لطالما شدت انتباهي المفارقة بين صورة الغرب وما أراه وأعاصره من واقع عربي، صورة تكاد تلامس المعنى الحقيقي للكمال والنظام التام، وفي المقابل واقعنا العربي أصبح مرهقاً ومضنياً لغياب أمل التغيير والنهضة فيه، هذه المفارقة جعلتني أطرح أسئلة اليوم لم أجد لها أجوبة، هل نتحمّل نحن كمواطنين هذا الواقع المرير أم تتحمّله دولنا، حيث إننا كأفراد عندما نهاجر نزهر ونثمر في بلدان أخرى؟
بعد سنوات من الإصرار التام على البقاء داخل أرض الوطن والإيمان العميق بمفاهيم العروبة أقر بأنني أصبحت أريد أن أكون جزءاً من تلك الصورة الغربية حتى ولو كانت نمطية بعض الشيء. لقد تغيرت إلى الحد الذي أحاول فيه التنصل من الهوية بتعلة المواطنة الكوكبية وأن الإنسان لا ينتمي إلى أي مكان أو زمان: "أحلامي لا تعرف حدوداً، كل بلاد الأرض وطني، وكل قلوب الناس جنسيتي، فلتسقطوا عني جواز السفر".. جيفارا.
لكني في المقابل لا أعلم لماذا لا زلت أحمل في داخلي الحلم الجميل بأن "وطني بيكبر وبيتحرر"، ولا زلت أمسك الهوية وأرفض تركها البتة.
ما أريد التحدث عنه اليوم هو الرغبة الجامحة لأغلب الشباب، بل وحتى الكهول في مغادرة الأوطان العربية، هل أصبح الواقع مرفوضاً تماماً ولا أمل في التغيير غير تغيير مكان الإقامة؟ الحقيقة أنني لا أعلم السبب المباشر لكنني وجدت نفسي اليوم أيضاً كشابة تونسية أرى أن الخروج من الأوطان العربية هو الدخول الحقيقي للحضارة والمرحلة الجديدة من الأنسنة.
لقد تقدم الغرب بمراحل وسنوات عدة وأصبحنا نرى حاضره أملاً لنا في المستقبل، هذا التقدم الذي أتحدث عنه ليس فقط تكنولوجيّاً، بل تقدم روحي وعقلي وفردي قبل أن يكون جماعياً؛ "كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم".
وبعوامل الزمن والنظام أصبح التغيير الفردي جماعياً وانطلق من مفهوم التغيير إلى قوانين صارمة تجعل المواطنين يعرفون واجباتهم ولا يطالبون بالحقوق لأنها مكفولة سلفاً. في المقابل كمواطنين في عالم ثالث نحن نطالب بالحقوق ولا نعرف السبيل لتأدية الواجبات رغم أننا نحمل داخلنا الإبداع الكافي والإتقان لذلك.
لا أحاول تحميل أحد ذنب التأخير المريع الذي أصبحنا فيه، لكن أريد الإشارة لفارق التوقيت بيننا وبين الغرب، وكذلك أرى أن الإيمان الحقيقي يمارسه هو بالمساواة والعدل والعيش الكريم المكفول لجميع مواطنيه.
نحن نحب أوطاننا لكن نحب الحياة أيضاً ونأمل بأن تكون كريمة، لكن ما نراه اليوم هو تخلف ورجعية وتشبث بعقلية لن تؤدي بنا كأمة إلا للهلاك. "علينا أن نتعلم كيف نعيش سوية كالأخوة، أو أن نهلك معاً كالحمقى"، مارتن لوثر كينج. هذه العقلية الرجعية ستجعلنا نشد الرحال من جديد لمكان تكون فيه الحريات الفردية مكفولة والنظام سارياً على الجميع وحب الوطن عملياً وليس مجرد شعارات تحمل ولها وقت صلاحية ينتهي بانتهاء المصالح الشخصية.
ما يمكن استخلاصه هو أهمية الانفتاح على الهوية الغربية وأخذ العبر من تاريخ العالم الذي حان الوقت أن يغدو موحداً، والحفاظ على الأمل الدائم بأننا نحن أيضاً يمكننا أن نزهر ونثمر داخل أوطاننا دون مصالح شخصية، ربما ليس الآن سيكون هذا الإثمار، لكن في الأعوام المقبلة إن عملنا على ضبط الساعة دائماً على توقيت العمل وإتمام الواجبات قبل الحقوق.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.