تدهور الليرة التركية يؤثر سلباً على الاقتصادات الأوروبية أيضاً.. ثروات غربية طائلة في أنقرة

انخفضت العملة التركية بنسبة 17% مقابل الدولار، ما يعكس مجموعة من المخاوف، من ضمنها التوترات مع الولايات المتحدة وعدم رغبة السلطات التركية في رفع أسعار الفائدة.

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/10 الساعة 18:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/11 الساعة 12:45 بتوقيت غرينتش

أثارت المخاوف بشأن الاقتصاد التركي ومخاطر انتقال العدوى إلى أوروبا القريبة، قلق المستثمرين يوم الجمعة 10 أغسطس/آب 2018، بعد أن تراجعت الليرة إلى مستوى قياسي منخفض مقابل الدولار الأميركي، حسب تقرير لـ CNN الأمريكية.

انخفضت العملة التركية بنسبة 17% مقابل الدولار، ما يعكس مجموعة من المخاوف، من ضمنها التوترات مع الولايات المتحدة وعدم رغبة السلطات التركية في رفع أسعار الفائدة.

ورفع الرئيس دونالد ترامب، الذي فرض عقوبات على كبار المسؤولين الأتراك في وقت سابق من هذا الشهر (أغسطس/آب 2018)؛ لدورهم في احتجاز قس أميركي، الرهانات يوم الجمعة بوعد بزيادة تعريفة المعادن على تركيا.

وعلى الفور، رد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان متحدياً.

وقال: "لا تنسوا هذا: إذا كان لديهم دولارات، فلدينا شعبنا وعدالة الله"، مؤكداً: "سوف نخرج من الحرب الاقتصادية بنجاح".

لكن التصريحات لم تقدم الكثير لتهدئة الأسواق. واستأنفت الليرة، التي انخفضت بنسبة 40% تقريباً مقابل الدولار هذا العام (2018)، انخفاضها بينما كان أردوغان يتحدث.

لكنها ليست مشكلة تركيا فقط

تحولت مخاوف المستثمرين في الأيام الأخيرة إلى عافية البنوك التركية، التي توجد فيها أموال أوروبية طائلة.

وأفادت "فايننشيال تايمز" بأن البنك المركزي الأوروبي قلق بشأن تعرُّض بنوك منطقة اليورو للإنكشاف؛ بسبب انخفاض الليرة. ورفض البنك المركزي الأوروبي التعليق.

أموال أوروبية كبيرة في تركيا

وتظهر بيانات بنك التسويات الدولية أن بنوك منطقة اليورو لديها قروض تزيد قيمتها على 150 مليار دولار في تركيا. والبنوك الإسبانية والفرنسية والإيطالية هي الأكثر تعرضاً.

وتعرضت أسهم بعض أكبر البنوك في أوروبا لضربة قوية يوم الجمعة. وانخفض مؤشر UniCredit إيطاليا (UNCFF) 5.6 % وانخفض BBVA الإسباني (BFR) 5.5%. وانخفض مؤشر BNP Paribas الفرنسي (BNPQF) بنسبة 4.3% وانخفض سهم Deutsche Bank (DB) بنسبة 5.3%.

وتراجع اليورو بنسبة 0.9% مقابل الدولار يوم الجمعة.

توسَّع الاقتصاد التركي بسرعة هذا العام (2018) مقارنة مع عام 2017. لكنَّ نموه في السنوات الأخيرة كان مدفوعاً بالبناء الذي يموله المستثمرون الأجانب إلى حد كبير.

ويقلق المستثمرون من قدرة البلاد على جلب النقود خلال الأوقات الصعبة لتسديد ديونها.

وقال هيس: "التراجع في الليرة التركية وارتفاع تكاليف الاقتراض يتسببان في صداع كبير للعديد من الشركات التركية؛ لأنها اقترضت بالعملات الأجنبية رغم أنها تلقت الإيرادات بالعملة المحلية".

وتسببت بتأثر أسهم مصارف أوروبية في البورصة

انعكست أزمة تدهور الليرة التركية على أسهم مصارف أوروبية كبرى منها "دويتشه بنك" و"كومرتز بنك" الألمانيين و"يونيكريديت" و"إينتيسا سانباولو" الإيطاليين مروراً بـ"سانتاندير الإسباني، فسجلت تراجعاً في تداولات قبل ظهر الجمعة.

وقال مايكل هيوسون المحلل لدى "سي إم سي ماركتس"  تعليقا على تدهور الليرة التركية إن "المستثمرين كانوا يعتبرون الأزمة النقدية في تركيا مشكلة محلية. لكن يبدو أن سرعة تدهور (الليرة) تعزز المخاوف من احتمال انكشاف مصارف أوروبية على النظام المصرفي التركي".

ويشعرون بقلق خارج تركيا أيضاً

وقال رودريغو كاتريل، كبير محللي العملات ببنك أستراليا الوطني في سيدني، إن المستثمرين يشعرون بقلق متزايد بشأن ارتفاع التضخم وقدرة البنك المركزي في البلاد -الذي شكك المستثمرون في استقلاله- على القيام بأي شيء حيال ذلك.

وكان البنك المركزي التركي تحت ضغط من أردوغان، الذي أُعيد انتخابه في يونيو/حزيران 2018، حافظ على أسعار الفائدة منخفضةً على الرغم من التضخم الذي تجاوز 15% في يوليو/تموز 2018.

ويقول خبراء اقتصاديون إن البنك المركزي من المحتمل الآن أن يضطر إلى اتخاذ إجراءات طارئة.

وقال ويليام جاكسون، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في "كابيتال إيكونوميكس": "هناك أسباب تدفعنا إلى الاعتقاد بأن ارتفاع أسعار الفائدة في حالات الطوارئ خلال أزمة العملة الحالية، قد لا يؤدي إلا إلى تخفيف عابر للمشكلة".

وأضاف: "ليس من الواضح أن تركيا ستكون قادرة على التراجع عن حافة الهاوية هذه المرة".

وقد خفضت الحكومة بالفعل توقعاتها للنمو لهذا العام (2018)، إلى 4% من 5.5%، ولكن الاقتصاديين يحذرون من أن الركود سيكون أسوأ بكثير إذا لم تتم استعادة الثقة بسرعة.

وقال كارستن هيس الاقتصادي الأوروبي في بيرنبرغ: "لا يمكن استبعاد الركود، وأزمة الديون التي من شأنها أن تفرض على تركيا تطبيق ضوابط رأس المال وتطلب مساعدة من (صندوق النقد الدولي)".

الليرة التركية مقابل الدولار

يبدو أردوغان مصمماً على القتال. وفي يوم الجمعة 10 أغسطس/آب 2018، حثَّ الشعب التركي على استبدال الدولار واليورو بالليرة؛ للدفاع عن العملة.

لكنَّ قوى أخرى تعمل ضد الليرة. وقال ترمب في تغريدةٍ، يوم الجمعة، معلناً أنه سيرفع الضرائب على المعادن من تركيا: "سمحت للتو بمضاعفة التعريفات الجمركية على الصلب والألومنيوم من تركيا في حين تنزلق عملتهم، الليرة التركية، متراجعةً بسرعة مقابل دولارنا القوي جداً. علاقاتنا مع تركيا ليست جيدة في هذا الوقت".

ولم يتضح حتى الآن متى سيتم فرض زيادة الرسوم الجمركية.

وأسعار الذهب ترتفع  عالمياً بسبب الليرة التركية

وارتفعت أسعار الذهب اليوم الجمعة بسبب تدهور الليرة التركية مع تعزز الطلب على المعدن كملاذ آمن بفعل أزمة الليرة التركية بينما يشهد الدولار صعوداً أيضاً مما يرفع تكلفة الذهب لمشتريه بالعملات الأخرى.

وتدافع المستثمرون على الدولار بسبب تدهور الليرة التركية كملاذ آمن في ظل انهيار العملة التركية بما يصل إلى 23 بالمئة إلى مستوى قياسي منخفض وانحدار الروبل الروسي إلى أقل سعر له في أكثر من عامين وملامسة اليورو والجنيه الإسترليني أضعف مستوياتهما في عام.

وقال أولي هانسن المحلل في بنك ساكسو إنه مع امتداد اضطرابات تركيا  و تدهور الليرة التركية  إلى أسواق أخرى فإن الذهب، الذي ينظر إليه تقليدياً كاستثمار آمن في أوقات الضبابية، قد استقطب بعض الاهتمام الإضافي.

وفي الساعة 1345 بتوقيت غرينتش كان السعر الفوري للذهب مرتفعاً 0.2 بالمئة عند 1214.71 دولار للأوقية (الأونصة) مع صعود الدولار مقابل سلة عملات رئيسية.

انهيار الليرة التركية .. لماذا؟

بسبب الخلاف مع الولايات المتحدة، الذي يهزّ ثقة المستثمرين الأجانب بتركيا، ويدفعهم لبيع سندات الليرة التركية التي يملكونها، ما يُفقد تركيا المزيد من الدولارات ويُخفّض قيمة الليرة مباشرةً.

وباعتبارها اقتصاداً ناشئاً، اعتمدت تركيا منذ 10 سنوات على الاستثمارات الأجنبية في سد العجز لديها من الدولار، والذي يعود إلى أن وارداتها بالدولار، التي تشكل الطاقة جزءاً كبيراً منها، هي أقل من صادراتها.

ولتحقيق ذلك، تُصدر المؤسسات المالية التركية سندات حكومية بفائدة تفوق فائدة السندات الأميركية، وبالنظر إلى قوة الاقتصاد التركي من حيث النمو وجاذبيته للمستثمرين، نجحت هذه الآلية في رفد أنقرة بكميات كبيرة من الدولار، حتى الآن.

رغم نجاعة هذه الآلية في سد العجز، فإنها تدل على هشاشة الاقتصاد التركي، فالدولار الذي تحتاجه تركيا يعتمد على أمر أساسي: ثقة الولايات المتحدة التي تقود ثقة الأسواق، فما إن اهتزّت ثقة الولايات المتحدة بتركيا حتى خاف المستثمرون وبدأوا يبيعون ما لديهم من سندات تركية؛ لتبدأ الليرة تدهورها.


واقرأ أيضاً..

الكثير يتساءلون عن خيارات تركيا لإيقاف سقوط الليرة المدوي وفقدانها لقيمتها.. إليك الإجابة بالتفصيل

أردوغان يدعو الأتراك لـ"الكفاح الوطني" في مواجهة الحرب الاقتصادية ضد بلده: حوِّلوا عملاتكم الأجنبية لدعم الليرة

تحميل المزيد