تنهار آمال وطموحات دونالد ترمب في التوصل إلى "اتفاق نهائي" لتسوية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وسط مخاوف عربية متصاعدة من أن تميل المقترحات الأميركية لصالح الجانب الإسرائيلي إلى حد كبير.
وذكر مسؤولون عرب أن أي مقترح للسلام يجب أن يتم إرجاؤه لحين تهدئة التوترات بين إسرائيل وحركة حماس الحركة الإسلامية التي تسيطر على قطاع غزة، حسب صحيفة Financial Times البريطانية.
وذكر دبلوماسي أميركي أنه تم نقل هذه الرسالة إلى مهندسي الخطة جاريد كوشنر، صهر ترمب ومستشاره، وجيسون جرينبلات، مبعوث السلام في الشرق الأوسط.
قتلت إسرائيل أكثر من 130 شخصاً من غزة خلال الاحتجاجات التي نشبت في القطاع في الشهور الأخيرة في أسوأ أحداث عنف شهدتها غزة منذ حرب 2014. وتعثرت محاولات الصلح بين الفصائل الفلسطينية المتنافسة (حركة فتح التي تسيطر على الضفة الغربية وحركة حماس). ويشعر المسؤولون العرب بالقلق خشية أن تكون الخطة الأميركية منحازة بحيث لا تجد الأطراف أي خيار سوى رفضها، بحسب ما ذكره أحد مسؤولي دول الخليج.
في تحول التركيز الأميركي بعيداً عن خطة البيت الأبيض
وذكر مسؤول أميركي أن النتيجة تتمثل في تحول التركيز الأميركي بعيداً عن خطة البيت الأبيض من أجل خلق "مجموعة مبادئ عمل واسعة النطاق" لإعادة فتح الحوار بين إسرائيل والفلسطينيين لخلق مناخ يتقبل من خلاله الزعماء الفلسطينيون والعرب أي مقترحات.
وقال دبلوماسي عربي: "يبدو أن الأميركيين يستعدون حالياً لسحب ما كانوا يخططون له".
وقد أشارت التقارير إلى أن خطة البيت الأبيض الأصلية تنطوي على وجود عاصمة فلسطينية في ضاحية أبوديس بالقدس واستمرار تواجد المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة.
ويرى الفلسطينيون أن مثل تلك المقترحات لا سبيل لنجاحها، وأنها تحطم أحلامهم في إقامة دولة خاصة بهم. وكان البيت الأبيض يأمل بأن تنقشع مخاوف الفلسطينيين من خلال اعتراف واشنطن بالدولة الفلسطينية وتقديم الدعم المالي لها، بحسب ما أورده أحد المسؤولين الأميركيين.
وينكر مسؤولو إدارة ترمب أن التفاصيل المسربة تعكس خططهم ويصرّون على أنهم يسيرون في المسار السليم، رغم أن موعد تقديم الخطة ليس واضحاً بعد.
إدارة ترمب: المؤكد أننا لا نتعثر
وذكر أحد كبار مسؤولي إدارة ترمب: "من المؤكد أننا لا نتعثر، بل نستعد بالفعل لانطلاقة قوية. إننا نضع استراتيجية استمرار الخطة من أجل منحها أفضل فرص النجاح".
وأوصي ديفيد جاردنر قائلاً: "إننا نوشك على الانتهاء من الجانب السياسي للخطة ولا زلنا نعمل على الجانب الاقتصادي".
وقد تفاقمت المخاوف الفلسطينية والعربية بموجب قرار ترمب إلغاء سياسة الولايات المتحدة على مدار عقود وفتح سفارة أميركية في القدس في مايو/أيار، ما أطاح بآمال الفلسطينيين في حل الدولتين. وترى إسرائيل أن القدس عاصمة لها، بينما يعتبر الفلسطينيون القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية.
وقد رفض القادة الفلسطينيون، ومن بينهم الرئيس محمود عباس، لقاء المسؤولين الأميركيين منذ اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر/كانون الأول، ولم يطلعوا على مقترحات الإدارة الأميركية.
ليس الفلسطينيون وحدهم من يشعرون بالخوف والقلق. فقد أعرب مسؤول إسرائيلي وفق صحيفة Financial Times عن مخاوفه من إمكانية أن تؤدي الخطة غير المتوازنة إلى الإضرار بالتعاون الخفيّ بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية وغيرها من بلدان الخليج التي لا يوجد بينها وبين إسرائيل أي علاقة رسمية.
ويمكن أن يؤدي رفض المملكة لتلك الخطة إلى تعريض هذه العلاقات الناشئة للخطر. وذكر المسؤول الإسرائيلي "تم نقل تلك المخاوف للولايات المتحدة، ولكن كجزء من مناقشة أوسع نطاقاً للقضايا الإقليمية".
وبدت المملكة، الحليف العربي الأكبر للولايات المتحدة، مستعدة للضغط على الفلسطينيين من أجل قبول عرض البيت الأبيض، حيث تحدد الرياض أولويات مسيرتها تجاه مواجهة نفوذ إيران، وهو الهدف المشترك بينها وبين الولايات المتحدة وإسرائيل. ويعد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قريباً من كوشنر وقد نقلت عنه مجلة The Atlantic هذا العام قوله: "إنه من حق الإسرائيليين أن تكون لهم أرض، وهناك الكثير من المصالح المشتركة بيننا وبين إسرائيل".
ومع ذلك، ذكر مسؤولان فلسطينيان أن والده الملك سلمان قد طمأن الزعماء الفلسطينيين بشأن استمرار دعم المملكة لهم لحين إعادة فتح قضية القدس العاصمة المشتركة للدولتين.
وذكر نبيل شعث، أحد كبار المسؤولين الفلسطينيين: "يعلم السعوديون ويحترمون حقيقة أنه من حقنا في النهاية أن نرفض ما نراه صفقة سيئة". وذكر الدبلوماسي الأميركي أن الملك سلمان قد تحدث أيضاً عن مبادرة السلام العربية خلال حواره مع مسؤولين أميركيين، ما يعني أن موقف السعودية لن يتماشى مع ما كان يعتزم محمد بن سلمان القيام به.
خطأ الولايات المتحدة أنها اعتقدت أن بإمكان دولة واحدة الضغط على بقية الدول
وقال دبلوماسي عربي بارز في الرياض: "في السعودية الملك هو من يتخذ القرارات بشأن هذه القضية الآن وليس ولي العهد". وأضاف: "خطأ الولايات المتحدة أنها اعتقدت أن بإمكان دولة واحدة الضغط على بقية الدول للتسليم، لكن الأمر لا يتعلق بالضغط. لا يملك زعيم عربي التخلي عن القدس أو الفلسطينيين".
وقال مسؤولون فلسطينيون لرويترز في ديسمبر/كانون الأول، إن الأمير محمد بن سلمان ضغط على عباس لتأييد الخطة الأميركية رغم مخاوف من أنها لا تعطي الفلسطينيين سوى حكم ذاتي محدود داخل مناطق غير مترابطة من الضفة الغربية المحتلة دون الحق في العودة للاجئين الذين نزحوا من ديارهم في حربي 1948 و1967.
وتتناقض مثل هذه الخطة مع مبادرة السلام العربية التي طرحتها السعودية عام 2002، والتي عرضت خلالها الدول العربية تطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل الاتفاق على إقامة دولة للفلسطينيين وانسحاب إسرائيل بالكامل من الأراضي التي احتلتها في حرب 1967.
وقد بادرت المملكة بتلك الخطة عام 2002 وعرضت على إسرائيل الاعتراف العربي بها إذا ما انسحبت من الأراضي المحتلة.
وذكر الدبلوماسي العربي: "ربما قد يوافق الفلسطينيون بعد أن يمارس السعوديون ضغوطاً هائلة عليهم على الخطة الأميركية؛ نظراً لأنه لا يوجد خيار آخر أمام عباس، ولكن المشكلة لن تُحل لأنها ستقضي على شرعيته. لا يمكن التخلي عن القدس بهذه البساطة".
ويذكر مسؤولو إدارة ترمب أن مبادرة السلام العربية تبدو جيدة على الورق ولكنها تفتقر إلى التفاصيل، وقال مسؤولو بإدارة ترمب: "لماذا نتعجل شيئاً معقداً وصعباً للغاية؟ نريد أن نفعل ذلك في الوقت المناسب. طالما قلنا إننا لا نستطيع التوصل إلى اتفاقية سلام شاملة دون تسوية قضية غزة. إنهما مساران متوازيان، وربما يسبق أحدهما الآخر بأسابيع قليلة".
ـــــــــــــــــــــــ
اقرأ أيضاً