تمددت إيران في منطقة الشرق الأوسط بالفعل قبل التوقيع على الاتفاق النووي مع الدول الكبرى، عام 2015، وتمكنت من إنشاء وتدعيم نفوذها في العديد من الدول العربية، من اليمن والعراق ولبنان والبحرين، وليس انتهاءً بسوريا.
وكان ذلك بالرغم من العقوبات القاسية التي فُرضت عليها، أميركياً ودولياً، ولسنوات طويلة، بحسب تقرير لوكالة "بلومبيرغ"، نُشر الإثنين 21 مايو/أيار 2018.
وبالتالي، وفق التقرير، فإن عودة تلك العقوبات، بعد تمزيق الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الاتفاق النووي، في 8 مايو/أيار، قد لا تؤثر كثيراً على النشاط الإيراني، الذي ترى فيه دول المنطقة "خطراً كبيراً".
تدرك الدول العربية التي تعتبر نفسها في مقدمة المواجهة مع طهران؛ السعودية والإمارات، أن الخروج من الاتفاق النووي وإعادة العقوبات خطوات غير كافية، إلا أنها على الأقل بداية جيدة تعيد واشنطن إلى ميدان المعركة مع النظام الإيراني.
أضف إلى ذلك أن دول الخليج كانت على قناعة بأن هذا الاتفاق يمنح إيران الغطاء الشرعي لحملتها المكثفة لزعزعة استقرار العالم العربي، فيما كان الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، يرى أن إعادة طهران إلى الفضاء الدولي، وتخفيف العقوبات عنها، من شأنها تخفيف نزعتها الثورية وتدخلاتها الإقليمية، ودعمها لمجموعات طائفية متطرفة.
ماذا تريد الدول العربية؟
تريد الرياض وأبو ظبي بالتأكيد أن ينتهي الاتفاق النووي إلى الأبد، وأن تفشل الجهود الأوروبية للحافظ عليه، وتدفع واشنطن بهذا الاتجاه.
إلا أن مطالبها تفوق ذلك بكثير، بحسب بلومبيرغ، تتلخص في تجريد طهران من المكاسب الإقليمية التي حققتها منذ الغزو الأميركي للعراق، عام 2003.
وقد اتخذت السعودية والإمارات بالفعل خطوات عملية في اليمن، إلا أنهما يطالبان واشنطن بالتحرك في كل من العراق وسوريا، وفي مياه الخليج العربي نفسه.
وقد أبدت السعودية استعدادها للعب دور دبلوماسي وسياسي ومالي أيضاً في العراق، إلا أنها ربما تنتظر تحركاً عسكرياً، محدوداً ومركزاً، من قبل إدارة ترمب، خصوصاً بعد القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
أما في سوريا، فإن دول الخليج تلك تأمل في أن تفرض إسرائيل خطوطها الحمراء على التحركات الإيرانية، وتهدد وجود مقاتلي حزب الله، بل ربما يمتد التهديد ليصل إلى عقر دارهم في لبنان.
وتمتد قائمة المطالب لتشمل أيضاً عمل الولايات المتحدة على إقناع تركيا وروسيا بوضع حد لإيران وحزب الله في سوريا، للحفاظ على مصالحهما هناك.
أخيراً، توجد العديد من المؤشرات على تشجيع العرب والأميركيين للأقليات العرقية الإيرانية مثل البلوش والعرب والأكراد، على القيام بثورات.
وليس الهدف من ذلك تغيير النظام، إذ لا يُعد هذا الأمر وارداً في الوقت الحالي، إلا أن المطلوب هو مضاعفة الضغوط الداخلية، كما الخارجية، على طهران.
شكوك في قدرة واشنطن على التلبية
لا يبدو أن واشنطن ستكون قادرة على تلبية تلك المطالب، وهي التي ما تزال تعاني من تبعات حروب أفغانستان والعراق، اقتصادياً واجتماعياً واستراتيجياً.
كما أن الشعار الذي منح ترمب مفاتيح البيت الأبيض كان "أميركا أولاً"، والرئيس الأميركي لن يغامر في حرق ما تبقى له من قاعدة شعبية بمغامرة خارجية غير محسوبة.
وبالتأكيد فإن قراره سحب أكثر من 2000 جندي من سوريا يأتي في ذلك الإطار، لا في سياق العمل على تلبية المطالب العربية، التي وإن كانت تتلخص في مجرد إضعاف الحرس الثوري الإيراني وعملائه في المنطقة، إلا أنها أكبر مما يتوقعه القادة الخليجيون بالنسبة للولايات المتحدة.
مخاطر تمزيق الاتفاق النووي
بالرغم من السعادة التي أبدتها دول في المنطقة إثر قرار ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي، وخصوصاً السعودية وإسرائيل، فإن الخطوة تنضوي على الكثير من المخاطر للمنطقة، سيما إذا توقفت الإدارة الأميركية في ذلك المربع، ولم تتقدم إلى الأمام بشأن "مواجهة إيران"، أو إلى الخلف نحو العودة إلى الاتفاق مع طهران واحتوائها على الساحة الدولية.
ومن أبرز تلك المخاطر مضي إيران إلى الأمام نحو امتلاك قنبلة نووية، وعودة تصدر التيار المحافظ المشهد السياسي في البلاد، وتوثيق العلاقات مع الصين وروسيا والاستغناء نهائياً عن الحاجة إلى الغرب اقتصادياً، إضافة إلى التصعيد عسكرياً في سوريا واليمن، وربما إشعال حرب أكبر في المنطقة.