هل يوشك عمران خان، لاعب الكريكيت الأسطوري والرمز العالمي للرجولة أن يصبح زعيماً لجمهورية باكستان الإسلامية ذات الأسلحة النووية؟
تقول استطلاعات رأي عام إن حزب حركة الإنصاف الباكستاني المعارض، الذي يقوده نجم الكريكيت السابق عمران خان يحقق تقدماً قبل الانتخابات العامة، المقررة اليوم الأربعاء 25 يوليو/تموز 2018، إذ أظهر استطلاع للرأي تفوقه على الحزب الحاكم المنتهية ولايته، بينما أظهر استطلاع آخر تخلفه عنه بفارق ضئيل.
وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة (بالس كونسالتنت) أن 30% من المشاركين من أنحاء باكستان يؤيدون حزب حركة الإنصاف، بينما حصل منافسه الرئيسي حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية- جناح نواز شريف الحاكم، على 27% من الأصوات، وحزب الشعب الباكستاني على 17% من الأصوات.
صنع خان اسماً لنفسه في ملاعب الكريكيت العالمية، وفي ملاهي لندن الليلية حسب تقرير صحيفة The New York Times الأميركية. ومع ذلك، فقد خاض تحولاً هائلاً ومعقّداً خلال العقدين الأخيرين، منذ أن بدأ يسعى وراء الترشح لمنصب أعلى في باكستان.
فقد اعتنق الإسلام الورع، وأعرب عن غضبه الشديد من الولايات المتحدة، وابتعد عن حياة المتعة والصخب، رغم أن حزبه السياسي لا يزال يستخدم مضرب الكريكيت رمزاً له. وحينما تعقِد باكستان انتخاباتها العامة، الأربعاء 25 يوليو/تموز 2018، من المتوقع أن يصبح خان الزعيم الذي سوف يشكل الحكومة.
يحظى بعلاقة ودية بالجيش الباكستاني المستبدّ
وزادت فرص خان السياسية بشكل مطرد خلال العام الجاري (2018)، منذ أن قدَّم التماساً إلى المحكمة العليا في باكستان، لإقصاء رئيس الوزراء السابق نواز شريف، بناءً على اتهامات بالفساد.
وفي وقت سابق من يوليو/تموز 2028، حُكم على شريف بالسجن 10 سنوات. ويزعم مسؤول في حزب حركة الإنصاف الباكستانية، أنَّ أحد سجَّاني نواز شريف يقوم بتشغيل التلفزيون له خلال مسيرات خان، مما يجبره على مشاهدة مَن تسبَّب في الزجِّ به في السجن.
ويعتبر خان شخصيةً مستقطبة بعمق، وأدَّت تصريحات حملته الانتخابية اللاذعة إلى اشتعال التوترات السياسية، لا سيما بعدما وصف أنصار حزب "الرابطة الإسلامية" الباكستانية الذي كان يرأسه نواز شريف بـ "الحمير".
يتمتّع خان بشعبية حقيقية في أنحاء البلاد، ويحظى بعلاقة ودية بالجيش الباكستاني المستبد. فقد استغلَّ شهرته وجاذبيته وثراءه في شنِّ حملته ضدَّ الفساد، الذي يمثل أكثرَ القضايا التي يُجمع عليها الشعب، في دولة فقيرة تناضل في العديد من الجبهات.
شهدت باكستان سلالة سياسية حاكمة تلو الأخرى، تسعى وراء تحقيق الثراء لنفسها، بينما تتعثر البلاد. وتعاني المستشفيات العامة من الإهمال المروع فقد بلغت نسبة وفيات الأطفال أعلى معدلاتها في آسيا، ويفرّ عدد لا حصر له من الشباب الباكستاني من البلاد كل عام؛ بحثاً عن العمل كسائقين وعمال نظافة وبناء، حيث لا تتوافر الوظائف اللائقة بالوطن.
قدَّم خان نفسه باعتباره ترياقاً شعبياً لكل تلك السلبيات.
وذكر رضا رومي، الصحفي الباكستاني البارز الذي يعمل محللاً سياسياً بمعهد كورنيل للشؤون العامة: "ليس هناك أي فضيحة فساد مباشرة ترتبط باسمه، وهو أمر نادر في باكستان، وخاصة مع رجال السياسة".
ومع ذلك صورته ليست بذلك النقاء
ومع ذلك، ليست صورة خان النقية هي التي تُبرر نجاحه في هذا التوقيت.
تتزايد الأدلة وفق The New York Timesعلى وجود تلاعب سياسي مكثَّف مِن قِبَل القيادة العسكرية بالبلاد. ويتّهم النشطاء الحقوقيون والمنافسون السياسيون لخان القوات المسلحة باستهداف خصوم خان، وتكميم الصحافة عند الحاجة إلى ذلك.
أُودع زعيم الحزب السياسي الباكستاني البارز ورئيس وزراء باكستان على مدار ثلاث فترات، نواز شريف، بالسجن منذ أكثر من أسبوعين. وكان قضاة المحكمة العليا قد عزلوه من منصبه منذ نحو عام، من خلال حكم اعتبر الكثيرون أنه قد صدر تحت ضغط من الجيش.
وتخلَّى العديد من أعضاء حزب شريف عنه، فيما وصفه آخرون بأنها حملة تشنها الأجهزة الأمنية للقضاء على التنظيم المعروف باسم حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية.
وإذا كان نمط العمل السياسي لخان حتى هذه المرحلة دون المستوى، رغم مزاياه المتعددة في هذه الانتخابات، فربما تساعده هذه المزايا المتعددة على تجنب الإخفاق.
يتحدَّث خان بصوت عميق يتَّسم بالثقة والاسترخاء والواقعية، لكن ربما يكون بعيداً بعض الشيء.
ويصرُّ على أنه غير متحالف مع الجيش، رغم أنه يعلن عن دعمه له.
ذكر خان خلال لقاء مع صحيفة The New York Times هذا الربيع: "أعتقد أن الحكومة الديمقراطية تحكم من خلال السلطة الأخلاقية. وإذا لم يكن لديك سلطة أخلاقية، فإن أصحاب السلطة المادية يوطّدون أقدامهم. وأرى أنه جيش باكستان، وليس جيش العدو. سأحمل الجيش معي".
تولَّى الجيش الباكستاني حكمَ البلاد بصورة مباشرة لحِقبة طويلة من التاريخ، وكان دائماً ما يُقحم نفسه في الشؤون السياسية. ويتشكَّك العديد من المحللين في مزاعم خان حول الاستقلال.
وذكرت كريستين فير، الخبيرة السياسية بجامعة جورج تاون "أنه دمية لديهم. وقد وصل إلى ما وصل إليه الآن بسبب الجيش والاستخبارات العسكرية، التي تشارك في المؤامرات والخدع السابقة للانتخابات، وسوف تواصل ذلك لحين الانتهاء منها، لضمان فوز التحالف الذي يتزعمه عمران خان".
كيف يتولى خان الحكم حينذاك؟
باكستان دولة محورية، وتحتل المرتبة السادسة في العالم من حيث تعداد السكان، وتمتلك قدراتٍ نوويةً، وتُعد بقعة سياسية ساخنة؛ نظراً لعداوتها طويلة الأجل مع الهند، ودعمها للحروب بالوكالة، بما في ذلك الحرب التي تخوضها حركة طالبان في أفغانستان.
ذكر خان أنه يود تحقيق السلام مع الهند. ورغم انتقاده بعض أعمال العنف التي تمارسها طالبان، فقد دافع بصفة علنية عن الحركة وأهدافها. واتَّخذ موقفاً متشدداً ضد الولايات المتحدة، حيث شكا بمرارة من الضربات الجوية في باكستان، واعتبر الحربَ على الإرهاب "ضرباً من الجنون".
وقال عمر واريش، نائب مدير منظمة العفو الدولية بجنوب آسيا: "تعد سياسته الخارجية مناهضة لأميركا في الأساس".
ومن المرجَّح على المستوى المحلي، أن يتعرَّض خان أو أي شخص آخر يفوز في الانتخابات للارتباك الشديد، حيث يستمر اقتصاد باكستان في التراجع، وتعاني العديد من الأصول العامة من الأزمات، ومن بينها شبكة الكهرباء وإمدادات المياه.
ورغم أن مؤهلات خان الشخصية للحكم لا تزال غير معلومة، فإن حزبه قد حكم إقليم خيبر باختونخوا، شاسع المساحة، الذي ينخفض به تعداد السكان منذ عام 2013. ورغم أن سجلاته هناك متفاوتة، فإن الفضل يرجع إليه في تحسين الخدمات الحكومية.
وفي حالة عدم فوز حزبه بأغلبية ساحقة، اليوم الأربعاء، يمكن أن تتعقد الأمور للغاية.
وذكر خان أنه لن يُشكل تحالفاً مع أي من الحزبين الرئيسيين الآخرين، اللذين اعتبرهما فاسدين ولا يمكن أن يشكّلا تحالفاً. ويمكن أن تتمثل النتيجة في برلمان ضعيف ومُفكَّك لا يمكنه الصمود.
وعاش خان البالغ من العمر 65 عاماً حياةً رائعة، رغم عدم اتساقها بصفة دائمة.
وُلد خان في أسرة ثرية وتعلَّم في جامعة أكسفورد
وُلد خان في أسرة ثرية، وتعلم في جامعة أكسفورد، وعَشِقَ العديدَ من النساء الجميلات والشهيرات، وأصبح نجماً رياضياً، وواحداً من أفضل نجوم الكريكيت في التاريخ، ولا تختلف خبراته عن خبرات معظم الباكستانيين.
وصل إلى مكانة بطولية عام 1992، حيث قاد فريق الكريكيت الباكستاني إلى الفوز على إنكلترا في الدور النهائي لكأس العالم. وكانت لحظة رائعة من الفخر الوطني، وكان خان هو محور تلك اللحظة. وكان يبلغ من العمر 39 عاماً، وتعرَّض لإصابة في كتفه.
وبعد بضع سنوات، خاض تحولاً روحانياً، وجمع ملايين الدولارات لبناء مستشفى لعلاج الفقراء من السرطان (توفيت والدته بسبب مرض السرطان)، وأصبح أكثر اهتماماً بالإسلام. وابتعد عن دائرة الضوء ومواعدة المشاهير، وذكر أن تلك الحياة لم تكن تشبع احتياجاته.
ونقلت إحدى الصحف البريطانية عنه قوله: "تبدو تلك الحياة من الخارج رائعة وعظيمة، ولكنها ليست كذلك بالفعل. إنها علاقات مؤقتة وفارغة تماماً".
عام 1996، أسَّس خان حركة العدالة، وناضل حزبه سراً على مدار سنوات، ولم يحصل على أي مقعد بالبرلمان. ولفترة ما أصبح خان النجم هو خان الأضحوكة، فقد سخِرت صحيفة باكستانية منه في كتاباتها.
وأثبت الحزبان الآخران، وهما حزب شريف وحزب الشعوب الباكستاني الذي أسَّسته عائلة بوتو، أنهما أكثر تنظيماً. وقد أسسا شبكات رعاية واسعة النطاق في مختلف أنحاء البلاد.
ولا يزال ملاك الأراضي وزعماء القبائل يحظون بنفوذ هائل. ويمكن أن يحصد هؤلاء النبلاء كتلاً تصويتية هائلة.
ومع ذلك، حقَّق خان خلال تلك السنوات متابعات كبيرة، وتزايدت أعداد مؤيديه. وكان هؤلاء المؤيدون ينادون "مَن سينقذ باكستان؟"، و"عمران خان! عمران خان!".
ويغفر له العديد من المسلمين المتحفظين من باكستان ماضيه الفاسد.
وذكر تانفير حيدر، وهو عامل رافعة باكستاني يعمل في الشرق الأوسط وقد عاد إلى وطنه هذا الأسبوع كي يمنح حزب خان صوته في الانتخابات: "سلوكه الماضي يخصّه وحده، لا يهمني سوى ما سيفعله لهذه البلاد. من بين كل رجال السياسة سوف يبذل أقصى جهده".
ويذكر المحللون أن باكستان تتوق للتغيير، وهذا هو ما يمثله خان.
وقال الصحفي والمحلل السياسي رومي "سئم القطاع الأكبر من سكان المدن الباكستانية كلا الحزبين، ويشعرون أننا بحاجة إلى تجاوزهما، وخان هو المخرج الوحيد".
رغم كل التأييد الذي يحظى به خان، فقد أبدى بعض المرونة، وخاصة فيما يتعلق بالاهتمام الشديد بحياته الخاصة.
كانت زوجته الأولى جميما جولدسميث بريطانية ذات أصول يهودية. وسرعان ما اتَّهم بعض الباكستانيين خان بالخضوع لمؤامرة صهيونية، ولكنه سخر من ذلك الاتهام.
ونشرت زوجته الثانية مؤخراً مذكرات تتضمن ادعاءات بسلوكيات طائشة في حياة خان الخاصة، وقد تغاضَى عن ذلك، وألقى به خلف ظهره.
وتشتهر زوجته الثالثة الحالية، بكونها معالجة روحانية، ويتحدث العديد من الباكستانيين عن الطقوس التي يمارسها خان وزوجته.
وفي محاولة لتلخيص ما يرمز له خان، ذكر أشوتوش فارشني، مدير مركز جنوب آسيا المعاصرة بجامعة براون قائلة: "عمران يجمع بين شخصيات الموهوب رياضياً والطائش والسياسي الطموح. ولا يستطيع أن يحقق الديمقراطية في باكستان، لتحقيق الديمقراطية، لا بد أن ينسحب الجيش من مجال السياسة كحد أدنى".
وأضاف فارشني: "لا يمكن أن تتحقق الديمقراطية بهذه الطريقة. فالانتخابات ليست انتخابات".
______________
اقرأ أيضاً