العبادي خسر الاثنين معاً، الشارع والمرجعيات الدينية.. الاحتجاجات قد تُطيح برئيس الوزراء العراقي الموالي لأميركا

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/07 الساعة 16:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/07 الساعة 16:02 بتوقيت غرينتش
A protester holds a picture of Iraqi Prime Minister Haider al-Abadi with "Step Down" written on it during a protest at Tahrir square in Baghdad, Iraq July 27, 2018. REUTERS/Thaier al-Sudani

تسير الاحتجاجات ضد العبادي في العراق لاحتمالية أن حيدر العبادي خسر الإثنين معا، الشارع والمرجعيات الدينية، ففي ظل عجز رئيس حكومة العراق عن حل ازمة التظاهرات، تبدو أن الاحتجاجات قد تطيح برئيس الوزراء العراقي وهو الموالي لأميركا

واستعرضت صحيفة The Washington Post الأميركية، تطورات الاحتجاجات العراقية الدائرة الآن في ظل عجز رئيس الحكومة حيدر البغدادي، عن تلبية مطالب المتظاهرين حتى الآن.

وتوقعت، الصحيفة الأميركية، في تقريرها أن تؤدي الاحتجاجات المستمرة في قلب مناطق العراق الشيعية هذا الصيف إلى إضعاف احتمالات انتزاع رئيس وزراء البلاد الموالي بشدة لأميركا ولاية ثانية، في إشارة إلى حيدر العبادي، في ظل تحويل المتظاهرين إحباطاتهم بسبب سوء الخدمات الأساسية إلى إدانة عارمة لقيادته.

وكان رئيس الوزراء العراقي ، الذي زار البصرة، الجمعة، لتهدئة النفوس، في الاحتجاجات ضد العبادي في العراق أصدر بياناً في بداية الأحداث أمر فيه "بتوسيع وتسريع آفاق الاستثمار للبناء في قطاعات السكن والمدارس والخدمات وإطلاق درجات وظيفية لاستيعاب العاطلين عن العمل وإطلاق مخصصات مالية لمحافظة البصرة، بقيمة 3,5 تريليون دينار فوراً (حوالي ثلاثة مليارات دولار)".

 وتصاعد التوتر في التظاهرات التي خرجت في البصرة ضد البطالة وانعدام الخدمات العامة، وخصوصاً الكهرباء، بعد مقتل متظاهر في الثامن من يوليو/تموز، لدى إطلاق نار خلال تفريق التظاهرة، وامتدت لتشمل محافظات جنوبية أخرى، بما فيها النجف وميسان وكربلاء وذي قار والمثنى.

رغم انتصاره العبادي على داعش، إلا أن الاحتجاجات ضد العبادي في العراق ربما تسبب في رحيله  

ودفعت الاحتجاجات، التي تحوَّلت من مسيرات إلى اعتصامات يومية، الشخصيات الدينية والسياسية القوية، للتركيز على كون رئيس الوزراء حيدر العبادي مصدر مشكلات العراق الكثيرة.

وقد يُكلِّف هذا العبادي تولّي منصبه لولاية جديدة، برغم نجاحاته العام الماضي في قيادة الحكومة العراقية للانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وتصديه لمحاولة كردية للاستقلال، وهي النجاحات التي احتُفي بها على نطاقٍ واسع.

وفي حين كان أداء قائمته ضعيفاً في الانتخابات الوطنية هذا الربيع، وحلَّت خلف رجل الدين الشيعي المثير للمشكلات مقتدى الصدر بفارق كبير، تكهَّن المراقبون السياسيون بإمكانية احتفاظ العبادي بمنصبه عن طريق تشكيل حكومة ائتلافية.

بيد أنَّ السخط الشعبي المتصاعد تسبَّب في انتكاسة مفاجئة له. وبالنسبة للولايات المتحدة، يكشف هذا المنحى الأخير ضعفاً في الاستراتيجية المتمحورة حول دعم العبادي، أملاً في ترجمة رسالته القومية المناهضة للطائفية إلى عهدٍ جديد في السياسة العراقية.

وإن رحل العبادي فالبديل سيكون أقرب لإيران وهو ما يُفزع واشنطن

وإن أخفق العبادي في تأمين ولاية ثانية له، فستواجه الولايات المتحدة إدارة عراقية جديدة أقل تعاطفاً مع واشنطن، وأكثر انفتاحاً على إيران في وقتٍ يفرض فيه الرئيس الأميركي دونالد ترمب عقوباتٍ اقتصادية على طهران، ويهددها بشن عملٍ عسكري.

ولكلٍّ من الصدر وهادي العامري، قائد إحدى الميليشيات الشيعية الذي حلَّت قائمته ثانيةً في الانتخابات، باعٌ طويل في معارضة القوات الأميركية ويعتبران التدخُّل الأميركي في العراق استمراراً لاحتلال 2003.

وفي حين عارض الصدر النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة علناً، استفاد العامري من الدعم العسكري والمالي الإيراني.

وقالت نسيبة يونس، الخبيرة بالشأن العراقي في معهد تشاثام هاوس: "أخطأت الولايات المتحدة التقدير بالتأكيد بدفعها علانيةً باتجاه ولاية ثانية للعبادي"، مُضيفةً أنَّه كان ينبغي على واشنطن تأكيد أولوياتها بالنسبة للحكومة العراقية، بدلاً من التركيز على شخص بعينه.

وتابعت الخبيرة بالشأن العراقي في معهد تشاثام هاوس: "الدفع باتجاه استمرار العبادي كان الطريقة السهلة من جانب الولايات المتحدة لمحاولة حماية المكاسب التي حققتها في العراق على مدار السنوات الأربع الماضية دون أن تضطر للقيام بالعمل الأساسي المهم على الأرض، الذي كان من شأنه أن يتطلَّب بناء مجموعة من البدائل السياسية".

وما قوى الاحتجاجات ضد العبادي في العراق، نسب التصويت الضعيفة في الانتخابات الماضية

قبيل الانتخابات الوطنية في مايو/أيار الماضي، كان يُنظَر إلى العبادي إلى حدٍّ كبير باعتباره المرشح الأوفر حظاً بسبب قيادته للبلاد، فيما كان العراق يقاتل لاستعادة الأراضي التي خسرها لصالح داعش واجتيازه لأزمة اقتصادية تسبَّبت فيها أسعار النفط المتراجعة. ونُسِب إليه الفضل أيضاً في سعيه لجسر الهوة في العراق بين السُّنَّة والشيعة.

واصقل أوراق اعتماده كذلك بإصداره الأوامر بردٍ عسكري على استفتاءٍ كردي بشأن السعي للانفصال عن العراق. وبدا أنَّ هذا التحرُّك الحازم محا فكرة أنَّه رئيس وزارء ضعيف.

لكن في انتخاباتٍ شهدت نسبة مشاركة تاريخية ضعيفة بلغت 44%، تراجع موقف العبادي الذي كان قوياً من قبل بشدة. وتخضع نتائج الانتخابات لإعادة فرز كاملة  ناتجة عن أدلة على وجود مخالات واسعة واتهامات بالتزوير، لكن لا يُتوقَّع أن يؤدي الفرز لتغييرٍ كبير في النتيجة الأصلية.

وساهم التأخير الذي بلغ قرابة ثلاثة أشهر للتصديق على نتائج الانتخابات في تصاعد الانتقاد له،  وتزايد الاحتجاجات ضد العبادي في العراق وأضعف محاولته للحصول على ولاية أخرى، فيما تتفاوض الكتل السياسية الفائزة على تشكيل حكومة جديدة.

بالإضافة إلى نقد المرجعيات الدينية ومقتدى الصدر لسياساته أيضاً

ورفض العبادي مناقشة الاحتمالات الخاصة بولاية ثانية. وقد تعرَّض لانتقادات شديدة  أثناء الاحتجاجات ضد العبادي في العراق لردّه في البداية على الاحتجاجات بالقوة، لكنَّه خفَّف مؤخراً نهجه، قائلاً إنَّ مطالب المحتجين شرعية، ووعد بتنفيسٍ اقتصادي فوري.

في البداية، قال الصدر إنَّه سيدعم العبادي ليقود حكومة جديدة، لكن الأسبوع الماضي، حين تواصلت الاحتجاجات في الشوارع، حدَّد الصدر مجموعة شروط عكست مطالب المحتجين بالتغيير.

وقال الصدر في جزءٍ منها، إنَّ رئيس الوزراء الجديد يجب أن يكون مستقلاً، لم يتقلَّد مناصب منتخبة. وهذا الشرط وحده سيُقصي العبادي من المنافسة.

جاء ذلك بعد صفعة سابقة من أعلى سلطة دينية شيعية في البلاد، آية الله العظمى علي السيستاني.

فأثناء خطبة جمعة متلفزة شاهدها الملايين، دافع ممثلٌ عن آية الله السيستاني المعتكف عن المحتجين، وقال إنَّ مطالبهم شرعية.

ثُمَّ قال: "ينبغي أن يتحمل رئيس مجلس الوزراء فيها كامل المسؤولية عن أداء حكومته، وأن يكون حازماً وقوياً ويتسم بالشجاعة الكافية في مكافحة الفساد المالي والإداري، الذي هو الأساس في معظم ما يعاني منه البلد من سوء الأوضاع".  

نُظِر على نطاقٍ واسع إلى هذا النقد باعتباره توبيخاً نادراً للعبادي من جانب المؤسسة الدينية، التي كانت قد دعمته أثناء ولايته، فضلاً عن أنَّه أعاد إحياء الانتقادات السابقة بأنَّه ضعيف.

وقبل ساعات فقط من الخطبة، بدأ المتظاهرون الذين يتجمعون أسبوعياً في ساحة التحرير ببغداد، يصبون غضبهم على العبادي، وانتقدوا قيادته صراحةً للمرة الأولى.

قال محمد إسماعيل (63 عاماً)  أحد المشاركين في الاحتجاجات ضد العبادي في العراق وهو يمسك صورة لرئيس الوزراء عليها كلمة "ارحل": "شاركتُ في كل الاحتجاجات، لكن اليوم أنا هنا ضد العبادي على وجه الخصوص".

وأضاف: "منذ تولَّى العبادي منصبه لم يحقق أياً من وعوده. كانت لديه فرصة ذهبية حين دعمه كل الناس للقيام بإصلاحات، لكنَّه كان أضعف من أن يقوم بأيٍّ منها. إنَّه ليس الشخصص المناسب لقيادة العراق".

وقال أحمد عدنان (29 عاماً)، إنَّ العبادي أهدر دعماً غير مسبوق من البرلمان والسيستاني والعراقيين العاديين.

وأضاف: "لكنَّه كان أغبى وأجبن من أن يستغل هذا الدعم، والآن هذه الأطراف الثلاثة ضده".

وقال حامد المطلك، وهو برلماني عراقي سُنَّي يشغل مقعداً في البرلمان الآن، إنَّ العبادي كان سيصبح مرشحاً مقبولاً لإعادة انتخابه، لكن الاحتجاجات سمحت للأطراف الأخرى بتهميشه.

وأضاف: "العبادي هو الأفضل بين كل رؤساء الوزراء السابقين، لكنَّه مع ذلك أظهر ضعفه في أكثر من مناسبة.

ولم يستطع معاقبة الفاسدين، ولم يستطع مواجهة الميليشيات المسلحة. ولن يكون قادراً على إدارة البلاد في المرحلة المقبلة".

وتبقى كتلة مقتدى الصدر الأوفر حظاً حتى الآن كبديل للعبادي

وقال مسؤولٌ قيادي قريب من المفاوضات، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إنَّ قائمة العبادي الانتخابية لم يعد يُنظَر إليه كشريكٍ أساسي لمركزي القوة الصاعدين: كتلة الصدر التي تتمتع بالأغلبية، مدعومة من تيار الحكمة الشيعي، وكتلة العامري، مدعومةً من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.

وقال المسؤول إنَّ قائمة العبادي تراجعت لتكون في نفس وضعية الأقلية التي تحظى بها الأحزاب الكردية والسُّنّيّة، التي يُنظَر إليها كشركاء ثانويين في تشكيل الحكومة.

بالإضافة إلى ذلك، قال المسؤول إنَّ اسماً جديداً برز كخليفة محتمل للعبادي من داخل حزب العبادي ذاته، هو طارق نجم، المدير السابق لمكتب المالكي.

لكن مع ذلك يقول حلفاء العبادي إنَّ رئيس الوزراء قد يحتفظ بمنصبه إذا ما أكَّد مكاسبه ضد داعش، وأشار إلى أنَّ المحتجين المشاركين في الاحتجاجات ضد العبادي في العراق صبّوا غضبهم على الطبقة السياسية كاملةً، بما في ذلك الأحزاب المنافسة.

قال شامل كهيه، عضو حزب الدعوة: "بسبب الاحتجاجات وغضب الناس، لن يخاطروا باختيار شخص للمنصب يبدأ من الصفر".

لكنَّ نسيبة يونس، المحللة بمعهد تشاثام هاوس، قالت إنَّ الدعوة لـ"تغييرٍ جوهري في النهج" من جانب كلٍّ من المؤسسة الدينية والمحتجين قوَّضت أي قيمة للاستمرارية السياسية.

وأضافت: "قد يظل العبادي متمسكاً بالمنصب إذا عانت الكتل السياسية في تحديد شخصية بديلة مُتفاهَم عليها.

لكن هناك اعتراف الآن بأنَّ مثل هذا القرار لن يساعد على تهدئة المواطنين العراقيين الذين ينادون بتغييرٍ جذري".  

وتشهد محافظات أخرى  الكثير من الاحتجاجات ضد العبادي في العراق   منذ 9 يوليو/تموز الجاري، تطالب بتوفير الخدمات العامة  ورحيل العبادي وتوفير فرص العمل ومحاربة الفساد.

وتجمَّع المحتجون في الاحتجاجات ضد العبادي في العراق عدة مرات عند حقول نفط استراتيجية في محافظة البصرة، وهو ما أثار مخاوف من إمكانية تأثر عمليات الإنتاج.

 ومنذ سنوات، تنطلق الاحتجاجات ضد العبادي في العراق، لتشغيلهم في شركات النفط، بدلاً من العمالة الأجنبية التي تجلبها الشركات القائمة على تطوير حقول النفط.