«هل اغتصبوكِ؟».. المعتقلات السوريات بين عذاب النظام ونظرة المجتمع

وصمة العار تنتظر السوريات المعتقلات بعد إطلاق سراحهن

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/09 الساعة 15:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/10 الساعة 04:57 بتوقيت غرينتش
A Syrian refugee Marwa who live in Jordan, sit with her children in their home and cries as she speaks to Reuters TV, about her story in Amman, Jordan, November 8, 2015. Marwa, who was detained by the Syrian authorities, was separated from her children Hussein, 6, and Limar 4, for a year. The kids had fled to Jordan with their aunt and cousins while Marwa was detained. Marwa's husband died in Syria over a year ago. She was reunited with her children in Jordan through the Red Cross 6 months ago. Picture taken November 8, 2015. REUTERS/Muhammad Hamed

تُكابد سندس فلفلة، مُدرِّسة وأم من مدينة اللاذقية غربي سوريا، لإعالة ابنتيها، وللتغلب على وصمة العار التي لحقتها بسبب قضائها فترة في السجن نتيجة نشاطها المدني.

السؤال الأول: هل اغتصبوكِ؟

تقول سندس لموقع إذاعة صوت أميركا: "بعد إطلاق سراحي، كان أول سؤال طُرح عليَّ هو ما إن كنتُ تعرَّضتُ للاغتصاب. ينظر المجتمع إلى المرأة المُفرَج عنها من السجن بعين الريبة. هناك رفض اجتماعي للنساء اللاتي أُطلِق سراحهن من السجن".

اعتقلت قوات الحكومة السورية سندس أثناء تظاهرة سلمية عام 2011، أثناء محاولتها الهرب مع محتجين آخرين مناوئين للحكومة. قالت لنا سندس إنَّ قوات الأمن فتحت النار على المحتجين السلميين غير المسلحين لفضِّ تجمُّعهم.

وقالت إنَّ السجن، حيث اعتقلها النظام السوري لعام تقريبًا، أحدث تغييراً عميقاً في نظرة أهلها والمجتمع لها كإنسانة.

وقالت: "لم يتقبَّلني زوجي مجدداً أبداً، فانفصلنا بعد إطلاق سراحي، وهجر كثير من الأزواج والأسر السجينات بعد إطلاق سراحهن أيضاً".

تضيف سندس أنَّ أفراد أسرتها حاولوا إخراجها من السجن، لكنَّهم أداروا لها ظهورهم حين أُطلِق سراحها.

أنجبت مبكراً في السجن بسبب التعذيب

كانت سندس حاملاً في ابنتها حين اعتُقِلَت، ووضعت مولودتها قبل الأوان داخل السجن، بسبب صنوف الضرب والتعذيب الشديدين على يد حراس السجن.

الآن وقد باتت سندس حرة طليقة، تحاول العثور على معنى وهدف للحياة. تعيش سندس في محافظة إدلب شمالي سوريا، التي تُعَد من آخر المعاقل الخاضعة لسيطرة المعارضة في سوريا. وتعمل متخصصة اجتماعية، تساعد النساء اللاتي مررن بعنفٍ قائم على أساس النوع أثناء الحرب الدائرة في البلاد.

لكن للعمل الاجتماعي تحدياته الخاصة، وتخشى سندس من إمكانية أن يستفز عملها الجماعات المتطرفة، التي تستهجن انخراط النساء في النشاط المدني، ودفاعهن عن حقوق الإنسان.

قالت سندس: "ساعدتني النجاة من تجربة الاحتجاز في انتزاع الخوف من قلبي. ولا بد أن نتصدى لهذا الفكر المتطرف".

ماذا لو لم يقم السوريون بالتظاهر والثورة على بشار الأسد؟

يهللون عندما يُفرج عن الرجال، ويخافون بعد أن تخرج النساء

ذكر تقريرٌ حديث للأمم المتحدة أنَّ النساء السوريات عانَين الكثير من الانتهاكات، بما في ذلك العنف الجنسي والتعذيب والصدمات النفسية، على يد مختلف الفصائل المتقاتلة في البلاد.

وأكَّد التقرير أيضاً تجربة سندس، بأنَّ السجن له بالغ الأثر على السجينات ويغيِّر حياة النساء للأبد.

وجاء في التقرير: "لكن بسبب العادات الاجتماعية والأعراف المرتبطة بالشرف، يميل المجتمع للاحتفاء بالرجال عند إطلاق سراحهم، بينما تواجه النساء العار والوصم والرفض من جانب الأزواج والآباء، الذين يفترضون أنَّهن تعرَّضن للاغتصاب في السجن".

وصرَّحت غولدن سونميز، المحامية التي نظَّمت قافلة الضمير النسائية عند المنطقة الحدودية بين سوريا وتركيا في وقتٍ سابق من العام الجاري، لوسائل الإعلام التركية، أنَّ نحو 14 ألف امرأة تعرَّضن للسجن على يد النظام السوري، وأن معظمهن لقين حتفهن بسبب التعذيب والانتهاكات.

بعد السجن، تحد آخر أمام النساء

دفع الرفض من جانب المجتمع النساء السوريات المنبوذات للالتحام معاً للمساعدة في علاج بعض الصدمات النفسية. فأقامت بعضهن منظمات للمساعدة في رفع وعي السجينات السابقات بوضعهن وتجاربهن.

أسست ولاء أحمد، السجينة السابقة ومُؤسِّسة منظمة "أطلق سراحي" (Release Me) في إدلب، منظمتها غير الهادفة للربح، لتقديم خدمات التعافي النفسي والتعليم للنساء اللاتي عانين أثناء احتجازهن، وبَعده في سوريا.

قالت ولاء: "التحدي الأكبر الذي تواجهه هؤلاء النساء هو قبول المجتمع لهنّ. الكثير من هؤلاء النساء طلقهن أزواجهن أو هجرهن آبائهن ووجدن أنفسهن على قارعة الطريق دون مأوى".

هناك العديد من المحاولات المدنية لإنقاذ المعتقلين والمعتقلات في سوريا
هناك العديد من المحاولات المدنية لإنقاذ المعتقلين والمعتقلات في سوريا

وأضافت: "بعض أولئك النساء حبيسات البيوت مع أطفالهن، وهذا يخلق ضغطاً أكبر عليهن بعد إطلاق سراحهن".

اعتُقِلَت ولاء أواخر العام 2014 لنشاطها المدني، وأُطلِق سراحها أخيراً في مطلع العام 2017. وقالت إنَّ قوات النظام اعتقلتها عند نقطة تفتيش، واقتيدت إلى سجن عدرا سيئ السمعة شمال غربي دمشق.

تردَّدت ولاء في الخوض في تفاصيل تجربتها في السجن، لكن كما حدث مع سندس، تجد راحتها في مساعدة النساء الأخريات اللاتي مررن بتجارب شبيهة في التغلب على معاناتهن في حياة ما بعد السجن.

عشرات آلاف المعتقلين.. عشرات آلاف القصص!

وثَّق المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو جماعة حقوقية مقرها لندن ترصد التطورات في سوريا منذ 2011، أكثر من 140 ألف حالة لأشخاص اعتقلهم النظام السوري.

ويتهم المرصد النظام بتعريض المعتقلين للتعذيب، مضيفاً أنَّ قرابة 15 ألف شخص، بينهم نساء وأطفال، لقوا حتفهم نتيجةً لذلك.

ويضيف المرصد أنَّ الرقم المذكور لا يمثل سوى القضايا التي يمكن توثيقها، وأنَّ العدد الفعلي للمعتقلين الذين قضوا في سجون النظام ربما يكون أضعاف ذلك.

ولم يتسنَّ التثبُّت بشكلٍ مستقل من صحة تلك الأرقام.

وتحث الكثير من المنظمات الدولية الحكومة السورية على إطلاق سراح السجناء، الذين احتجزهم النظام خلال الحرب الدائرة في البلاد، التي اندلعت عام 2011.

وفي مارس/آذار 2017، قال زيد بن رعد الحسين، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، أمام مؤتمرٍ في جنيف، إنَّه لا بد من وجود مساءلة وعدالة حتى يهتدي الشعب السوري إلى السلام.

وأضاف الحسين: "اليوم، بشكلٍ أو بآخر، أصبحت البلاد بأكملها غرفة تعذيب، أصبحت مكاناً للرعب الوحشيّ والظلم المطلق".

وقالت مصادر سورية محلية، إنَّ مصير آلاف من المعتقلين السوريين ربما يُكشَف عنه بعد استعادة الحكومة لمعظم الأرض التي خسرتها لصالح مجموعات معارضة مختلفة في السنوات القليلة الماضية.

بعثت رسالة للسجينات السابقات: لا تختبئن.. سورية عانت ويلات الاعتقال تغدق بحنانها على الأطفال

علامات:
تحميل المزيد