رؤية للمستقبل، ما جعلها تتمتّع بإحدى أفضل بيئات الاستثمار في جنوب آسيا، حسب دراسات البنك الدولي، وهو ما تمتلكه تركيا، ويصرح به أردوغان حول هدفه عام 2023.

ومع عدم إظهار أي رغبة لدى تركيا باللجوء إلى صندوق النقد الدولي، أعلن وزير الاقتصاد التركي براءت ألبيرق، عن خطة أُعدت للبنوك، وقطاع الاقتصاد الحقيقي، بما في ذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهي الأكثر تضرراً من تقلبات أسعار الصرف.

تصاعد التصريحات المتبادلة بين الدولتين، يما يوحي بأن الأمور لا تتجه إلى الحل الدبلوماسي، وأيضاً عدم تضمن الخطة أي تلميح من أنقرة للجوء إلى صندوق النقد، وإدارة الأزمة بخطط داخلية، كما فعل مهاتير محمد، فإن ذلك يجعل تركيا أمام موضع اختبار، حول مدى نجاح وصفة أردوغان الاقتصادية في تخطّي الأزمة التي تعيشها تركيا.  


اقرأ أيضاً

١٠ أسباب وراء الخلاف التركي الأميركي وانهيار الليرة التركية

عاصفة الليرة التركية ضربت البنوك الأوروبية واليورو هبط لمستوى قياسي.. والأضرار تلحق بأسواق مختلفة حول العالم

هل هناك مؤامرة وراء انهيار الليرة التركية؟ وهل يوقفها قرار الحكومة الأخير؟

 

 

 

تحميل المزيد