“قانون الحجب” سلاح أوروبا للتغلب على عقوبات واشنطن ضد إيران.. لكن مهلاً، فهذا القانون من الممكن أن يفشل لهذا السبب

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/26 الساعة 19:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/27 الساعة 09:22 بتوقيت غرينتش
كثير من حلفاء أمريكا يرفضون نهج ترامب مع إيران/رويترز

"يواجه الاتحاد الأوروبي أزمة كبيرة في ظل محاولاته القفز على العقوبات الأميركية المفروضة على إيران؛ رغبةً منه في حماية الأعمال التجارية التي يستثمرها بإيران، لذلك خرجت بـ "قوانين الحجب.

ووفقاً لصحيفة The Financial Times الأميركية ، يعمل الاتحاد الأوروبي على إنجاز خطط، من شأنها تخفيف تأثير الإجراءات العقابية على إيران، في الوقت الذي تستعد فيه إدارة ترمب لفرض موجة جديدة من العقوبات الشهر المقبل (أغسطس/آب 2018)، وكذلك في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2018. وستستهدف الدفعة الأولى من العقوبات تجارة السيارات والذهب ومعادن أخرى، أما الثانية فستستهدف صادرات النفط والتحويلات المالية من البنك المركزي في إيران وإليه.   

"قوانين الحجب" أحد قوانين الاتحاد الأوروبي التي يحاول القفز بها على عقوبات أميركا ضد إيران

والسلاح الأساسي الذي طوَّره الاتحاد الأوروبي -في هذا الصدد- هو نسخة مُحدَثة من "قوانين الحجب" الذي صيغ في فترة التسعينيات لمواجهة العقوبات الأميركية ضد إيران، وليبيا، وكوبا؛ إذ يمنع القانون الشركات الأوروبية من الامتثال للتدابير الأميركية، ويسمح لها بالمطالبة بتعويضات عن الأضرار التي تنشأ عن العقوبات "من الشخص الذي تسبب فيها".   

ميركل
ميركل

ومع ذلك، أعرب محامون ودبلوماسيون عن شكوكهم في مدى فاعلية هذه الأداة التي لم تُختَبر بما يكفي من قبل.

فمن جانبه، قال جون دي رويت، مستشار بارز في شركة كوفينغتون وبرلنغ الدولية للمحاماة، وسفير بلجيكا سابقاً لدى الاتحاد الأوروبي: "إنها سياسة أوروبية تتناقض كليةً مع السياسة الأميركية: وهو ما لا يحدث غالباً".        

لذلك فالاتحاد الأوروبي حريص على إنقاذ الاتفاق النووي مع إيران

ونشأت الأزمة بعد انسحاب الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، في مايو/أيار 2018، من الاتفاقية النووية التي وقعتها إيران عام 2015 مع قوى دولية، من بينها الاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا.

ويستميت الموقِّعون الأوروبيون لإنقاذ الاتفاقية، ويعتقدون أنه من الضروري الاستمرار في تمكين الجمهورية الإيرانية من حصد الثمار الاقتصادية للاتفاقية.          

غير أنَّ ترمب اقترح أنَّ تعرض إدارته بضعة تنازلات للشركات. وحذر الرئيس الأميركي إيران هذا الأسبوع، في أقسى خطاب استخدمه حتى الآن ضد النظام الإسلامي، من أنها ستواجه "عواقب" شديدة إذا هدَّدَت أميركا. ومن جانبه، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني، نهاية الأسبوع الجاري، إنَّ إعادة فرض عقوبات جديدة هو بمثابة "إعلان حرب" على إيران.    

لكن الاتفاق النووي ليس المشكلة الوحيدة بين أميركا وأوروبا

وتشوب العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كذلك توتراتٌ حول قرار ترمب فرض تعريفة جمركية على واردات الصلب إلى أميركا.  

وأقرت فيديريكا موغيريني، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الأسبوع الماضي، بأنَّ رد الاتحاد الأوروبي على العقوبات ضد إيران كان "تمريناً صعباً"، نتيجة "الثقل الذي تتمتع به الولايات المتحدة في الاقتصاد والنظام المالي العالميَّين".      

واستدركت: "لكننا عازمون على إنقاذ الاتفاقية".

وقال بريت هيليز، خبير العقوبات والشريك بشركة ريد سميث الدولية للمحاماة، إنه ليس هناك في الخطط الأوروبية ما يمنع الأنشطة التجارية الأوروبية النشطة في إيران من "الهرب سريعاً" إلى خارجها، مضيفاً أنَّ قوانين الحجب كان "تدبيراً يعكس عدم رضا الاتحاد الأوروبي، لكن لا يتعدى ذلك بأي حال لحل أزمات الشركات".

وأي تهديد بالعقاب في أوروبا ضد الامتثال للعقوبات الأميركية سيتلاشى -على الأرجح- أمام أي رد أميركي محتمل على تجاهلها. ففي عام 2015، مثلاً، أصدرت محكمة أميركية حكماً بمصادرة وتغريم بنك "بي إن بي باريبا" الفرنسي ما يعادل 9 مليارات دولار؛ على خلفية مزاعم بانتهاكه العقوبات الصادرة ضد إيران والسودان وكوبا.  

ترمب وميركل
ترمب وميركل

ومن التهديدات أيضاً التي ستواجهها الشركات الأوروبية، اتخاذ الولايات المتحدة خطوات ضد مسؤولِين فرديِّين، والاستثناء من صفقات التوريدات الحكومية، وغيرها من الفرص التي ستُهدَر جراء الإضرار الذي لحق بسمعتها.  

ويتعين على السلطات الأوروبية لكي تفرض قانون الحجب، أن تثبت أنَّ الشركة خالفته بسحب نشاطها من إيران، وهو ما يمكن أن تقدِّم الشركات العديد من الدفاعات ضده، وضمن ذلك أنها انسحبت من الجمهورية الإسلامية لأسباب تجارية.    

وأعلنت بعض الشركات الأوروبية بالفعل، من بينها مجموعة "بي إس إيه" الشركة الأم لشركة بيجو للسيارات، وعملاق النفط الفرنسي "توتال"، أنها ستوقف أنشطتها في إيران، ما لم يتم تقديم تنازلات.

وتبين الشهر الجاري (يوليو/تموز 2018)، أنَّ الولايات المتحدة رفضت طلباً أوروبياً بأن يُستثنى من العقوبات المتجددة بعض الصناعات الحيوية، وضمنها قطاعات الصحة والطاقة والمال.

وفي هذا الصدد، قال روجر ماثيوز، المحامي البارز في شركة "ديشيرت" الدولية: "إذا ما أراد الاتحاد الأوروبي أن يُعزِّز قانون الحجب بأنيابٍ كافية ليمنحه التأثير المطلوب، فسيتحوَّل الأمر إلى كابوسٍ من الالتزام وتكلفة قانونية إضافية"، مضيفاً أن الخطوط الإرشادية المتوقع أن تصدرها المفوضية الأوروبية قريباً من شأنها تقديم مزيد من التوضيح.  

وعرض الاتحاد الأوروبي اقتراحات أخرى لحماية الشركات بتوفير خطوط مالية بعملات غير الدولار عن طريق مؤسسات مثل بنك الاستثمار الأوروبي، ولكنها تعرضت لصعوبات خاصة بها.     

قادة الإتحاد الأوروبي وترمب
قادة الإتحاد الأوروبي وترمب

إذ صرَّحَ رئيس بنك الاستثمار الأوروبي، فيرنر هوير، الأسبوع الماضي، بأنَّ الاضطلاع "بدورٍ نشطٍ" في إيران سوف "يخاطر بنموذج أعمال البنك".

ويأمل الدبلوماسيون الأوروبيون أنه لا يزال بإمكانهم تحقيق تقدُّم على أصعدةٍ أخرى، مثل توفير خطوط مالية ثنائية إلى إيران، وإجراءات للتسديد مقابل واردات النفط مباشرةً إلى البنك المركزي الإيراني. ويُحتَمَل أن يلين موقف الولايات المتحدة؛ إذ لمح وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الشهر الجاري (يوليو/تموز 2018)، إلى أنَّ واشنطن قد تقبل طلبات أحادية من دول لمنحها تنازلات بشأن العقوبات.     

لكن من دون هذه الاستثناءات، يُرجَّح أن يكون تأثير تدابير الاتحاد الأوروبي المضادة رمزية وغير كافية إلى حدٍّ كبير، لإقناع الكثير من الشركات الكبرى بالعمل في إيران. وعلق دي رويت قائلاً: "أية شركة أوروبية مهمة ستكون خائفة؛ لأن سيطرة الولايات المتحدة واسعة".     

وأعلن رئيس المفاوضِين التجاريِّين الأميركيِّين أن ممثلي الولايات المتحدة وكندا والمكسيك يمكن أن يختتموا محادثاتهم، المتعلقة باتفاق جديد للتجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، بحلول الشهر المقبل (أغسطس/آب 2018).

ويأتي هذا التصريح، بعد احتواء التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ما يجعل إمكان إنهاء جبهتين في حروب الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، التجارية أمراً ممكناً.

وقال الممثل التجاري الأميركي روبرت لايتهايزر إن الشركاء التجاريِّين الثلاثة في أميركا الشمالية يمكن أن يتوصلوا إلى "نوع من التفاهم خلال شهر أغسطس/آب 2018".

وأضاف: "هذا ليس إطاراً زمنياً غير منطقي إذا أراد الجميع التوصل إلى إنجاز"، مرجحاً أن يسمح هذا للرئيس المكسيكي، إنريكه بينا نيتو، بتوقيع الاتفاق الجديد قبل مغادرته منصبه في الأول من ديسمبر/كانون الأول 2018.

وقال لايتهايزر: "هذا ما نأمله".

وبسبب العقوبات على إيران ، الهند تواجه مأزق جديد

وقالت مصادر في قطاع النفط إن إيران تعرض تقديم تغطية تأمينية على شحناتها النفطية إلى الهند، بعدما أوقفت بعض شركات التأمين المحلية تلك الخدمة بسبب العقوبات الأميركية الوشيكة، في خطوة قد تساعد إيران على مواصلة الإمدادات لثاني أكبر مشترٍ لنفطها.

وتعكف معظم شركات التكرير في آسيا، السوق الرئيسية لمبيعات النفط الإيراني، على خفض وارداتها تدريجياً من إيران، عضو منظمة أوبك؛ خشية فقدان الاستفادة من النظام المالي الأميركي عندما يبدأ سريان العقوبات.

وقالت المصادر إن إيران وفَّرت بالآونة الأخيرة، تغطية تأمينية لشحنات النفط إلى الهند، في ناقلات تديرها شركة الناقلات الوطنية الإيرانية، حيث تهدد العقوبات كلاً من السفن والتأمين على نقل الشحنات.

وأضافت أن مؤسسة النفط الهندية، أكبر شركة تكرير في الهند، و"بهارات بتروليوم"، ثاني أكبر شركة تكرير حكومية بالبلاد، بدأتا تحميل النفط الإيراني على ناقلات مملوكة لشركة الناقلات الوطنية الإيرانية، مع تغطية تأمينية إيرانية للشحنات.

وفي الأسبوع الماضي، حملت مؤسسة النفط الهندية، التي خططت لشراء نحو 180 ألف برميل يومياً من الخام الإيراني في 2018-2019، نفطاً على الناقلة العملاقة "ديفون"، بعدما رفضت "يونايتد إنديا" للتأمين الهندية توفير تغطية تأمينية للشحنة، حسبما قال مصدر في القطاع.

وأضاف المصدر أن مؤسسة النفط الهندية تسعى لشراء شحنات أغسطس/آب 2018 من إيران بشروط مماثلة، بحيث تكون إيران مسؤولة عن تسليم الشحنات إلى الموانئ الهندية.

وزير خارجية إيران
وزير خارجية إيران

وأكد مصدر لدى "يونايتد إنديا" أن الشركة توقفت عن توفير غطاء تأميني لشحنات النفط الإيرانية.

وتعتمد شركات التأمين الهندية التي تديرها الدولة على إعادة التأمين من الشركة العامة للتأمين الهندية، التي تعتمد بدورها على شركات في أوروبا والولايات المتحدة للتحوط من المخاطر.

وتهيمن شركات إعادة التأمين الأوروبية والأميركية على السوق العالمية، وتتوخى الحذر بشكل متزايد من انتهاك العقوبات.

وقال مصدر لدى الشركة العامة للتأمين: "الموقف الآن دقيق جداً. شركات إعادة التأمين (الأميركية والأوروبية) لا تقدم أي تغطية للأنشطة المرتبطة بإيران".

ولم تردَّ "يونايتد إنديا" للتأمين على مكالمات هاتفية من "رويترز" للحصول على تعقيب. كما أحجمت مؤسسة النفط الهندية و"بهارات بتروليوم" والشركة العامة للتأمين عن الرد على رسائل من "رويترز" عبر البريد الإلكتروني تطلب الإدلاء بتعليقات.

كانت الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق النووي العالمي مع إيران في مايو/أيار 2018، وقالت إنها ستعيد فرض عقوبات يبدأ سريان بعضها في السادس من أغسطس/آب 2018، في حين تسري بقية العقوبات -لا سيما بقطاع البترول- في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2018. وفي فبراير/شباط 2018، قال وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه، إن إيران كانت تأمل بيع ما يزيد على 500 ألف برميل يومياً من النفط إلى الهند، أكبر مشترٍ لخامها بعد الصين، في السنة المالية الحالية التي بدأت في أبريل/نيسان 2018.

تحميل المزيد