يسعى النظام السوري إلى إيجاد حلول جديدة لإرضاء عوائل القتلى في الجيش والقوات الرديفة، وخاصة مع تصاعد حدة التوتر في مدينة طرطوس الساحلية أو "عاصمة الشهداء"، كما يحلو للموالين للنظام تسميتها، والمسكونة من الغالبية العلوية التي ينحدر منها الرئيس السوري بشار الأسد. وقدم أحد أعضاء مجلس الشعب اقتراحاً لفرض ضريبة جديدة في البلاد، لتعويض أسر القتلى وأبنائهم.
الاقتراح جاء من قبل العضو نبيل صالح، أثناء جلسة لأعضاء المجلس، يوم الأحد 24 يونيو/حزيران، الذي كتب على صفحته في موقع "فيسبوك"، إن "(ضريبة الدم) كانت اقتراحي الجديد تحت قبة مجلس الشعب، بحضور السيد مأمون حمدان وزير المالية"، وأضاف: "حكومتنا الرشيدة ما زالت تقدم مشاريع ضريبية لصالح خزانتها، فلا أقل من أن نقدم، نحن ممثلي الشعب السوري، مشروع ضريبة لصالح الشعب اسمها (ضريبة الدم)، تجبى لصالح أسر الشهداء والجرحى"، وبرَّر ذلك بتفاقم أعداد ذوي القتلى وازدياد فقرهم، حتى "بتنا نرى بعض أبطالنا المقعدين يتسولون لقمتهم من الناس".
"ضريبة الدم" كانت اقتراحي الجديد تحت قبة مجلس الشعب بحضور السيد مأمون حمدان وزير المالية بعد انتهاء المجلس من الإستماع…
Posted by Nabil Saleh on Sunday, June 24, 2018
رد الاعتبار للطائفة العلوية
أنس، وهو أحد أبناء مدينة طرطوس المقيم حالياً في تركيا، اعتبر أن النظام يسعى لـ"التهدئة ورد الاعتبار لأبناء طائفة الأسد، بعد الاحتجاجات الواسعة التي قاموا بها قبل فترة قصيرة"، ولفت إلى أن الموالين للنظام "باتوا يشعرون كأنهم حطب لبقاء الأسد على كرسيه".
ولتفادي المزيد من التصعيد كان الرئيس السوري بشار الأسد قد توجَّه إلى مدينة طرطوس لتأدية صلاة العيد في أحد مساجد المدينة، وهي المرة الأولى التي يتوجه فيها الأسد للصلاة في مدينة سكانها من الغالبية الموالية له، حيث اعتاد الظهور في دمشق، وحماة العام الماضي، وقبلها في حمص.
وشهدت المدن الساحلية في الآونة الأخيرة عدداً من التظاهرات لأبناء الطائفة العلوية، الرافضين إرسال أبنائهم إلى الالتحاق بالجيش السوري وتأدية الخدمة العسكرية، أو المشاركة في المزيد من المعارك. ووزع المحتجون منشورات كتب عليها "كأس السم، كرسي الدم"، فيما نشرت مواقع أخرى، نص بيان مختصر، تمت كتابته بإيجاز، ثم القيام بإشهاره ولصقه، جاء فيه: "السيد الرئيس، دماؤنا ذهبت لأجل بقائك على الكرسي، لذا نطلب إليكم أن ترسلوا أبناء الوزراء والمسؤولين عندكم، للدفاع عنك وعن كرسيك، نفد الرجال من الساحل".
علاقته قوية مع المخابرات ويتهجم على التشريعات الإسلامية
نبيل صالح ولد في مدينة السويداء وعاش فيها، لكنه نجح في انتخابات مجلس الشعب عن "دائرة الانتخابات في مدينة اللاذقية"، وكان قد حصل على إجازة في الأدب العربي، ويروي عنه مقربون أنه يحظى بعلاقة قوية مع ضباط المخابرات السورية ويسهر دائماً مع بعضهم.
وشنَّ صالح في وقت سابق هجوماً لاذعاً على الإسلام والتشريعات الإسلامية، واصفاً إياها بـ"اللاإنسانية". وكتب صالح على صفحته في موقع فيسبوك: "يجب الاعتراف أن هناك ثقافة دينية مشتركة بيننا وبين داعش، لكي نتمكن من معالجتها"، وتابع قائلاً: "نريد تشريعات إنسانية لا ماعزية.. لهذا نرسل أبناءنا لمحاربة كائنات الماضي الداعشي، وإلا فإن دماءهم تكون قد ذهبت هدراً على أعتاب السلفيين".
وعُرف صالح أيضاً باقتراحاته المثيرة للجدل، إذ اقترح، في فبراير/شباط الماضي، إنشاء "سبيل ماء للشرب تكريماً للجنود الذين استشهدوا في معارك وادي بردى، من أجل أن يترحم الناس على أرواح الذين بذلوا دماءهم مقابل دمائنا".
صلاة العيد كانت في طرطوس أيضاً
وقد أدى الرئيس السوري بشار الأسد صلاة عيد الفطر الماضية في جامع "السيدة خديجة" في طرطوس، التي تشهد في الفترة الأخيرة احتقاناً من قِبل الموالين له على سياسته التي يشعرون بأنها تهمشهم.
فيبدو أن اختياره السفر من قصره في العاصمة دمشق إلى طرطوس، لم يكن صدفة؛ فالزيادة التي قدمها للعساكر (30%)، ولم تشمل ميليشيات قاتلت لصالحه، أشعلت غضبهم في وقت هو بغنى عن انقلابهم ضده.
فاختار الصلاة صبيحة عيد الفطر في جامع السيدة خديجة، الذي يقع بأحد الأحياء التي يسكن فيها غالبية من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس.
ونشرت وكالة سانا الموالية للنظام مجموعة من الصور للأسد وهو يصل إلى الجامع برفقة مفتي الجمهورية أحمد بدر الدين حسون، ووزير الأوقاف محمد عبدالستار السيد، وأوردت تعليقاً مقتضباً قالت فيه إن "الرئيس الأسد يؤدي صلاة عيد الفطر في جامع السيدة خديجة بمدينة طرطوس".
وظهر الرئيس السوري في صور أخرى وهو محاط بعشرات المصلّين، الذين تجمعوا لإلقاء التحية عليه وتهنئته بالعيد، وضاقت بهم قاعة المسجد.
وتعد هذه هي المرة الأولى التي يتوجه فيها الأسد للصلاة في مدينةٍ سكانُها من الغالبية الموالية له، حيث اعتاد الظهور في دمشق، وحماة العام الماضي (2017)، وقبلها في حمص.
إرضاء طائفته
ولفت أبو محمد، من طرطوس، إلى أن صلاة الرئيس السوري هذه المرة بطرطوس تأتي في إطار "إرضاء حاضنته وطائفته، ونفى مقولة أنه يصلي فقط في المناطق السُّنية"، وأضاف في حديث لـ"عربي بوست"، أن الشريحة الموالية للنظام تعتبر نفسها دفعت ثمناً باهظاً لمنع سقوط حكم عائلة الأسد، وهو ما يتطلب عناية ودعماً أكبر تجاههم، بحسب قوله.
وبيّن أبو محمد -الذي طلب عدم ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية- أن الجامع يتردد عليه عدد كبير من علماء الدين في المدينة، وأن الإمام فيه هو محمد السيد، ابن وزير الأوقاف الحالي عبدالستار السيد.
وتقع مدينة طرطوس، التي تضم قاعدة بحرية روسية، على الساحل السوري غرباً، وهي مدينة مجاورة لمحافظة اللاذقية التي تنحدر عائلة الأسد منها، وتعد المعقل الأبرز للطائفة العلوية، التي بقيت بمنأى عن الدمار الذي شهدته باقي المدن السورية.
اقرأ أيضاً