الاتحاد الأوروبي سلَّم القضية للمهربين.. تدفق اللاجئين إلى البوسنة يفتح حساسيات الحرب القديمة، وهذا ما فعله معهم المحاربون القدامى

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/29 الساعة 18:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/29 الساعة 21:25 بتوقيت غرينتش

 

يجلسون القرفصاء طوال اليوم دون عمل، ومعهم أطفالهم الذين لا يذهبون للمدارس، ولكن ما يشغل تفكيرهم هو ماذا سيفعلون عندما يحلّ برد الشتاء؟

فبعد أكثر من ثلاث سنوات من فِرارهم من بلدهم الأم أفغانستان؛ بحثاً عن حياة أفضل في أوروبا، أصبح عبدالله حبيب وزوجته وأطفاله السبعة عالقين في جمهورية البوسنة والهرسك.

طوال عدة أشهر حتى الآن، كانت عائلة حبيب تعيش في مبنى سكن جماعي مهجور موحل، لا توجد به نوافذ، في مدينة بيهاتش الحدودية، حسب تقرير لصحيفة The Financial Times البريطانية.

اللكمات أعادتهم إلى البوسنة مثل كرة القدم

غادر حبيب دولة صربيا إلى البوسنة، على أمل أن يستطيع دخول دولة الاتحاد الأوروبي المجاورة، كرواتيا، من هناك.

لكن الشرطة الكرواتية أوقفتهم ولكمت ابنه، وأخذت هواتفهم، وأجبرتهم على العودة إلى البوسنة.

وقالت ديانا، ابنة حبيب البالغة من العمر 11 عاماً: "نحن كرة. نذهب إلى كرواتيا، وكرواتيا ترسلنا مرة أخرى إلى البوسنة".

ويصوب حبيب خطأ ابنته قائلاً: "نحن مثل الكرة"، معرباً عن أسفه لحقيقة عدم التحاق أطفاله بالمدرسة.

ولكن لماذا يأتي اللاجئون من إيران إلى هذه الدولة الصغيرة تحديداً؟

في هذا العام وحده، دخل نحو 9 آلاف من طالبي اللجوء والمهاجرين إلى تلك الدولة البلقانية الصغيرة، التي برزت سريعاً كنقطة توقف جديدة للمهاجرين اليائسين للوصول إلى أوروبا، بعد إغلاق الممرات السابقة على خلفية توقيع اتفاقية بين تركيا والاتحاد الأوروبي عام 2016.

وبحسب منظمة الهجرة الدولية، يصل حوالي 500 شخص كل أسبوع مقارنةً بـ755 وصلوا في عام 2017. بعضهم سئموا من المخيمات في صربيا، ويحاولون، مثل حبيب، تجربة طريق مختلف إلى دول الاتحاد الأوروبي.

البعض الآخر من باكستان وإيران، وتستفيد الأخيرة من الرحلات الجوية المباشرة الجديدة المُعفاة من التأشيرة بين طهران وبلغراد.

المشكلة أن الوضع معقَّد بما فيه الكفاية.. وهناك من يستغل الأزمة لتحقيق المكاسب

يؤدي تزايد عدد المهاجرين إلى تفاقم التوترات، ويزيد من العبء على النظام السياسي اللامركزي المُعقَّد المنصوص عليه في اتفاق تقاسم السلطة، الذي أنهى الحرب في البلاد قبل أكثر من عقدين.

يقول سياسيون في البلدات الحدودية الأكثر تضرراً من الهجرة، إنَّ نظراءهم على مستوى الدولة يقدمون القليل من المساعدة العملية، ويستخدمون بدلاً من ذلك مسألة توافد المهاجرين لتسجيل نقاط سياسية مع اقتراب الانتخابات العامة، في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

ولذا نظَّم أعضاءٌ في المجلس المحلي، الأسبوع الماضي، احتجاجاً في سراييفو، عاصمة جمهورية البوسنة والهرسك، إذ يشتكون من أنَّ وزير الأمن دراغان مكتيتش لم يفعل ما يكفي لمساعدتهم في التعامل مع الوضع.

المشكلة ليست في المهاجرين ولكن في الحكومة

وقال عمدة مدينة بيهاتش، سوهريت فازليتش، لصحيفة The Financial Times البريطانية: "لا تكمن مشكلتنا في المهاجرين، لكن في الحقيقة الحكومة على مستوى الدولة لا تعمل كما يجب".

وأضاف: "لا يوجد حالياً من الأسرّة سوى ما يكفي لاستيعاب 10% من اللاجئين، بينما يمكث البقية في مخيمات متنقلة في مبان أو ساحات. وأضاف: "نحن نعلم أن هناك موجة أكبر من اللاجئين قادمة. ومع حلول فصل الخريف، قد يصل عدد اللاجئين لدينا إلى 13 ألفاً بدلاً من 3 آلاف، مما سيجعل الوضع أصعب على هؤلاء الناس وعلى مواطنينا".

كما أن الاتحاد الأوروبي ترك الأمر للمهربين والمجرمين

ومع وجود مركزين رسميين لاستقبال المهاجرين، وعد الاتحاد الأوروبي بمبلغ 8.5 مليون يورو (9.9 مليون دولار) لبناء ملاجئ جديدة، لكن تلك الأموال رهينة الصراعات السياسية بين زعماء الطوائف العرقية المسلمة من الكروات والصرب والبوسنيين في جمهورية البوسنة والهرسك.

وقال وزير الأمن دراغان مكتيتش في مؤتمر صحافي يوم الأربعاء 25 يوليو/تموز: "لقد تحمَّلنا الأضرار التبعية لمشكلة الاتحاد الأوروبي".

وأضاف: "لقد فشل الاتحاد الأوروبي في هذا الاختبار، لأنه سمح للمجرمين والمُهرِّبين بإدارة هذه العملية، بدلاً من مؤسساته الخاصة".

وزعيم صربي يستغل القضية لأغراض انتخابية

ومن جانبه، رفض زعيم صرب البوسنة، ميلوراد دوديك، استضافة أي مهاجرين في جمهورية صرب البوسنة، الكيان ذو الأغلبية الصربية، وهو أحد الكيانين السياسيين اللذين تتكون منهما جمهورية البوسنة والهرسك، ويُشكِّل ما يقرب من نصف أراضيها تقريباً.

وألقى باللوم على ميكيتش، العضو في حزب سياسي منافس، على هذه الزيادة في أعداد المهاجرين، قائلاً إنَّ هذا التدفُّق هو "خطة متعمّدة لسراييفو" لجلب 150 ألف مهاجر قبل انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2018.

وأكد أنَّ تلك الإقامة المؤقتة للمهاجرين ستُشكِّل "ضغطاً كبيراً على نمط الحياة في جمهورية صرب البوسنة". في المقابل، رفض وزير الأمن تعليقات زعيم صرب البوسنة، باعتبارها تهدف إلى إشاعة الذعر.

ولكي تزيد الطين بلة هذه هي المدينة الوحيدة التي شهدت اقتتالاً بين المسلمين

تسبَّب كل هذا في إثارة غضب السياسيين المحليين مثل عمدة مدينة بيهاتش، سوهريت فازليتش، الذي يشكو من أنَّ السياحة تعاني، ويخشى من طول مدة بقاء المهاجرين.

وتزيد العداوات الناجمة عن حرب التسعينيات من تعقيد الأمور، إذ كانت مدينتا بيهاتش وفيليكا كلادوشا هما الوحيدتين اللتين شهدتا قتالاً بين المسلمين خلال الحرب البوسنية.

وانتُخِبَ فكرت عبديتش، عمدة مدينة فليكا كلادوشا، بعد قضاء 10 سنوات في السجن من أصل حكم مدته 15 سنة، بتهمة ارتكاب جرائم حرب. حتى يومنا هذا، بالكاد تتواصل البلدتان، ناهيك عن تنسيق الإجراءات المتعلقة بالمهاجرين.

ولكن المواطنين العاديين وقدامى المحاربين يحاولون إنقاذ اللاجئين.. ولكن المشكلة أنهم يقتتلون

وفي حين يتشاجر السياسيون، يبذل العديد من المواطنين البوسنيين العاديين قصارى جهدهم للمساعدة، انطلاقاً من الشعور بالتضامن.

جمعت مجموعة من قدامى المحاربين في البوسنة ما يكفي من المال لإطعام 700 شخص كل يوم في فيليكا كلادوشا. لكن حذَّر فازليتش بأنَّه من غير المحتمل استمرار هذه النية الحسنة.

جدير بالذكر أنَّه اندلع قتال، يوم الأربعاء الماضي، في مخيم في فيليكا كلادوشا، أسفر عن إصابة 15 شخصاً ونقلهم إلى المستشفى.

وأوضح فازليتش، أنَّ بعض ناخبيه نظموا دوريات ليلية. وقال: "هؤلاء المهاجرون يائسون. هم سيكونون في معاناة خلال فصل الشتاء". وأضاف: "إنَّها ليست مسألة ما إذا سيكون هناك حادث، إنَّها فقط مسألة متى وإلى أي مدى ستكون العواقب كارثية".

إقرأ أيضاً

هل يمزق اللاجئون الاتحاد الأوروبي؟.. القارة العجوز تعقد "قمة حاسمة" حول الهجرة وسط خلافات قوية

تحميل المزيد