ليلة حامية الوطيس بالشرق الأوسط؛ ففي الساعات الأولى من صباح الإثنين 9 أبريل/نيسان 2018، هاجمت طائرات لا تزال مجهولة الهوية القاعدة الجوية العسكرية السورية "T-4" بالقرب من حمص. وبعد وقت قصير، أفاد الفلسطينيون بوقوع غارة جوية إسرائيلية شمال قطاع غزة ضد أحد الأهداف التابعة لـ"حماس".
يبدو أن إسرائيل لم تعُد تقف وراء الكواليس؛ بل تأخذ دوراً أكثر فاعلية في الأحداث. استنتاج توصَّل إليه الإعلامي الإسرائيلي ومحلل الشؤون العسكرية آموس هاريل، في مقال بصحيفة هآرتس.
أعلنت الولايات المتحدة أنها غير مسؤولة عن الهجوم على القاعدة العسكرية، وانهالت تقارير عن وقوع ضحايا.
ألقى المسؤولون الروس والسوريون اللوم على إسرائيل، في حين رفضت إسرائيل التعليق. وكانت إسرائيل أعلنت في الماضي مسؤوليتها عن الهجوم على القاعدة ذاتها مرتين؛ في مارس/آذار 2017، وفي فبراير/شباط 2018، حيث يوجد المستشارون العسكريون الإيرانيون.
وفي هجوم فبراير/شباط 2018، دمرت إسرائيل مركز مراقبة إيراني داخل القاعدة، بعد أن حلَّقت طائرة إيرانية من دون طيارٍ فوق إسرائيل. كان يوماً حافلاً بالمعارك، شهد أيضاً إسقاط مقاتلة إسرائيلية من طراز "F-16".
وكانت إسرائيل أعلنت علناً أنها ستعمل على "إحباط تهريب الأسلحة المتطورة من سوريا إلى حزب الله في لبنان"، إلى جانب استهداف "التحصينات الإيرانية بسوريا"، على حد تعبير المحلل الإسرائيلي.
الضربة الأخيرة على القاعدة تأتي في سياق أحداث سياسية وأمنية متسلسلة:
- هجوم الأسد الكيماوي على المعارضة.
- النفوذ الروسي–الإيراني المتزايد في سوريا.
- تلميحات إدارة دونالد ترمب بخصوص سحب القوات الأميركية من البلاد.
ويوم الأربعاء 4 أبريل/نيسان 2018 تحديداً، التقى كل من الرئيس التركي والروسي والإيراني في العاصمة التركية، أنقرة؛ لعقد قمة حول سوريا، في ظل الانتصار الواضح لنظام الأسد على خصومه.
وفي الوقت نفسه، أعلن ترمب نيته سحب قواته من سوريا، رغم معارضة بعض مستشاريه وجنرالاته للفكرة.
فهل من العجيب أن يفسر الرئيس بشار الأسد أو شخص آخر يقدم له التقارير في التسلسل القيادي، التطورات الأخيرة باعتبارها فرصة سانحة، تسمح له بالهجوم على دوما لتسريع عملية القضاء على الجيوب الأخيرة للمقاومة شرق دمشق؟
وكما هو الحال في الحالات الأخرى، التي يمكن أن يتسبب إثبات التورط الروسي بها في إحراج موسكو، لم يكن واضحاً ما إذا كان الأسد قد حصل على الضوء الأخضر من الروس للتصرف.
واعتبر الكاتب أن القاعدة المعتمدة هنا: "لا ينبغي تصديق شيء حتى ينفيه الكرملين" (تماماً مثلما نفت روسيا تورُّطها في محاولة اغتيال الجاسوس السابق سيرغي سكريبال في بريطانيا قبل شهر).
ثم انتقل إلى إلقاء اللوم على إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، التي أعادت النظر في فرض إجراءات عقابية ضد الأسد، بعد أول مذبحة مؤكَّدة ارتكبها نظامه باستخدام الأسلحة الكيماوية في صيف عام 2013.
كان الاتفاق الذي تم التوصل إليه في ذلك الوقت، من خلال الوساطة الروسية، يقضي بأن يتخلى النظام السوري عن أسلحته الكيماوية. وأسفر الاتفاق بالفعل عن التخلص من معظم مخزون الأسد من الأسلحة الكيماوية. ولكن، يبدو أن النظام احتفظ بكمية معيَّنة منها، إلى جانب استخدامه المتكرر الوسائل الأقل خطورة، مثل غاز الكلورين (غاز الكلور).
انتقاده طال إدارة ترمب، التي لم تتصرف بشكل مختلف عن سلفه الرئاسي السابق، على حد تعبيره. فالعام الماضي (2017)، أمر ترمب بشن هجوم صاروخي على إحدى القواعد الجوية السورية، رداً على الهجوم الكيماوي في خان شيخون.
ولكن، يبدو أنه خلال هذه العملية (بعد الثناء الإلزامي من وسائل الإعلام)، انتهى اهتمام ترمب بالأحداث في سوريا من الناحية العملية. فحتى لو شنت الولايات المتحدة هجوماً عقابياً آخر هذه المرة، "يعرف الأسد أنه بوسعه القيام بأي شيء يريده تقريباً، بدعم روسي، وأن الأميركيين في طريقهم للخروج"، كما قال هاريل.
ويعتبر أن تصرفات الأسد الأخيرة دليل على استعداده لاستخدام أي وسيلة لاستعادة السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السورية، ومنها الجولان.
ثم يطرح صوابية القرار المتخذ بوقف إنتاج وتوزيع الأقنعة الواقية من الغاز على الإسرائيليين منذ عام 2014.
ويبدو أن معظم ما تقرَّر في قمة أنقرة يثير قلق إسرائيل، وضمن ذلك تثبيت طهران أقدامها في سوريا، ومن ضمنها المواقع القريبة من إسرائيل.
خطوات من شأنها أن تسرّع الجهود الإسرائيلية لمواجهة الوجود الإيراني. وبرأي هاريل، فإن إسرائيل تسير شمالاً اليوم على خيط رفيع، أكثر من أي وقت مضى.
واعتبر أن "النهج العدواني النسبي الذي يدعمه رئيس أجهزة الأمن الإسرائيلية" له عواقبه؛ بدءاً من خروج الأميركيين من سوريا وحتى ما سماه التورط الإسرائيلي هناك.